القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال (411) اقرار الميرزا بضرورة تفسير النصوص القرآنية و الحديثية بالظاهر .

 




مقال (411) اقرار الميرزا بضرورة تفسير النصوص القرآنية و الحديثية بالظاهر 

في الحقيقة إنّه من الأهمية بمكان إقرار الميرزا غلام بشكل واضح أن النصوص القرآنية والحديثية يجب تفسيرها وفهمها بظاهر الكلمات, ولا يحال إلى التأويل والتفسير بالمجاز والاستعارات إلا في وجود قرينة قوية لازمة.
و هذا هو نص كلام الميرزا غلام في كتابه "التحفة الجولوروية" سنة 1900م, والمنشور سنة 1902م الصفحة 88 بخصوص أولوية التفسير بالظاهر في النصوص القُرآنية والحديثية:
يقول الميرزا غلام:
" ...
فغاية القول: أن الحديث "إمامكم منكم" يعني أن المسيح القادم ليس إسرائيليا البتة، بل هو من هذه الأمة حصرا، كما يدل على ذلك ظاهر النص، أي: إمامكم منكم. أما التكلف والتأويل بأن عيسى - عليه السلام - سيصبح من الأمة بعد النزول ولن يبقى نبيا، فليس هناك أي قرينة عليه. والعبارة تجدر أن تُحمل على ظاهرها قبل وجود قرينة، وإلا عُدَّ تحريفا كتحريف اليهود.
باختصار؛ أن القول بأن عيسى - عليه السلام - بعد النزول يرتدي زي المسلمين ويُدعى فردا من الأمة، تأويلٌ غير عقلاني ويتطلب دلائل قوية.
فمن حق جميع النصوص الحديثية والقرآنية أن تُفسَّر نظرًا لظاهر الكلمات ويُحكم عليها بحسب الظاهر إلا أن تنشأ قرينةٌ صارفة.
ودون القرينة الصارفة القوية يجب أن لا تفسَّر خلافا للظاهر.
وأن المعنى الحرفي لـ"إمامكم منكم" يقتضي أن يولد ذلك الإمام في هذه الأمة حصرا.
وإذا ادَّعى أحد خلاف ذلك بأن عيسى - عليه السلام - الإسرائيلي الذي نزل عليه الإنجيل هونفسه سيصبح من الأمة بعد العودة إلى هذا العالم؛ فهذه الدعوى جديدة وتنافي ظاهر النص، وتحتاج إلى دليل قاطع، فالدعوى دون إثبات غير جديرة بالقبول" انتهى النقل.
نص كلام الميرزا غلام مهم جدَّا لاحتوائه على مجموعة من الإقرارات وكذلك احتوى النص على مغالطات لُغوية.
بالنسبة للإقرارت, فقد أقرّ الميرزا غلام بوضوح أن النصوص الحديثية والقرآنية لا بد من تفسيرها بالمدلول الظاهر للكلمات, ولا يحال إلى المعاني المجازية إلا بوجود قرينة صارفة قوية, صارفة أي تؤكد بوضوح عدم جواز التفسير بالمعنى الحرفي أو الظاهر للكلمات, وقوية أي قاطعة لا شك فيها, والميرزا غلام اعتبر أن التفسير بالمجاز من غير وجود القرينة الصارفة القوية هومن التحريف للنص كما يفعل اليهود.
وأمّا المغالطة في كلام الميرزا غلام فهي اعتباره أن التعبير” وإمامكم منكم” في الحديث:
"
كَيْفَ أَنْتُمْ إذا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ " في البخاري أنّه يدل على أن ابن مريم عليه السلام هوهوالإمام الذي من الأمة الإسلامية وقتها, وهذا طبعا من الكذب, لأنّ التعبير "وإمامكم منكم" هوعطف حال لانه جاء بعد واو الحال ( وامامكم منكم ), ويدل على بيان حال المسلمين اثناء وقبل وقوع الفعل هو النزول و هو ان لهم امام, و بمعنى أن نزول ابن مريم عليه السلام يسبقه في الوجود إمام المسلمين وقتها. و هو المهدي.
وهذا لا يتعارض مع حديث صحيح مسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم "وأمَّكم منكم"
و هذا نص الحديث :
"
كيفَ أنتُمْ إذا نَزَلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ فأمَّكُمْ مِنكُمْ؟ فَقُلتُ لاِبْنِ أبِي ذِئْبٍ: إنَّ الأوْزاعِيَّ، حَدَّثَنا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن نافِعٍ، عن أبِي هُرَيْرَةَ، وإمامُكُمْ مِنكُم قالَ ابنُ أبِي ذِئْبٍ: تَدْرِي ما أمَّكُمْ مِنكُمْ؟ قُلتُ: تُخْبِرُنِي، قالَ: فأمَّكُمْ بكِتابِ رَبِّكُمْ تَبارَكَ وتَعالَى، وسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي : أبو هريرة و المصدر : صحيح مسلم
لأنّ الإمامة والخلافة والحكومة عند الميرزا غلام القادياني نوعان ويتواجدان في نفس الوقت ولا تعارض بينهما فلكل منهما وظيفته:
إمامة أوخلافة أوسلطنة ظاهرية حاكمة سلطوية وتكون في قريش حصرا بإقرار الميرزا غلام , وإمامة أوخلافة روحانية سماوية.
فلا مانع من تواجد الإمامين في نفس الوقت كما سيتضح, أمامٌ منْ قريش وهوالمهدي عليه السلام, وإمامة روحانية لسَيّدنا عيسى عليه السلام.
والنصوص التالية منْ كلام الميرزا غلام تبيّن اعتقاده الجازم بتواجد إمامين أوخليفتين في نفس الوقت, وأن كل هذا من الشريعة الإسلامية:
في كتاب "البراهين الأحمدية"من 1880 إلى 1884م,الأجزاء الأربعة الأولى ص 569:
يشرح الميرزا غلام القادياني وحيه: ”اردت أن استخلف فخلقت آدم, إني جاعل في الأرض"
أي أردت أن أجعل من عندي خليفة, قوله " إني جاعل في الأرض" كلمة مختصرة معناها أني سأقيمه.
والمراد من الخليفة هنا شخص يكون واسطة بين الله وبين الخلق لإرشادهم وهدايتهم.
ولا تراد هنا الخلافة الظاهرية التي تطلق على السلطنة والحكومة, وليس مسلما بها من الله تعالى في شريعة الإسلام لأحد غير قريش" انتهى النقل
واضح تماما اعتقاد الميرزا بوجود خلافة ظاهرية؛ يطلق عليها السلطنة أوالحكومة ولا تكون إلا في قريش بحسب الشريعة الإسلامية وهذا باقراره.
وفي كتاب " إزالة الأوهام " لسنة 1890 الصفحة 437:
ينقل الميرزا غلام كلاما للمجدِّد " صدِّيق حسن خان " لإثبات أن المسيح الموعود يجب أن يكون من الأمة الإسلامية وليس من بني اسرائيل, لأنّ الخلافة الظاهرية لا تكون إلا في قريش.
يقول الميرزا غلام:
"
ويقول [إبراهيم بدوي: يقصد الشيخ صدِّيق حسن خان] في الصفحة 427 : سيكون مجدِّد عصره، ويُعَدُّ من مجدِّدي هذه الأمة، ولكن لنْ يكون أمير المؤمنين؛ لأنّ الخليفة يجب أن يكون من قريش، وأنّى للمسيح أن يسلب حقهم؟ لذا لنْ يؤدي قط مهام الخلافة؛ مثل الجدال والقتال والسياسة، بل سيأتي تابعًا لخليفة الوقت، وكالرعايا." انتهى النقل
وفي كتاب "مرآة كمالات الإسلام" لسنة 1892 الصفحة 149:
يقول الميرزا غلام " إنّني لأستغرب لمإذا لا يفكر المشايخ في كلمة "يضع الحرب" ولمإذا لا يقرأون الحديث القائل:"الأئمة من قريش"؟ فما دامت السلطنة الظاهرية والخلافة والإمامة لا تجوز لأحد غير قريش كيف يمكن أن يكون المسيح الموعود الذي ليس من قريش خليفةً ظاهريا؟ والقول بأنّه سيبايع المهدي ويكون تابعًا له وسيرفع السيف مثل العبيد بأمر منه إنما هي أقوال غريبة وسخيفة للغاية.
يا مساكين، هداكم الله، أن خلافة المسيح الموعود خلافة روحانية ولا علاقة لها بحكومات الدنيا إذ قد أُعطي حكومة سماوية.." انتهى النقل
المقصود من كلام الميرزا غلام القادياني أن المسيح الموعود لا يصح له القتال لأنّه ليس الخليفة الحاكم ولا الحكومة ولا السلطان الظاهري لأنّه ليس من قريش, كما أن الميرزا غلام لا يقبل مسألة مبايعة المسيح الموعود لأحد.
وفي كتاب كشف الغطاء لسنة 1898 الصفحة 51:
يقول الميرزا:
"
فمع أنّه صحيح تماما أني لا أحسب السلطان العثماني خليفة بحسب الشروط الإسلامية لأنّه ليس من قريش بينما من الضروري للخلفاء أن يكونوا من قريش، ولكن قولي هذا لا يعارض تعليم الإسلام بل يطابق الحديث "الأئمة من قريش" تماما." انتهى النقل
واضح تطبيق الميرزا للحديث "الأئمة من قريش" حيث أنكر إمامة وخلافة الخليفة العثماني التركي لأنّه – بحسب قول الميرزا – ليس من قريش, ويؤكد أصالة هذا الإعتقاد لأنّه يطابق الحديث الشريف والشروط الإسلامية.

و الجمع بين الحديثين الصحيحين السابقين في البخاري و مسلم آخذا في الاعتبار ان الواو في وامامكم منكم هي واو الحال, و اقرارات الميرزا غلام يكون كالتالي :
أولا: أن الأئمة من قريش.
ثانيا: للأمة الاسلامية إمامان : حكومي سلطوي و الآخر روحي, و يرى الميرزا غلام أنّ الخليفة العثماني المسلم في زمن الميرزا غلام لم يكن يستحق الخلافة لانه ليس من قريش, و أنّ الحكومة الانجليزية استحقت أن تكون لها الحكم و السلطة لأنها وفرت الأمن للمسلمين في الهند و هذا ما لم يفعله السلطان العثماني, وأنّ الميرزا غلام هو الخليفة الروحاني للأمة.
ثالثا:سيدنا عيسى عليه السلام من بني اسرائيل و ليس من قريش كما يدعي الميرزا غلام.
رابعا: أن حرف " الواو" في الحديث "وإمامكم منكم" هو واو الحال.
خامسا : في التفسير الكبير الاحمدي تأليف بشير الدين محمود الخليفة الاحمدي الثاني و هو الملقب بالمصلح الموعود في تفسيره لسورة الحجر يقول :
"
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) سورة الحجر
والواو في {ولها} واو الحال، قال القاضي منذر: هذه الواو تفيد أن المذكور بعدها في اللفظ هو مقدَّم في الزمن ...(راجِع البحر المحيط)" انتهى النقل
و نضرب مثالا بسيطا لهذه الحالة : لو قلتُ "تناولت رغيفا و أنا جالس " .
فحرف الواو هنا يبين حالتي و ان اتناول الرغيف اي كنت جالسا , لذلك تسمى واو الحال , و أيضا يتضح ان جلوسي كان سابقا في الزمن اي قبل بداية تناول الرغيف.

اذن زمن ما يأتي بعد واو الحال يكون سابقا على الزمن ما قبل واو الحال – كما رأينا في التفسير الكبيرو بالتالي فإن الجملة " وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ" تعني أن زمن الامام الذي هو من المسلمين و من قريش بالتحديد يسبق زمن نزول سيدنا عيسى عليه السلام.
و لكن كيف نربط هذا مع حديث صحيح مسلم الذي فيه :" فأمَّكُمْ مِنكُمْ" ؟
و الربط كالتالي:
1-
اذا اتفقنا على صحة حديث الأئمة من قريش, وأن في الأمة الاسلامية يجب أن يكون هناك إمامان , امام حكومي سلطوي و امام روحي – و هذا اعتقاد الميرزا غلام – فالمقصود بــ " وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ " هو الامام السلطوي الحكومي القاهر الذي يجب أن يكون من قريش, و هذه الامامة ليست لابن مريم لأنه ليس من قريش , وانما للمهدي امام المسلمين - أي قبل نزول سيدنا عيسى عليه السلام - الذي هو من قريش بل من آل البيت .
2-
بعد نزول سيدنا عيسى عليه السلام وقد سبقه وجود المهدي زمنا حسب ما ورد في التفسير الكبير الاحمدي , و كان المهدي اماما للمسلمين , سيحاول المهدي أن يجعل سيدنا عيسى عليه السلام اماما للناس في الصلاة, فيرفض سيدنا عيسى عليه السلام ذلك , ويقول ان هذا تكرمة هذه الامة اي امامة الصلاة التابعة للامامة السلطوية الحاكمة لا تكون الا في الامة و هذا ما قرره سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ان الإمامة في قريش.
3-
و اذا كانت الإمامة السلطوية في قريش فهذا لا يعني تنازل سيدنا عيسى عليه السلام عن الامامة الروحية , فهي له لأنه نبي و رسول من أولي العزم .
4-
و هنا يأتي حديث مسلم " فأمَّكُمْ مِنكُمْ" و معناه " فأمَّكُمْ بكِتابِ رَبِّكُمْ تَبارَكَ وتَعالَى، وسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ " أي أن الامامة الروحية ستكون لسيدنا عيسى عليه السلام و انه سيؤم المسلمين روحانيا بكتاب الله و سنة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم.
والله اعلى و اعلم و هو المستعان
د.إبراهيم بدوي
1/12/2020
23/10/2022


تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع