مقال
( 195 ) تطبيقات على القاعدة الثانية التي أقر بها الميرزا غلام إتفاقا مع علاماء
النقل و العقل و هي منع تخصيص العام أو الإستثناء منه إلا بدليل قطعي .
1-
معلوم أنه لو كان هناك فرد هو عضو في جماعة معينة تجمعهم صفة مشتركة محددة
واحدة أو أكثر, و قد يتميزون عن
بعضهم البعض في صفة أو صفات أخرى , كما أنه لا يصبح أي واحد منهم عضوا في هذه
الجماعة إلا بوجود هذه الصفة أو الصفات المشتركة , مثل الأطباء يجمعهم صفة واحدة
على الأقل أنهم أطباء قد حصلوا على تصريح ممارسة الطب من الجهة المسؤولة الموثوق
بها في بلادهم , و قد يفترقون أو يتميزون عن بعضهم البعض بالتخصصات المختلفة ,
فهذا طبيب أطفال و هذا طبيب جراحة و هذا طبيب مسالك بولية و هكذا .
فإذا
قلنا قد دخل الأطباء القاعة , فمعنى الكلام أن كل أصناف الأطباء قد دخلوا القاعة ,
و لا يصح القول بأن الذين دخلوا هم أطباء المسالك فقط إلا بدليل قطعي لأن لفظ الأطباء
يشمل كل الأطباء.
فلفظ
الأطباء لفظ عام يشمل كل الأطباء بكل التخصصات و لا يصح إخراج أحد من عموم اللفظ إلا
بدليل قطعي .
و كذلك
لفظ " النبيين
" الوارد في آية الأحزاب " مَا
كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
" (40) سورة الأحزاب
,
فلفظ النبيين هنا لفظ جامع شامل لكل الأنبياء, و لا يصح إخراج البعض منه بالإستثناء
أو تخصيص البعض من النبيين إلا بدليل قطعي .
فمن
الأنبياء من هو نبي تشريعي , و منهم من هو غير تشريعي .
فلا
يصح القول بأن التعبير" خاتم
النبيين " المقصود منه خاتم أي
أخر الأنبياء التشربعيين فقط إلا بدليل قطعي كما أوضحنا .
2- و
معلوم أننا لو قلنا أن الدكتور ابراهيم هو آخر الأطباء الذين دخلوا القاعة , فهذا
لا يعني أنه آخر من دخل من أطباء المسالك فقط لأنه طبيب مسالك , بل عموم لفظ
" الاطباء" هنا يشمل كل الأطباء و بالتالي فهو آخر من دخل القاعة من كل أصناف
الأطباء سواء أطباء المسالك أو غير هذا التخصص بلا استثناء إلا بدليل قطعي .
و
بالتالي فالتعبير " خاتم
النبيين " معناه أن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هو آخر النبيين
جميعهم بلا تخصيص أو استثناء لعدم وجود الدليل أو القرينة القطعية اللزمة لإخراج
اللفظ من عمومه .
3- و
معلوم أننا لو قلنا أن د.ابراهيم بدوي كان آخر أطباء المسالك الداخلين للقاعة ,
فهذا يعني أنه من الممكن أن يدخل القاعة بعده أطباء من تخصصات أخرى , لأننا خصصنا لفظ الأطباء بقولنا أطباء
المسالك , و بما أن التعبير " النبيين
" لم يخصصه الله تعالى في الآية المشار إليها و أنه شامل كل الأنبياء سواء
تشريعيين أو غير ذلك , فلكي نقول أن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هو آخر الأنبياء
التشريعيين فقط يلزمنا القرينة أو الدليل
, و إذا لم يكن هناك ما يقطع بالتخصيص أو الإستثناء فلا مبرر للقائلين بتخصيص
" النبيين
" في الآية بالتشريعيين فقط من الأنبياء .
4- و
عليه فكون د.إبراهيم آخر الأطباء الداخلين للقاعة بحسب عموم لفظ الأطباء , فهذا
يعني أنه أيضا آخر أطباء المسالك الداخلين للقاعة , كما أنه أيضا آخر اطباء بقية
التخصصات الداخلين للقاعة , و لا يعني في هذه الحالة كونه آخر اطباء المسالك
الداخلين للقاعة أنه ليس آخر الداخلين من كافة الاطباء , فإثبات صفة آخر النبيين
لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم تعني ؛ كما أنه آخر الأنبياء التشريعيين فهو أيضا
أيضا آخر الأنبياء غير التشريعيين بسبب عموم التعبير " النبيين
" لكل من يشملهم هذا التعبير.
5- هل
الميرزا يقر بهذا الكلام ؟
نعم و
بكل قوة
أ- في
كتاب شهادة القرآن صفحة 348 :
يقول
الميرزا " أعود
إلى صلب الموضوع وأقول إن بعض الناس ينكرون عموم الآية: (وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ويقولون
بأن المراد من "منكم" هم الصحابة فقط، وأن الخلافة الراشدة الحقة قد
انتهت على زمن الصحابة، ولن يكون بعدهم للخلافة في الإسلام أيّ أثر إلى يوم
القيامة، وكأن فترة الخلافة كانت إلى ثلاثين عاما فقط ثم قضت كطَيْف أو كحُلم ثم
أصابت الإسلام نحوسة مستديمة لن تنتهي ..."
و
يقول ايضا بعد هذه الفقرة "...
والخطاب في كافة الأوامر موجّه إلى الصحابة فقط في الظاهر، ولكن تخصيص الصحابة
بغير إقامة قرينة لا يجوز بأي وجهٍ ..."
انتهى النقل .
و
يظهر هنا بوضوح إنكار الميرزا للقول بالتخصيص للفظ عام بلا إقامة قرينة لازمة
قطعية.
ب -
يقول الميرزا في كتاب اتمام الحجة ص 60 :
"
...فإن حقيقة الادّعاء إختيار طرق الإستثناء
بغير أدلّة دالّة على هذه الآراء، أعني إدخال أشياء كثيرة في حكم واحد، ثم إخراج
شيء منه بغير وجه الإخراج وسبب شاهد، وهذا تعريف لا ينكره صبي ولا غبي، إلا الذي
كان من تعصّبه كالمجنونين" .
انتهى النقل
فإذا
كان التعبير " النبيين
" داخل فيه كل الأنبياء بلا إستثناء , فكيف نخرج منه نحن شيئا أي الأنبياء
غير التشريعيين بغير وجه الإخراج و بغير سبب شاهد , و لقد وصف الميرزا من يقوم
بهذا العمل بانه صبي و غبي و متعصب كالمجانين .
ج -
في كتاب"الاستفتاء" / 1907 م ص_0067
"
ثم اعلموا أن حق اللفظ الموضوع لمعنى
, أن يوجد المعنى الموضوع له في جُمْعِ أفراده من غير تخصيص و تعيين ..."
و
يقصد هنا الميرزا - من وجهة نظره - أن لفظ التوفي معناه الموت لكل من يقع عليه
الموت , فلماذا تخصيص سيدنا عيسى عليه السلام بأن يكون معنى لفظ التوفي في حقه هو
الأخذ و الرفع بالجسد و ليس الموت .
أي أن
الميرزا ينكر تخصيص معنى عام للفظ من غير قرينة لازمة للتخصيص .
و هناك
في كلام الميرزا الكثير من الأدلة الدالة على إنكاره التخصيص أو الإستثناء من غير
دليل أو قرينة لازمة أي قطعية .
6 - إذن
تخصيص التعبير " خاتم
النبيين " بأنه يخص النبيين التشريعيين فقط أو يُستثنى منه الأنبياء
غير التشريعيين , أي أن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هو آخر الأنبياء
التشريعيين فقط , و ليس آخر النبيين غير التشريعيين هو قول باطل من كل الوجوه
النقلية و العقلية .
7 - فهل
هناك قول للميرزا يؤكد أن معنى خاتم النبيين هو آخر النبيين و بدون إستثناء ؟
نعم :
قال
في كتاب "حمامة البشرى"/1893 ص_49
و هذا
هو النص :
"
مَا
كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"
(40) سورة الأحزاب .
" ألا تعلم أن الرب الرحيم المتفضل سمى
نبينا عليه الصلاة و السلام خاتم الأنبياء بغير إستثناء , و فسره نبينا في قوله لا
نبيّ بعدي ببيان واضح للطالبين ؟ " انتهى النقل
إذن
الميرزا يقر بأن معنى خاتم النبيين هو آخر النبيين و بغير استثناء .
فإذا
ثبت للميرزا قول بخلاف ذلك فهو من التناقض و الإختلاف في كلامه حيث يعارض القاعدة
المتفق عليها عقلا و نقلا أنه لا يصح التخصيص أوالإستثناء من العموم إلا بالقرينة
اللازمة.
فاعتبروا
يا أولي الأبصار
د.إبراهيم
بدوي
25/10/2017
تعليقات
إرسال تعليق