مقال (479) ما هي حكاية و أهمية مقام الملائكة في السماء عند الميرزا غلام القادياني ؟ الجزء الاول .
https://ibrahimbadawy2014.blogspot.com/2022/02/478.html
في الكثير من كتب الميرزا غلام مثل كتاب " ازالة الاوهام " و "مرآة كمالات الإسلام" يتكلم الميرزا غلام القادياني مدعي النبوة و نبيّ الطائفة الاحمدية القاديانية كثيرا على مقام الملائكة في السماء بمعنى أنه الموضع و المكان الذي يعبدون الله فيه , و يصر على هذا التفسير للاية " وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) سورة الصافات بشكل يثير الاستغراب , فما هو السبب ؟
معروف أن عقيدة الميرزا غلام في النبوة أنه مثيل سيدنا عيسى
عليه السلام , و أنه هو المقصود بحديث نزول سيدنا عيسى عليه السلام الذي أنبأ به سيدنا
محمد صلى الله عليه و سلم , فالنزول لعيسى سيدنا عيسى عليه السلام هو مثل نزول
الملائكة للارض , فلا تنزل الملائكة نزولا حقيقيا و لا تترك مقامها في السماء و
لكنها بسبب نورانيتها تتمثل في اماكن اخرى غير موضعها في السماء من غير أن تترك
موضعها السماوي , بل الميرزا غلام شبه نزول الملائكة بنزول الله سبحانه و تعالى
كما ورد في نزوله في الثلث الاخير من الليل , و كذلك سيدنا عيسى عليه السلام , هو
في السماء بروحه بحسب الاعتقاد الميرزائي , و نزوله من السماء مثل الملائكة انما
يكون بالتمثل الروحاني في شخص غيره مثل الميرزا غلام .
و لم يجد الميرزا غلام أي دليل
في القرآن الكريم على هذا الادعاء بالتمثل , و لذلك يصر على أن هذه الاية هي دليله
من القرآن الكريم .
و في هذا المقال سوف نثبت من
كتب الميرزا غلام و كهنة الاحمدية , و التفاسير الاسلامية المعروفة أن كلمة "
مقام " في الاية المشار اليها و في غيرها لا تعني بالضرورة الموضع المادي المكاني لكل ملك
في السماء , فكلمة المقام تعني أيضا المكانة و الدرجة و المرتبة و ليس بالضروري
المكان المادي .
و معلوم أنه اذا تطرق الاحتمال
الى الدليل سقط الاستدلال به باعتباره قطعي الدلالة , بسبب أن الدليل أصبح ظني
الدلالة , أي في حالتنا هذه إذا كان هناك اكثر من معنى للفظ فلا يصح الاصرار على معنى
واحد دون غيره للاستدلال به لاقامة عقيدة محددة و بطلان غير هذه العقيدة .
يقول الميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب التبليغ صفحة رقم 151 مستنكرا الاصرار على معنى واحد لكلمة لها
أكثر من معنى , يقول:
"و ما يغرنهم ما جاء في أحاديث نبينا
عليه الصلاة و السلام لفظ دمشق, فان له مفهوما عاما , و هو مشتمل على معان كما
يعرفها العارفون.
فمنها إسم البلدة , و منها إسم سيد قوم من نسل كنعان , و
منها ناقة و جمل , و منها رجل سريع العمل باليدين, و منها معان اخرى.
" فما الحق الخاص
للمعنى الذي يصرون عليه و عن غيره يعرضون؟ " انتهى النقل
و الخلاصة لا يحق للميرزا غلام الاصرار على معنى أن يكون مقام الملائكة في
السماء يقصد به المقام المادي اي الموضع الذي يسبحون الله تعالى فيه , و يجب
اعتبار المعنى الاخر و هو المكانة كما سيظهر باذن الله تعالى .
يقول محمد بشير أحد اصحاب الميرزا غلام في كتاب مناظرة دلهي صفحة رقم 348 المنشورة بالموقع الرسمي :
" يقول المثل المعروف والمقبول: "إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال."
و يقول أيضا محمد بشير في صفحة رقم 353 :
" ولكن مع كل ذلك إن اعتبار أحد القولين قطعي
الدلالة باطل. إذا جاء الاحتمال
بطل الاستدلال."
و في صفحة رقم 361 يقول أيضا محمد بشير:
" أليس الإصرارُ على وجه واحد لآية حمالة
أوجه- مع الاعتراف بكونها حمالة أوجه- وإنكار الأوجه الأخرى كلها وجحودها بلا دليل
وعدُّ الآية قطعية الدلالة مصداق: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (1)؟
و في كتاب فقه الميرزا غلام يقولون
:
" ومع الاحتمال لا يثبت الاستقراء " أي بوجود أكثر من معنى
للكلمة يسقط الاستقراء .
و قبل الخوض في المقال فإن
" المقام " بافتراض أنه يعني المكان و الموضع المادي فهو لا يستلزم عدم تركه , فكلنا لنا مقام مادي نقيم فيه في
بلادنا و هذا لا يعني ابدأ أننا لا نتركه ثم نعود اليه بعد الانتهاء من المهام
التي استدعت تركه مؤقتا .
سوف نأتي من كلام الميرزا غلام و
ابنه محمود بشير الدين و من كلام الخليفة الاول نور الدين ما يثبت أن كلمة "
المقام " في القرآن الكريم قد تعني المكانة الروحانية و الدرجة و المرتبة , و
أيضا سوف نأتي من كلام المفسرين المسلمين و هم من يقر لهم الميرزا غلام بالمكانة
العلمية و كثيرا ما يستدل بتفسيراتهم في مواضع كثيرة من كتبه .
عندنا آية مهمة في هذا السياق و
قد ذكر فيها كلمة المقام مثل الاية التالية :
" وَإِذْ
جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) سورة البقرة
فما هو تفسير الميرزا غلام و
غيره للمقام في الاية السابقة ؟
يقول الميرزا غلام في كتابه
" الاربعين " 1900 صفحة رقم 94 :
" أما قوله: "واتخِذوا
من مقام إبراهيم مصلّى" فهذه الجملة آيةٌ قرآنية ومعناها هنا في هذا
الموضع أن اقتدوا
بعباداتكم ومعتقداتكم بإبراهيم هذا الذي أُرسلَ – الميرزا يقصد نفسه - وتأسَّوا بأسوته في كل شأن من شؤونكم"
اذن هنا المقام يعني مقام
العبادة و الاعتقاد و الاسوة الروحانية و ليس فقط الموضع المادي.
و في صفحة رقم 93 بخصوص نفس النص :
" فأنتم الذين تتبعونه اجعلوا مصلاكم موضع
قدميه، أي اتبِّعوه
اتباعا كاملا لتنجوا "
و هنا استخدم الميرزا غلام موضع
القدمين أي الاتباع الكامل و ليس الموضع المادي .
و في التفسير الكبير تأليف بشير
الدين محمود الخليفة الاحمدي الثاني يقول
بخصوص الاية القرآنية السابقة :
" والمراد: أمرنا أن تتمسكوا بمقام إبراهيم مكانا
للعبادة؛ أو أن تصلوا في المكان الذي أقام فيه إبراهيم لبناء الكعبة؛ أو أن
تُصَلّوا بعد الطواف في المكان الذي وقف فيه إبراهيم للعبادة، شكرا منكم على أن
الله جعل هذا البيت سببا لتوحيد الناس وتوطيد الأمن.
ومقام إبراهيم
موضع خاص عند الكعبة، أُمر المسلمون بأداء ركعتين نفلا فيه بعد الطواف بالبيت.
ويبدو أن إبراهيم بعد أن فرغ من بناء الكعبة صلى في هذا المكان صلاة شكر لله،
وإحياء لهذه السنة الإبراهيمية أمر الله المسلمين بأداء ركعتين هناك.
و
يكمل بشير الدين محمود و يقول :
" إلا
أنني أرى أن قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)،
يعني أن تسعوا لتحوزوا في
العبادة والطاعة مقاما تبوَّءه إبراهيم فيهما. إن الناس يظنون خطأ أن المراد من (مقام إبراهيم)
موضع مادي، مع أن المقام الحقيقي لإبراهيم هو مقام الإخلاص والتقوى والاستسلام الذي
كان يتمتع به، والذي عن طريقه رأى ربه. وكأنه يقول: عليكم أن تحبوا الله كما أحب
إبراهيم ربه، وتضحوا في سبيل الله كما فعل، وتشتركوا في فعل الخيرات بنفس الإخلاص
والحب والتقوى والإنابة الذي كان يتمتع به إبراهيم. لو فعلتم ذلك لنلتم مقامه. فليس المراد من مقام
إبراهيم هنا موضعا ماديا، ولكنه مقام روحي. وفي لغتنا أيضًا يقولون: " لم
تعرف مقامي " .. ولا يفهم منه السامع أنه المكان الذي يجلس فيه، وإنما يدرك
على الفور أنه يعني مقامه في رفعة القدرة والمكانة.
ولو تمسكنا بالمعنى الظاهري .. أي يقف كل مُصَلٍّ
في مقام إبراهيم .. فهذا مستحيل. فأولا- لحدث اختلاف في تعيين يقيني لمصلاه في مقام
إبراهيم. ولو عرفوه - على فرض المحال - ما استطاع العالم الإسلامي كله الصلاة هناك
و في تفسير حقائق الفرقان -
مجلد 1 تأليف الخليفة الاحمدي الاول نور الدين :
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ
مُصَلًّى} الدرجة التي صلى بها إبراهيم، عليكم أن تطيعوا
بالدرجة نفسها واعبدوا. (تشحيذ الأذهان مجلد
8، رقم 9، صفحة 439)
اذن كلمة " المقام
" في كتاب الله تعالى تم تفسيرها كما وردت في الكتب الاحمدية المنشورة بمعنى
المكانة و المرتبة كما ترد بمعنى المكان , و إن الاصرار و بناء عقيدة على أحد
المعاني دون الاخر هو نوع من الكبر و الاصرار على المخالفة لاثبات أمر لا يثبت
بتلقاء نفسه و لكن بالتحايل و الخداع .
أما التفاسير
الاسلامية فهي كما يلي في تفسيرها للاية المقصودة في بيان مقام الملائكة في السماء
قد بينت كلا المعنيين :
تفسير معالم التنزيل في تفسير
القرآن = تفسير البغوي
" وَرُوِّينَا عَنْ
أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ
جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ" (1)
قَالَ الْسُّدِّيُّ: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ فِي
الْقُرْبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ.
"
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَيْهِ، كَالْخَوْفِ
وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا."
أي المكانة و الدرجة و القربة .
الكتاب: الدر المنثور
" وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن من السَّمَوَات لسماء مَا فِيهَا مَوضِع
شبر إِلَّا عَلَيْهِ جبهة ملك أَو قدماه قَائِما أَو سَاجِدا "
هنا قال سماء من السماوات , اي لو أننا قلنا بالموضع و المكان فلا يستلزم كل
كل السماوات و ايضا لا يستلزم كل الملائكة .
الكتاب: التفسير المظهري
" واما قوله تعالى- وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ
مَعْلُومٌ- فمقتضاه عدم الترقي من مقام الى مقام- يعنى من مقام الأسماء والصفات الى مقام الذات
فانه لا يجوز وصولهم الى مقام الذات بخلاف البشر"
أي المكانة و الدرجة .
الكتاب : مفاتيح الغيب
" ثم قال تعالى وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ فالجمهور على
أنهم الملائكة وصفوا أنفسهم بالمبالغة في العبودية فإنهم يصطفون للصلاة والتسبيح والغرض
منه التنبيه على فساد قول من يقول إنهم أولاد الله وذلك لأن مبالغتهم في العبودية
تدل على اعترافهم بالعبودية واعلم أن هذه الآية تدل على ثلاثة أنواع من صفات
الملائكة فأولها قوله تعالى وَمَا مِنَّا إِلاَّ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ وهذا يدل على أن لكل واحد منهم مرتبة
لا يتجاوزها ودرجة لا يتعدى عنها "
أي المرتبة و المكانة و الدرجة
.
و الخلاصة أنه لا يوجد أي دليل قطعي الثبوت و الدلالة في شرعنا على عقيدة المماثلة الروحانية التي يتبناها الميرزا غلام , و التي يبني عليها الميرزا غلام وجوده
الروحاني و نبوته المزعومة , و هو بهذا قد أضاف شرعا و عقيدة جديدة مبتدعة , و أن احتياجه لاثبات هذه العقيدة الفاسدة جعله
يستدل بمماثلة مزعومة ليوحنا في الاناجيل لإيليا التي يقر الميرزا غلام اصلا انها
محرفة و مبدلة .
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
1/2/2022
تعليقات
إرسال تعليق