القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال (368) الآية " لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا " تقتلع الأحمدية من جذورها




مقال (368) الآية " لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا " تقتلع الأحمدية من جذورها .

فصل من فصول الجزء الثالث من كتابي "حقيقة الطائفة الأحمدية القاديانية"

الآية " لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا " تقتلع الأحمدية من جذورها.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا مُحَمَّد ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، فإنني أعتقد جازمًا أنّ الله سبحانه وتعالى قد صان دينه من عبث العابثين وبخاصة ممن يدّعون النبوة بعد خاتم النبيّين سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وذلك عن طريق وجود آيات في كتاب الله تفضح هؤلاء المدعين  فتثبتُ دجلهم وأيضًا عن طريق أن يجعل الله تعالى في كلام المدّعين ما يثبت كذب إدعاءاتهم بصور شتى؛ ومنها التناقض والإختلاف فإنه كل ما هو من عند غير الله تعالى فلا بد من وجود الإختلاف والتناقض الكثير فيه. ومن ضمن آيات القرآن الكريم التي تهدم دين الطائفة الأحمدية القاديانية وتقتلعه من جذوره الآية التالية المتعلقة ب سيدنا يحيى عليه السلام: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (7) سورة مريم، ولكن كيف هذا؟

إعتمد الميرزا غلام نبيّ الطائفة الأحمدية القاديانية من أول أمره في كتابه الشهير (البراهين الأحمدية) الأجزاء الأربعة الأولى وحتى قبل إدعاء النبوة والرسالة في مارس 1882م على أنه مثيل لسيدنا عيسى عليه السلام وأنه يشابهه في كثير من الخصال، وكان دليل الميرزا غلام على إمكانية وجود مثل هذه المثلية؛ حتمية وجود النظير لأمور الأنبياء ومنها وجود المثلية في الأنبياء السابقين، مثل كما يدعي الميرزا غلام أنّ يسوع المسيح في الأناجيل قد قرر مثلية يوحنا (يحيى) لإيليا، وما قاله الميرزا غلام كما سنرى يظهر فيه كم أنّ مسألة المثيل هي قضية الميرزا غلام وجماعته الأولى، وهو يعتبر أنّ كلام يسوع المسيح في الأناجيل بمثلية يوحنا لإيليا أنه يحل لهم هذه قضية مثلية الميرزا غلام لسيدنا عيسى عليه السلام التي تؤرقهم، بل يعتبر الميرزا غلام رفض حُكم يسوع المسيح في الإنجيل في مسألة المثلية هو إنكار لنبوة سيدنا عيسى عليه السلام، ومن شدة دجل وكذب الميرزا غلام ووجود الاختلاف والتناقض في كلامه أنه قال إنّ نبوة سيدنا عيسى وسيدنا موسى عليهما السلام لا تثبت إلا بالقرآن([1])، فكيف الآن يدعي أنّ من ينكر رأي يسوع المسيح الذي في الأناجيل المحرفة فهو ينكر نبوة سيدنا عيسى عليه السلام، وسوف أثبتُ بإذن الله تعالى كم أنّ هذا الدليل الذي يدعيه الميرزا غلام والذي يمثل طوق النجاة للميرزا مهلهل وكذب ولا قيمة له من خلال القرآن الكريم وكلام الميرزا غلام نفسه ومن كلام ابنه بشير الدين محمود وهو الملقب عند الأحمديين بالمصلح الموعود.

يقول علماء الأحمدية في كتاب (الملفوظات) المجلد الثالث صفحة 326([2]):"خرج المسيح الموعود إلي النزهة كالمعتاد وظل المولوي فتح دين المحترم يتحدث معه في الطريق كله، فكان عليه السلام يشرح له مرة بعد أخرى أنه يجب على المرء أن يتخلى عن طرق الاستدلال الأخرى عند المناقشات ويركز على أن القرآن الكريم مقدِّم والأحاديث تفيد الظن. فما ثبت من القرآن لا يمكن أن تردّه الأحاديث وإن كانت خمسين ألف مليون. لقد قرأ ميان فتح محمد أيضًا استدلاله أحيانًا من الأحاديث، والذي كان قد سجله في كتابه المنظوم، وكان حضرته يشرح له الموضوع بشتى الطرق. ونسجل فيما يلي كلمات المسيح الموعود بإيجاز.

إنّ مدار الإسلام على هو القرآن

يجب أن يُسأل هؤلاء الناس: إنكم تقولون بأنّ أصح الكتب هو القرآن الكرم، وجمعت الأحاديث بعد ‏150 عامًا، وفيها تناقض أيضًا، ففي حديث ذُكر المهدي وقيل في حديث آخر: لا المهدي إلا عيسى، ومن ناحية أخرى يُضِعَّفُ حديث المهدي، ثم يقولون بأنً المسيح سينزل من السماء، وبذلك كُسرت إحدى الركيزتين. فما دام القرآن الكريم يمنع النزول من السماء مرارا ([3]) فسَيُعدٌ الحديث غير جدير بالاعتداد بأيٌ حال إن لم يطابق القرآن؛ حقيقة أو استعارة، وإلا سينقلب الإسلام رأسًا على عقب. إنّ مدار الإسلام وسنده هو القرآن الكريم، فلمّا ورد فيه أنّ عيسى مات فما معنى الإنكار إذن؟

ثم شرح المسيح الموعودُ للمولوي فتح دين آية {فلَمَا تَوَفيتني) 118 سورة المائدة،‏ ثم عاد إلى بيان الأحاديث وقال: إذا كنتَ تعتمد على الأحاديث إلى هذا الحد فلماذا لا تعمل بألف وأربع مئة حديث ورد عن رفع اليدين. إنّ قضيتنا تطابق سنة الله القديمة. كما ينتظر هؤلاء الناس مجيء المسيح كذلك انتظر اليهودُ إلياس. ليس ضروريًا للرسول أن يكون علمه واسعًا مثل علم الله، ويجوز للرسول ألا يتكشف عليه تفصيل بعض الأمور، كما أنّ هناك أمورًا كثيرة تتعلق بالآخرة ويعلمها الإنسان بعد الممات. فلماذا يتشدق هؤلاء الناس بعلمهم. كان اليهود ينتظرون إلياس، فقال المسيح بأنّ يحيى هو إلياس نفسه سواء أقبلتموه أم لا. ثم سألوا يحيى في الحال، وبكلمات اضطر للقول بأنه ليس إلياس.

 لقد رأيتُ أنهم يقدمون الأحاديث مرارًا وتكرارًا ويتشبثون بكلمة النزول. فأقول: إذا كان المسيح نفسه نازلًا فلماذا بيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملامح المسيح المقبل مختلفة وقال: اعرفوا بها المسيح المقبل؟ ماذا كانت الحاجة إلى هذا الكلام؟ ([4])

 فليحدَّد في المناظرة كمبدأ أن القرآن الكريم مقدَّم. وبجعل الفريق الثاني يسلِّم بهذا المبدأ يقال لهم بأن أفضلية القرآن مسلَّم بها عند الفريقين، فاحكموا به في بقية الأمور. إذا كان المدار كله على الأحاديث فما الحاجة إلى القرآن الذي يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}؟ هذه كلها أخطاء." إنتهى  النقل

 

وأيضًا يقول الميرزا غلام في كتاب (الملفوظات) المجلد الخامس صفحة 113و114([5]):"...لقد نبه الله تعالى الإنسان أن يبحث عن النظائر لكل شيء، فالذي ليس له نظير، فهو خطير. فالنزاع الذي يوجد في العصر الراهن فينا وفي خصومنا قد سبق نظيره في أهل الكتاب من قبل أيضَا، وهي قضية إلياس، فكان قد ورد في كتبهم أنّ المسيح لن ينزل ما لم ينزل إيليا من السماء ثانية. وبناء على ذلك حين جاء المسيح ودعا اليهود إلى الإيمان رفضوا صراحة قائلين أنه قد وردت في كتبهم علامة بعثة المسيح أنّ إيليا سوف ينزل السماء ثانية حتمًا قبل بعثته. لكن المسيح كان قد أوّل ذلك قائلًا: إن هذا الرجل أي يوحنا (يحيى) هو إلياس وجاء على سيرته (إلياس) فآمنوا بإيليا هذا إذ لن يأتي أحد من السماء، فالذي كان سيأتى قد أتى، فآمنوا به إن شئتم واكفروا إن شئتم. باختصار كان عيسى عليه السلام  قد واجه مصيبة، وإنّ حُكْمَه يفيدنا في قضيتنا هذه. فإذا كان عيسى عليه السلام على حق مقابل اليهود فإنّ قضيتنا أيضًا واضحة بينة، وإلا يجب أن يكذّبوا نبوة عيسى عليه السلام أولًا وبعده تأتي قضيتنا "(الحكم، مجلد 7، رقم 17، عدد 10/ 5/1903 م، ص 16) انتهى النقل

 

سأضع في الحاشية ([6])مختصرا لبعض النصوص من كلام الميرزا غلام القادياني وابنه بشير الدين محمود التي أقرا فيها بتحريف الأناجيل، بل لم يكتبها حواريو سيدنا عيسى عليه السلام، وأورد بعض الفقرات من الأناجيل القانونية التي اعتمد عليه الميرزا غلام لإثبات أن يسوع المسيح قد قال بمثلية يوحنا المعمدان لإيليا وأن يوحنا هو إيليا المزمع أن يأتي.

وهذه النصوص كما جاءت بالأناجيل الاربعة :

انجيل متّى الاصحاح 11:

11: 13 لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا

11: 14 وإن أردتم ان تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع ان ياتي

11: 15 من له أذنان للسمع فليسمع.

وأيضًا النص التالي من إنجيل متّى الاصحاح 17 :

17: 10 وسأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة إنّ إيليا ينبغي أن يأتي أولًا؟

17: 11 فأجاب يسوع وقال لهم إن إيليا ياتي أولا ويرد كل شيء

17: 12 ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا كذلك ابن الانسان أيضًا سوف يتالم منهم

17: 13 حينئذ فهم التلاميذ انه قال لهم عن يوحنا المعمدان

 

وفي انجيل مرقس الإصحاح 9 :

9: 11 فسألوه قائلين لماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن ياتي أولًا؟

9: 12 فأجاب وقال لهم إنّ إيليا يأتي أولًا ويرد كل شيء وكيف هو مكتوب عن ابن الانسان أن يتالم كثيرًا ويرذل

9: 13 لكن أقول لكم إنّ إيليا أيضًا قد أتى وعملوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنه

 

وفي انجيل لوقا لم يأتي ذكر لمسألة إيليا ويوحنا المشار اليها  

 

وفي انجيل يوحنا:

1: 19 وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت

1: 20 فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح

1: 21 فسألوه اذا إيليا أنت فقال لست أنا النبيّ أنت فأجاب لا

1: 22 فقالوا له من أنت لنعطي جوابًا للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك

1: 23 قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال أشعياء النبيّ

1: 24 وكان المرسلون من الفريسيين

1: 25 فسألوه وقالوا له فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبيّ؟

 

التعليق على كلام الميرزا غلام وما جاء في الأناجيل:

1- من خلال ما ورد في الأناجيل نخرج بالنتائج التالية: إنجيل متّى ذكر يسوع فيه أنّ يوحنا المعمدان (يحيى) هو إيليا المزمع أن يأتي، وأضاف أنه جاء بالفعل ولم يعرفوه، إنجيل مرقس قال فيه يسوع بأنّ إيليا قد جاء، إنجيل لوقا لم يتطرق للمسألة، إنجيل يوحنا أنكر فيه يوحنا المعمدان (يحيى) أنه هو إيليا أو المسيح أو النبيّ الموعود بالمجيء.

2- يقول الميرزا غلام " يجب على المرء أن يتخلى عن طرق الاستدلال الأخرى عند المناقشات ويركز على أن القرآن الكريم مقدِّم والأحاديث تفيد الظن. فما ثبت من القرآن لا يمكن أن تردّه الأحاديث"، فأي من الإثنين الأحاديث الشريفة التي يقول الميرزا غلام عنها أنها تفيد الظن، أم الأناجيل التي يقر الميرزا غلام بتحريفها- كما سنرى- وأنّ كُتّابها ليسوا حواري سيدنا عيسى عليه السلام، فهل في القرآن الكريم آية تدل بدلالة قطعية تثبت وجود المثلية للأنبياء وبخاصة مثلية الميرزا غلام لسيدنا عيسى عليه السلام؟ وكما سنرى أنّ الميرزا غلام يقرر أنه إذا لم يوجد في القرآن الكريم نص مثل ما في كتب أهل الكتاب، فإنّ هذا النص الذي في كتب أهل الكتاب محرف وغير صحيح.

3- اكتفى أنّ الميرزا غلام بالإستدلال بالنصوص من إنجيل متّى ومرقس، بينما غض الطرف عن نص إنجيل يوحنا وهو أساسي في المسألة حيث أنكر فيه يوحنا المعمدان (يحيى) أنه هو إيليا، وقد رأينا في النص في كتاب (الملفوظات) صفحة 326 أنّ الميرزا غلام يقول إنّ يوحنا المعمدان (يحيى) إضطر لإنكار أنه إيليا، وإذا قال قائل إنّ يوحنا المعمدان (يحيى) أنكر أنه هو نفسه إيليا وإنما هو من جاء بروح إيليا وليس بجسده.

فأقول: كان يجب على يوحنا المعمدان (يحيى) على الأقل أن يقول صراحة أنه هو مثيل إيليا المزمع أن يأتي، فلا يكفي إنكار أنه هو إيليا ذاته وانتهى الأمر، لأنه لا يصح تأخير البيان عن وقت الحاجة من الأفراد غير الأنبياء، فما بالنا بالأنبياء!، فإنّ مهمة سيدنا يحيى عليه السلام الأصلية هي التصديق والشهادة أمام الناس بأنّ سيدنا عيسى عليه السلام نبيّ من عند الله تعالى، يقول الله تعالى:{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (39) سورة آل عمران، فكان من لزوميات مهمته التصريح بأنه مثيل إيليا حتى يفسح الطريق أمام سيدنا عيسى عليه السلام ليثبت نبوته أمام اليهود، وهذا بحسب ادعاء الميرزا غلام طبعًا.

ومن الأمور المهمة والتي يقر بها الميرزا غلام هي أنّ عدم ذكر القرآن الكريم لمسألة وردت في كتب أهل الكتاب فهذا يعني أنها محرفة وغير صحيحة، وهذا هو النص الذي قال فيه الميرزا غلام بهذا الرأي

في كتاب (الملفوظات) المجلد 3 صفحة 275 بتاريخ 20/ 10/1902مـ، يوم الاثنين (عند النزهة): "العنوان: (حقيقة كون القُرآن مصدِّقا)، كان السؤال الثاني [إبراهيم بدوي:من أربعة أسئلة موجهة من رجل مسيحي للميرزا] أنّ القُرآن الكريم يصدّق الأناجيل، فهل الأناجيل صحيحة؟ فقال - عليه السلام [إبراهيم بدوي:يقصدون الميرزا غلام] -: " معنى المصدّق من منطلق القُرآن هو أنّه نقل ما كان صحيحًا وما لم ينقله كان غير صحيح، ثم هناك خلافات داخلية بين الأناجيل. فإذا صدق القُرآن إنجيلًا فأيّ إنجيل منها صدّقه؟ لم يصدّق القُرآن إنجيل يوحنا أو متّى قط غير أنّه صدّق دعاء بطرس. كذلك أية توراة صدّقها القُرآن الكريم؟ أولا أخبرونا عن توراة متّفق عليها. القُرآن يعُدّ توراتكم محرفة، وأنتم تقولون فيما بينكم أن هناك أكثر من توراة"انتهى النقل

واضح أنّ الميرزا غلام في النص السابق لم يكتفي باعتبار النص المخالف للقرآن من نصوص كتب أهل الكتاب نصًا غير صحيح، بل اعتبر النص الذي لم ينقله القُرآن الكريم هو نص غير صحيح، فإذا كانت الأناجيل القانونية محرفة بإقرار الميرزا غلام نفسه، ومع ذلك إثنان منهما لم يذكرا إقرار يوحنا بأنه مثيل إيليا، والثالث لم يذكر كلام يسوع في المسألة أصلا، والرابع إنجيل يوحنا يقرر إنكار يحيى أنه إيليا، ولم يصادق القرآن الكريم على مسألة أن سيدنا يحيى عليه السلام هو مثيل إيليا، فكيف نقبل مسألة مثلية يوحنا المعمدان لإيليا وأنه هو إيليا المزمع أن يأتي؟

في كتاب (إزالة الأوهام) 1890 صفحة 337 يقر الميرزا بأنّ مرقس ولوقا ما كانا من الحواريين، إذن لم يبقى لنا إلا إنجيل يوحنا، فكان يجب على الميرزا غلام الأخذ بالنص الوارد في هذا الإنجيل وهو إنكار يوحنا المعمدان (يحيى) أن يكون هو إيليا، وحتى لم يذكر يوحنا المعمدان (يحيى) أنه مثيل إيليا، وكما قلت أنه لا يصح تأخير البيان عن وقت الحاجة كما هو معلوم في كلام الناس فما بال الأنبياء؟، فما كان تعليل الميرزا غلام لهذا الإنكار من يوحنا أنه إيليا إلا الإدعاء بإضطرار يوحنا المعمدان (يحيى) للرفض. ولا أعلم ما الذي جعل نبيًا مثل سيدنا يحيى عليه السلام يضطر للكذب أو التعمية في مسألة بهذه الخطورة؟ وهل يقبل الأحمديون أتباع الميرزا غلام الإدعاء بأنّ سيدنا يحيى عليه السلام إضطر للرفض أي رفض الإقرار أنه إيليا؟ وكلنا نعلم الصفات التي ذكرها الله تعالى لسيدنا يحيى عليه السلام في القرآن الكريم، يقول الله تعالى عنه أنه : {سَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (39) سورة آل عمران، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} (15) سورة مريم، فهل مثل هذا العظيم يضطر للكذب أو التعمية؟ فهل مَنْ أمَرَه الله تعالى بأخذ الكتاب بقوة أي بحزم وبلا تراخ في الإعلان والتطبيق، هل نتصور منه الإضطرار إلى إنكار إحدى مهامه الأساسية؟

4- يكرر الميرزا غلام في قوله " يوجد في العصر الراهن فينا وفي خصومنا قد سبق نظيره في أهل الكتاب من قبل أيضَا، وهي قضية إلياس" مسألة لزومية النظير بين أهل الكتاب وبيننا بقول يسوع المسيح على يوحنا إنه إيليا المزمع أن يأتي، ومثلية الميرزا غلام لسيدنا عيسى عليه السلام.

، وأن علماء السنة يقولون بحتمية نزول سيدنا عيسى عليه السلام من السماء، كما قال اليهود بحتمية نزول إلياس من السماء.

5- يقول الميرزا غلام " باختصار كان عيسى عليه السلام  قد واجه مصيبة، وإنّ حُكْمَه يفيدنا في قضيتنا " وهذا إقرارمن الميرزا غلام أنّ قضيته وقضية الأحمدية الأساسية هي إثبات عقيدة المثلية وأنّ حكم المسيح فيها يحل لهم هذه القضية، أي ينقذهم من مصيبتهم.

6- يؤكد الميرزا غلام أنّ مثلية أي مواصفات وسيرة يوحنا هي نفسها مواصفات إيليا، وبالرغم من الآية " يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا" قاطعة في نفي السميّ لسيدنا يحيى عليه السلام، وادعاء الميرزا غلام – كما سنرى - مثلية  سيدنا يحيى عليه السلام لإيليا في نصوص كثيرة، إلا أنّ الله تعالى أوقع الميرزا غلام وابنه بشير الدين محمود في نصوص تنفي هذا الإعتقاد بالمثلية في تفسيرهما للآية الكريمة السابقة، مما يدل على التناقض والاختلاف الكثير في كلامهم.

 

والآن مع نصوص من كلام الميرزا غلام بخصوص إثبات أنّ سيدنا يحيى عليه السلام هو مثيل لإيليا:

في كتاب (إزالة الأوهام) 1890م صفحة 251  يقول الميرزا غلام:" فلو امتنعوا [إبراهيم بدوي:أي اليهود] عن التمسك بظواهر الأمور، وحملوا عباراتِ سِفرَي الملوك وملاخي محمل الاستعارة والمجاز [إبراهيم بدوي : لا تنسوا أنّ الميرزا غلام قال أنه لايصح ترك الظاهر إلى المجاز إلا بالقرينة الصارفة وليس بمجرد الادعاء]، لما وُجد اليوم في الدنيا يهوديٌ واحد، بل لتنصّروا جميعًا، لأنّ المراد الحقيقي من عودة النبيّ إيليا - المذكورة في سِفرَي الملوك وملاخي - هو عودة ظله ومثيله إلى العالم. أي عودةٌ في شخص النبيّ يحيى ([7]) - عليه السلام - الذي كان مثيلًا لإيليا من حيث صفاته الروحانية [إبراهيم بدوي: هذا إقرار من الميرزا غلام بالمماثلة بين يحيى وبين إلياس من حيث الصفات الروحانية أي أنه سَمِيَّه] ولكن اليهود لسوء حظهم وشقاوتهم لم يتنبَّهوا إلى ذلك المعنى الروحاني وتورطوا في التمسك بظاهر الأمور [إبراهيم بدوي : المقصود بظاهر الأمور هو نزول إيليا من السماء بجسده المادي]" انتهى النقل.

نصوص نفي مثلية يحيى للسابقين من الأنبياء في كلام الميرزا غلام وابنه بشير الدين محمود:

وفي كتاب (إزالة الأوهام) 1890م صفحة 416 سنجد نفي المثلية في الصفات الروحانية وليس في الإسم فقط :" القرآن الكريم يصدّق ادّعائي بأدلته الدامغة، ويستأصل وساوس خصومنا الباطلة. ويغلق باب عودة الأنبياء السابقين إلى الدنيا، ويفتح باب مجيء أمثال بني إسرائيل. وهو الذي علّمنا دعاءَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. إنّ مفهوم هذا الدعاء أن اجعلْنا يا ربنا أمثال الأنبياء والرسل([8]). ويقول تعالى في حق يحيى - عليه السلام -: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّاأي لم نرسل في الدنيا من قبل مثيلاً له يمكن تسميته "يحيى" من حيث الصفات [إبراهيم بدوي: إذا كان يحيى عليه السلام ليس له مثيلًا سابقًا في صفاته الروحانية فلا يكون هو أي سيدنا يحيى عليه السلام مثيلا لإيليا] . وإن هذه الآية بمنزلة إشارة النص لتصديق كلامي، لأن الله تعالى قد بيّن فيها أنه لم يرسل مثيلاً له من قبل، ولم يقل إنه لن يرسَل أحدًا فيما بعد أيضًا ، وذلك ليُعلم أن باب المجيء بأسماء الأنبياء الإسرائيليين فيما بعد مفتوح [إبراهيم بدوي: العقيدة لا تُعلم بالقياس بل بالنص القطعي، فهذا يعني أنه من يقل بالمثلية كعقيدة إسلامية مبتدع في أمور العقيدة وهذه هي الزندقة والكفر بعينه، حيث قد أعلن الله تعالى كمال الدين وتمام النعمة]، أي أنّ الذي يكون سمِيَّ ذلك النبيّ عند الله سيكون مثيله، بمعنى أن مَن كان مثيل موسى، سيسمَّى موسى، ومن كان مثيل عيسى سيسمّى عيسى أو ابن مريم، والجدير بالانتباه أيضًا بأنّ الله تعالى قد استخدم في هذه الآية كلمة {سَمِيًّا} وما قال "مثيلا"، ليُعلَم أنّ من مشيئة الله تعالى أنّ الذي سيأتي مثيلًا لنبيٍّ إسرائيلي، لن يُدعَى باسم "مثيل"، بل سيُدعَى - بسبب التوافق الكامل بينهما- باسم النبيّ الذي سيأتي مثيلا له" انتهى النقل.

 

والنصوص التالية من كلام بشير الدين محمود صاحب (التفسير الكبير) الأحمدي القادياني الجزء 5 سورة مريم صفحة من 155 إلى 160)، ويظهر فيه نفي النظير والمثيل لسيدنا يحيى عليه السلام سواء من القرآن الكريم أو من الأناجيل، يقول بشير الدين محمود في صفحة 155:" {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}.

شرح الكلمات:  سَمِيًّا: السميّ: مَن كان اسمه اسمَك؛ نظيرُك (الأقرب).

التفسير: لقد رأيتم أن الذي دعا كان من المصطفَين الأخيار [إبراهيم بدوي : يقصد سيدنا زكريا عليه السلام ]، فدعا دعاء كاملًا، فانظروا الآن إلى المستجيب الذي يملك الكمال كله حيث قال الله تعالى له: يا زكريا، إنا نبشرك بابن سيبلغ الكهولة ولكنه لن يرى الشيخوخة.  ثم قال الله تعالى {لم نجعَلْ له مِن قبل سميًّاوالسميّ له معنيان: الأول: مَن كان اسمه كاسمك؛ والثاني: مَن كان نظيرَك. لقد ظن المفسرون خطأً أن السميّ هنا جاء بالمعنى الأول، أي لم يوجد قبل يحيى - عليه السلام - أحد اسمه يحيى (البحر المحيط). وهذا خطأ. فقد ذكرت التوراة نفسها عدة أشخاص كانوا يُدْعَون يوحنا فمن الخطأ القول أنه لم يوجد أحد بهذا الاسم قبل يحيى - عليه السلام - مطلقًا، لأنه خلاف الواقع"

 

ويقول بشير الدين محمود في صفحة 157: " إن القرآن الكريم لم يقل هذا أبدًا. إن كلمات القرآن واضحة تمامًا، وإنما المفسرون هم الذين أخطأوا في تفسيرهم. إن كل ما أعلنه القرآن الكريم إنما هو {لم نجعَلْ له مِن قبل سميًّاأي لم نجعل من قبل أحدًا سميًّا له"

 

ويقول بشير الدين محمود في صفحة 158: " وإن كلمة "السميّ" تعني النظير أيضًا في اللغة العربية، وعليه فقوله تعالى {لم نجعَلْ له مِن قبل سميًّا} يمكن أن يعني: أننا لم نجعل له نظيرًا ولا مثيلاً .. أي أن الله تعالى يشير هنا إلى كون يحيى إنسانًا منقطع النظير. ولو سُئلنا: كيف صار يحيى منقطع النظير؟ ألم يكن موسى نظيرًا له؟ لقلنا: إن الإنسان يمكن أن يكون منقطع النظير في مجاله الخاص. فمثلاً نقول: فلان فارسٌ منقطع النظير، وفلان خطاط لا نظير له، وإن فلانًا رسام لا مثيل له، وإن فلانًا مفسر عديم المثال. وهذا لا يعني أن الذي هو منقطع النظير في الفروسية هو بالضرورة عديم المثال في الرسم أيضًا؛ أو أن الذي لا نظير له في التفسير هو خطاط منقطع النظير أيضًا. فثبت أن كون أحد عديم المثال في مجال ما لا يعني بالضرورة أن يكون منقطع النظير في كل المزايا والمجالات."

 

ويقول أيضًا بشير الدين محمود صفحة 159: " تعالوا الآن لنرى المجال الذي فيه كان يحيى - عليه السلام - عديم النظير.  يكشف لنا التدبر في الأمر أن يحيى - عليه السلام - هو أول نبيّ جاء حاملاً اسم نبيّ آخر وصفاته أعني إلياس - عليه السلام" ويقول أيضًا بشير الدين محمود : " إذن فإن قوله تعالى {لم نجعل له سميًّا} يعني أنه تعالى لم يجعل من قبل أحدًا مثيلاً ليحيى، بمعنى أنه أول نبيّ جاء مثيلاً لنبيّ آخر"

 

ويقول بشير الدين محمود في صفحة 160: " باختصار إن قوله تعالى {لم نجعَلْ له مِن قبل سميًّا} يعني أننا لم نجعل له مثيلاً من قبل. وهذه خصوصية لم توجد في أي نبيّ قبل يوحنا. فليدلّنا أحد على نبيّ قبل يوحنا جُعل مثيلاً لإيليا. وما دام اليهود والنصارى أنفسهم يعتقدون أنه لم يسبق ليحيى - عليه السلام - مثيل في هذا المجال فثبت صدق القرآن الكريم. وإن كون المرء عديم المثال، كما بينتُ، لا يعنى كونه عديم المثال في كل مجال، بل يكفيه أن يكون منقطع النظير في مجال واحد."

 

ويقول بشير الدين محمود في صفحة 160: " ولكن القرآن الكريم لم يذكر هذا المثال لبيان خصوصية يحيى، وإنما اكتفى بقوله {لم نجعل له من قبل سميًّا} .. أي جعلناه منقطع النظير في مجال ما" انتهى النقل

 

والآن لا بد من سؤال بشير الدين محمود وأتباعه من الأحمديين القاديانيين من أين عرف – كما يقول - بالتدبر أنّ يحيى - عليه السلام - هو أول نبيّ جاء حاملًا صفات نبيّ آخر أعني إلياس - عليه السلام؟ هل من القرآن الكريم؟ فأين هذا؟ هل من الأحاديث الشريفة؟ فأين ذلك؟

أعتقد جازما إنّما قصد بشير الدين محمود أنّ المثلية ثابتة من خلال الأناجيل لا أكثر، وقد أسهبت في بيان ضلال وفساد هذا الإستدلال ببيان أنّ الأناجيل محرفة بل لم يكتبها يسوع المسيح ولا هي مصدقة منه (كتاب (ضرورة الامام) صفحة 22) بإقرار الميرزا غلام وبشير الدين محمود نفسه، وإقرار الميرزا غلام أحمد بأنه ما لم يذكره القرآن الكريم من عقائد أهل الكتاب المذكورة في كتبهم فهي غير صحيحة حسب فهم الميرزا غلام لتصديق كتاب الله تعالى لكتب أهل الكتاب من خلال تفسيره للآية " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "، فإذا ثبت يقينًا عدم ذكر مثلية سيدنا يحيى عليه السلام لإيليا نصًا في القرآن الكريم، بل نص الله تعالى بنفي المثلية فقد ثبت يقينا ضلال بشير الدين محمود في التلبيس على الناس لإخراج الآية القرآنية الكريمة من مدلولها إلى مدلول معاكس من خلال نصوص من الأناجيل المحرفة إنتصارًا للهوى. وإذا كانت المثلية والمشابهة تثبت ولو من وجه واحد كما يقول محمود، فإن النفي يعم، أي أنّ نفي السمي والمثيل هو نفي عام لكل الأوجه المحتملة للمثلية والمشابهة إلا إذا ثبت خلاف ذلك بالإستثناء ممن يجوز له الإستثناء من آيات الله وهذه لا يكون إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة وهو ما لا يوجد في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة ، ومثال ذلك أننا إذا قلنا أن زيدًا مثل عمرو، فهذا يعني أنه يشبهه في مجموعة من الصفات أو على الأقل صفة واحدة كما قال محمود، ولكن إذا قلت إنّ زيدًا لا يشبه عمرو أي ليس سميه فهذا يعني عدم وجود أي صفات متشابهة بينهما بل ولا صفة واحدة ولا حتى الإسم.

 



[1] هذه المسألة ذكرتها بالتفصيل غفي الجزء الأول.

[2]

 

[3] لم يمنع القرآن الكريم النزول من السماء، بل الميرزا غلام نفسه يعتقد بنزول مائدة من السماء وهي التي طلبها الحواريون من سيدنا عيسى عليه السلام، وهناك فصل في مسألة مائدة سيدنا عيسى عليه السلام في هذا الجزء الثالث.

[4] في الحقيقة فإنّ سيدنا مُحَمَّدا صلى الله عليه وسلم قد وصف سيدنا عيسى عليه السلام في رحلة الإسراء والمعراج بنفس الأوصاف التي قالها بخصوص سيدنا عيسى عليه السلام في الواقع حينما قال لأصحابه فاعرفوه أي حينما ينزل من السماء اعرفوه بهذه الاوصاف

في صحيح أبي داوود – وهو من الكتب الموثوقة والمعترف بها عند الميرزا غلام والأحمديين – يروي أبو هريرة أنّ سيدنا مُحَمَّدا صلى الله عليه وسلم  قال:" ليس بيني وبينه نبيٌّ – يعنى عيسَى – وإنَّه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعرفوه رجلٌ مربوعٌ، إلى الحُمرةِ والبياضِ، بين مُمصَّرتَيْن، كأنَّ رأسَه يقطُرُ، وإن لم يُصِبْه بَللٌ، فيُقاتِلُ النَّاسَ على الإسلامِ، فيدُقُّ الصَّليبَ، ويقتُلُ الخنزيرَ، ويضعُ الجِزيةَ، ويُهلِكُ اللهُ في زمانِه المِللَ كلَّها، إلَّا الإسلامَ، ويُهلِكُ المسيحَ الدَّجَّالَ، فيمكُثُ في الأرض أربعين سنةً ثمَّ يُتوفَّى فيُصلِّي عليه المسلمون"

وفي البخاري، يروي عبد الله بن عباس أنّ سيدنا مُحَمَّدا صلى الله عليه وسلم قال:" رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا، كَأنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ، ورَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ والبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ، ورَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، والدَّجَّالَ في آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إيَّاهُ؛ {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23]. قالَ أَنَسٌ، وأَبُو بَكْرَةَ: عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَحْرُسُ المَلَائِكَةُ المَدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ. إذن كما رأينا أن أوصاف سيدنا عيسى عليه السلام في رحلة الاسراج والمعراج هي نفس أوصافه التي أمر سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم صحابته أن يعرفوه بها، وإن شاء الله تعالى سيكون لي فصلا كاملا في بيان اتفاق أوصاف سيدنا عيسى عليه السلام في رحلة الاسراء والمعراج واختلاف هذه الأوصاف عن أوصاف الميرزا غلام القادياني.

[5]

[6] في كتاب "البراهين الأحمدية" من 1880 الى 1884 ج 1 - 4 صفحة  497 يقول الميرزا غلام: "على المسيحيين أيضًا أن يتأملوا جيدًا وبتركيز شديد ما هي العلامات التي يجب وجودها في كلام الله تعالى الكامل الذي لا مثيل له ولا نظير، لأن إنجيلهم محروم تمامًا من تلك العلامات لكونه محرَّفا ومبدَّلا، بل أنه ليس محظوظًا باحتوائه على المناهج وكذلك الحقائق البسيطة التي يجب وجودها في كلام منصف ومتكلم فطين، دع عنك الآيات الإلهية.  لقد خلط عَبَدة المخلوق الاشقياء كلام الله وهديه ونوره بأفكارهم المظلمة بحيث صار ذلك الكتاب وسيلة قوية للاضلال بدلا من الهداية. إن تلك التأليفات الاربعة التي حادت كلماتها إلى معتقدات مالت إليها النفس الامارة لعبدة المخلوق عند التراجم، لأن كلمات الإنسان تتبع دائما أفكاره فباختصار، أن الإنجيل صار الان شيئا مختلفا تماما بسبب التحريف الذي تطرق إليه بين حين وآخر" ويكمل الميرزا " ... وإضافة إلى ذلك يعترف الباحثون المسيحيون أنفسهم أن جميع الأناجيل لم تُكتب نتيجة الإلهام،بل سجّل "متّى" وغيره اشياء كثيرة مما ورد فيه بعد أن سمعوها من الناساما "لوقا" فيقر بنفسه في إنجيله بأنه ألفه بعدما استفسر عن الأمور من الذين رأوا المسيح عليه السلام؛ ففي هذا البيان يقر "لوقا" بأنّ إنجيله ليس موحى به، وإلا لم تكن به حاجة للاستفسار من الناس بعد الإلهام.  كذلك لا يثبت أن "مرقس" من تلاميذ المسيح عليه السلام، فكيف صار رسولا؟ على أي حال، فإن الأناجيل الاربعة ليست صحيحة وليست موحى بها بحسب بياناتها.  لذا فقد تطرقت الاخطاء الكثيرة إلى الاحداث المذكورة فيها وورود فيها ما يخالف الحقائق تماما "

نص كلام الميرزا غلام كما في كتابه (إزالة الأوهام) 1890م صفحة 337 يقول الميرزا غلام : "وليس صحيحا أيضًا القول بأن المسيحيين يعتنقون اعتقادا متفقا عليه أن المسيح  عليه السلام  سيعود إلى الدنيا، إذ أن بعض فرقهم تؤمن بموته أيضًا. ولا يؤيد إنجيلا متّى ويوحنا الحواريين في رفع المسيح  إلى السماء في الحقيقة، غير أنه قد ورد ذلك في إنجيلي مرقس ولوقا اللذين ما كانا من الحواريين، ولم يذكرا هذا الأمر برواية أي حواري "إنتهى  النقل  

والان نعرض بعض النصوص من كتاب (التفسير الكبير) تأليف بشير الدين محمود التي جزم فيها بتحريف كل الكتب التي يعتبرها غير المسلمين مقدسة عندهم بأنها محرفة ومبدلة وهذا كان لا بد أن يحدث وخص الأناجيل بأن كاتبيها لم يكونوا الحواريون ولا من تبعوهم !!!

1- في تفسيره لسورة الكوثر يقول : " لقد أُعطيَ موسى - عليه السلام - كتابًا كما أعطيَ نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كتابا، ولكن الفرق أن كتاب موسى لم يبق محفوظًا رغم مجيء الأنبياء بعده تَتْرَى، أما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فكتابه لا يزال محفوظا حتى اليوم رغم انقضاء 13 قرنا، ورغم أنه لم يُبعث في هذه الفترة أي نبي. فمن الحقائق الثابتة أن التوراة كانت قد صارت محرفة قبل بعثة عيسى - عليه السلام -، فقد ورد في المصادر اليهودية أن نُسَخ التوراة كلها كانت قد احترقت أو ضاعت عندما دمَّر "نبوخذ نصّر" مُدن اليهود ومعابدهم وقام بترحيل بعضهم إلى أفغانستان وإيران وبعضهم إلى كشمير. فقام النبي عزرا بجمع التوراة بمساعدة بعض الحفاظ وأربعة أو خمسة من الكَتَبة. (Apocrypha(ii) Esdrass 14 pg. 44 - 46)  مما يعني أن التوراة انمحت بعد موسى - عليه السلام - بستة قرون فقط.  إضافةً إلى ذلك، هناك شهادات داخلية في التوراة تدل على أنها تعرّضت للعبث والتحريف، فقد ورد فيها: "فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ" (التثنية 34: 5). فهل يعقل أن يكون هذا الكلام من الوحي الذي نزل على موسى - عليه السلام -؟ " انتهى النقل

2- في تفسيره لسورة العلق يقول: " لا شك أن الأناجيل موجودة في الدنيا اليوم، ولكن ليس بوسع أي مسيحي الادعاء أنها دُوِّنت في حياة المسيح - عليه السلام -، بل يعرف الجميع أن متّى ومرقس ولوقا ويوحنا قد كتبوها بعد وفاة المسيح - عليه السلام - بفترة طويلة. لقد اعترف لوقا بهذا الأمر صراحة قائلا: "إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أيضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِه" (لُوقَا 1: 1 - 4). فثبت أن الأناجيل لم يكتبها الحواريون، وإنما كتبها مَن التقوا بهم، بل لعله كتبها الذين التقوا مَن التقوا بالحواريين.

3- في تفسيره لسورة الاعلى يقول: " باختصار، لم يبقَ على وجه الأرض -سوى القرآن الكريم- كتاب لأي دين يمكن الادعاء بأنه محفوظ كما قدّمه مؤسس ذلك الدين. وفي هذا دليل على أن الله تعالى كان قد قرّر اندثار تلك الكتب وانمحاءها، لينزِّل مكانها كتابا آخر؛ وإلا فلو أراد الله تعالى حفْظَ التوراة ونشرها في الدنيا، لأقام عند انمحائها نبيًّا وأنزلها عليه مرة أخرى قائلا له: لقد انمحت التوراة، فها إني أُنزلها عليك ثانية كما أنزلتُها على موسى من قبل- لتنشرها في الدنيا مرة أخرى. ألم يكن الله قادرًا على أن يهزم نبوخذنصَّر ويهلكه بعذابه عندما همّ بإحراق التوراة؟ أولم يكن الله قادرا على أن يهلك الإسكندر المقدوني بعذابه لو أراد إقامة زندافستا وحِفْظه في الدنيا ليعمل به الناس دائما؟ أولم يكن قادرا على أن يهلك أولئك الباندات وعلماء الفيدا الذين حرفوه لو كانت مشيئته أن يظل الناس عاملين بالفيدا على الدوام؟ ولو أراد الله تعالى أن تعمل الدنيا بالإنجيل فقط إلى الأبد، أفلم يكن قادرًا على إزالة العيوب والنقائص التي أدخلها المسيحيون في الإنجيل؟ كان الله تعالى قادرا على ذلك بكل يقين، لكنه سمح بهذا التحريف لأنه لم يشأ أن يبقى أي من هذه الكتب محفوظًا في الدنيا إلى الأبد. هذا ما حصل فعلاً من جهة، ومن جهة أخرى نرى أن الله تعالى إذا أراد الإبقاء على شيء لم تستطع الدنيا إفساده مهما حاولتْ. لقد حفظ الله تعاليم عيسى - عليه السلام - طالما أراد حفظها، ولم يدَع الله شريعة زرادشت أن تندثر طالما أراد أن يعمل بها الناس، ولكن لما انتهت مهمة هذه الكتب رفع الله عنها حمايته. فثبت أن من سنة الله تعالى أن يحفظ الكتب السماوية من كل تلاعب وتحريف وإضافة طالما هي صالحة ونافعة للدنيا، وعندما تنتهي مهمتها تأخذ الدنيا في العبث بها

4- في تفسيره لسورة الاعلى يقول أيضًا : فما أعظمَها مِن نبوءة وردت في كلمة وجيزة {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى}! ثم لا يغيبنّ عن البال أن هذه النبوءة قد أُدليت حين لم يؤمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بضعة أفراد، وكان العالَم يعارضه ساعيًا لمحو أثره من وجه الأرض، ولم يكن حوله - صلى الله عليه وسلم - الآلاف والملايين من المؤمنين، فيُظَنّ أنه برؤية هذه الجموع الغفيرة حوله أعلن أن من المحال الآن أن يقدر أحد على محو هذا الكتاب. الواقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنبأ بذلك في وقت كان فيه عرضة لكل هجوم، وكان أصحابه يُعَدّون على الأصابع، فأعلن في هذه الحالة الضعيفة والوقت الحرج أن القرآن سيبقى في الدنيا إلى الأبد، ولا يقدر أحد على محو أثره. لقد حُرِّف كتاب الفيدا الهندوسي رغم وجود ملايين المؤمنين به، وتعرضت التوراة للتحريف رغم وجود ملايين المؤمنين بها، وطالت يد العبث الإنجيلَ رغم وجود ملايين المؤمنين به " " انتهى النقل

[7] كما بيّنت أنّ الأناجيل محرفة، وأن كلام الميرزا غلام هذا مجرد نسخ لرأي ليسوع مذكور في إنجيل متى ومرقس، ولم يذكره لوقا، وأنكره يحيى في إنجيل يوحنا، ولا يوجد له أي ذكر في شريعتنا وبالتالي فهو مرفوض شكلًا وموضوعًا.

[8] ذكرتُ في الجزء الأول كمية الاختلاف والتناقض في كلام الميرزا غلام بالنسبة لتفسير "الذين أنعمت عليهم" في سورة الفاتحة بالتفصيل، ومنها ما قاله في كتابه الكبير (البراهين الأحمدية) الأجزاء الأربعة الأولى من سنة 1880 إلى 1884م – وكانت نبوته ورسالته بدأت من سنة 1882م في مارس - وكما قال إنّ معلمه الوحيد هو الله تعالى الرحمن ومعلمه البشري هو سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وهكذا -  فكان يقول الميرزا غلام أنّ المقصود بالمنعم عليهم في سورة الفاتحة هم السالكون إلى الله تعالى أصحاب الدرجة المتوسطة أي أقل من أصحاب الدرجة الأعلى للسالكين، وأنّ أصحاب هذه الدرجة المتوسطة في خطر ما لم يترقوا إلى الدرجة الأعلى، فكيف نقبل من الميرزا غلام الآن أن المنعم عليهم في سورة الفاتحة هم الانبياء والمرسلين؟والله أعلى و أعلم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
د.إبراهيم بدوي
‏2020‏-05‏-06
















تعليقات

التنقل السريع