القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال (527) هل آيات مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ تثبتُ نبوة ورسالة الميرزا غلام، وتثبت استمرار النبوة والرسالة!!!

 



مقال (527) هل آيات مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ تثبتُ نبوة ورسالة الميرزا غلام، وتثبت استمرار النبوة والرسالة!!!


الرد على إدعاء الأحمديين القاديانيين أتباع مدعي النبوة الميرزا أنّ آية الميثاق في سورة (آل عمران)([1])، ومعها آية من سورة الأحزاب تثبتان استمرار النبوة والرسالة بعد سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وبخاصة نبيهم الميرزا غلام القادياني.

وهذه الآية في سورة آل عمران: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}([2]).

وآية سورة الأحزاب: قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [7] لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}([3]).

وبإذن الله تعالى سيكون الرد على الأحمديين في عدة نقاط:

النقطة الأولى:

تفسير آية آل عمران كما في تفسير القرطبي كما يلي:

"أن الله أخذ العهد على الأنبياء وعلى أممهم بأنه إذا جاءهم رسول من عند الله وهذا الرسول مذكور في كتبهم فيجب أن يؤمنوا به وينصروه. وأقرت الأنبياء بهذا العهد وأشهد الله تعالى الأنبياء على أنفسهم وكذلك أشهد الله الملائكة عليهم وفي آخر الآية شهد الله بنفسه على الميثاق والعهد وأيضًا هو شاهد على الأمم التابعة لكل نبيّ".انتهى النقل بتصرف.

إذن الآية في سورة آل عمران تتكلم على أنّ كل نبيّ عنده نبأ مسبق من الله سبحانه وتعالى؛ بأنّ هناك رسول نبيّ سوف يأتي بعده، وأنّ هذا الرسول النبيّ تعرفونه بما ورد في النبوءة من صفات وملامح مذكورة في النبوءة، وكل ما يمكن به معرفة هذا النبيّ معرفة تامة واضحة، فعلى النبيّ أو أمته الإيمان بهذا الرسول النبيّ ونصرته، وقد تجلى ذلك في بشارة سيدنا عيسى عليه السلام بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حينما قال :{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}([4]).

وقد يكون الرسول النبيّ المنبأ عنه، والمطلوب من الأنبياء الإيمان به ونصرته، هو فقط سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وسنرى في التفاسير الأحمدية للآية هذا الرأي بوضوح، وبالتالي فإن دلالة الآية في الحالتين لا علاقة بها برسول نبيّ يأتي بعد سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

يريد الأحمديون أن يكون ميثاق سورة الأحزاب هو نفسه ميثاق سورة آل عمران، وحينما قال الله تعالى له صلى الله عليه وسلم "وَمِنكَ"، أن يكون سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم هو أيضًا مأمور بالإيمان والنصرة لمن يأتي بعده من الرسل ومنهم الميرزا، ولكي يكون لهم هذا فلا بد أن يكون الرسول في آية آل عمران {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ} ليس سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم هو المقصود الوحيد في الآية، لأنه مأمور مثل بقية الأنبياء بالإيمان ونصرة من يأتي بعده من الرسل بحسب رأي أتباع الميرزا، والمقصود من إيمان ونصرة سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لمن يأتي بعده من الرسل هو إيمان ونصرة أمته المسلمة لمن يأتي بعده صلى الله عليه وسلم، وهذا هو خلاصة الفكر الأحمدي من خلال الجمع بين آية آل عمران والأحزاب.

والتفاسير الإسلامية مثل تفسير فخر الدين الرازي وابن كثير والقرطبي وغيرهم قالوا باحتمالية أن يكون الميثاق هو هو في الآيتين وأنّ ذِكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في آية الأحزاب للتشريف ومن باب ذكر الخاص بعد العام ولم يأتي في كلامهم أنّ سيدنا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مأمور بالإيمان والنصرة لمن يأتي بعده من الرسل، وقالوا أيضًا أنه من الممكن أن يكون الميثاق في سورة الأحزاب غير ميثاق سورة آل عمران، وإنّما الميثاق في سورة الأحزاب هو أنّ الله تعالى سوف يسأل الأنبياء والمرسلين عن أدائهم لمهامهم ويظهر هذا من بقية الآيات {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}([5]).

إذن لا دلالة قطعية في أنّ الميثاق في السورتين هو نفس الميثاق، وبالتالي اعتبار الميثاق في السورتين هو نفسه هو استدلال ظني لتعدد التفاسير وهذا هو مذهب الميرزا كما في كتاب (مناظرة لدهيانة) وغيره، وكما يقول الميرزا "والظن لا يغني من الحق شيئا" كما في كتاب (اتمام الحجة) 1894م صفحة 61.

والنصوص التالية من مؤسسي الطائفة الأحمدية تثبتُ أنّ الرسول النبيّ في آية الميثاق من سورة آل عمران هو سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم دون غيره، كما أنّ آية سورة الأحزاب لم يأتي ذكرها أو تفسيرها في تفسير الميرزا أو تفسير بشير الدين محمود فيما يتعلق بالميثاق النبوي فيها، ولكن الخليفة الأحمدي الأول (نور الدين الحكيم) هو من ذكر تفسير آية سورة الأحزاب، وقد أثبتَ أنّ الميثاق الذي فيها هو من الأنبياء لسيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وليس لغيره، وإنما ذُكِرَ سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم في الآية بقول الله تعالى "وَمِنكَ"على سبيل التقدير والثناء له صلى الله عليه وسلم، ولم يكن المقصود أنّ سيدنا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أيضًا مطلوب منه أن يؤمن وينصر الرسول الذي يأتي بعده.

فإذا كان الميرزا الحكم العدل كما يدعي عن نفسه، لم يفسر آية سورة الأحزاب وكذلك إبنه بشير الدين محمود الملهم والملقب بالمصلح الموعود وصاحب (التفسير الكبير)، فلماذا تركا كلاهما تفسير هذه الآية المحورية - من وجهة نظر الأحمديين - والتي تثبت مجيء نبيٍّ بعد سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وأنّ سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وأمته مأمورون كما بقية الأنبياء بالإيمان والنصرة للرسول التالي أي الميرزا غلام، هل أدعياء العلم من الأحمديين أعلم بتفسير القرآن الكريم من الميرزا غلام أو بشير الدين محمود!!!

يقول الميرزا([6]):"...ونظرا لهذه الجامعية التامة قد ورد مفصلًا في سورة آل عمران أنه قد أخذ الميثاق من جميع الأنبياء بأنه يجب عليهم أن يؤمنوا بعظمة خاتم الرسل محمد المصطفى وجلالة شأنه، وينصروه بالروح والدم في نشر عظمته هذه وجلالة شأنه. ولذلك كل من خلا من الأنبياء والرسل من آدم صفي الله إلى حضرة المسيح كلمة الله قد ظلُّوا يُقرون بعظمة النبي ﷺ وجلالة شأنه".

يقول الميرزا([7]):"(16) قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ"([8]) من الواضح أن جميع الأنبياء ماتوا حسب آجالهم. والأمر هنا موجَّه إلى أمة كل نبي أن يؤمنوا بذلك الرسول عند بعثته وإلا سيُؤاخَذون. فليقل الآن ميان عبد الحكيم -الذي ينطبق عليه المثل القائل: "العلم القليل فتنة"- لماذا يؤاخِذ الله أناسا لم يؤمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -...".

ويقول الميرزا([9]):"...يتفق المسلمون كلهم على أن إسلام المرء لا يكتمل ما لم يؤمن بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. لذلك فقد قال القرآن الكريم إنه قد أُخِذ من كل أمة عهد بواسطة نبيها أن يؤمنوا بخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - عند بعثته، وينصروه".

كما ذكر بشير الدين محمود آية الميثاق في سورة آل عمران في الدليل الثامن([10]) من الأدلة التي تثبت نبوة الميرزا غلام من وجهة نظره، حيث يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النبيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}([11])، يقول بشير الدين محمود:"هذه الوصية إنما هي بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى النبيّ صلى الله عليه وسلم بحق المسيح الموعود عليه السلام أيضًا أن نبلِّغه سلامًا من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم".

وهذا إقرار من بشير الدين محمود بأنّ آية الميثاق في سورة آل عمران تخص سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

ويقول (محمد أحسن الأمروهي) العالم الأحمدي([12]):" إن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم سامية لدرجة أُمر جميع الأنبياء أمرا مؤكدا، وأُخذ منهم ميثاقٌ أن يؤمنوا به صلى الله عليه و سلم جميعا. فقد قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ* فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}".

وهذا هو تفسير الخليفة الأحمدي الأول (نور الدين) لآية الأحزاب حيث يقول([13]): [وإذ أخذنا من النبيينأي قد أُخذ من جميع النبيين عهدا بأن يُخبروا عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولينبئوا عنها، وأُخذ من النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ليقدر نبوته".[تشحيذ الأذهان ، مجلد 8 , صفحة 474].

إذن (نور الدين) يرى أنّ الرسول في آية آل عمران هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويرى أنّ ذِكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في آية الأحزاب تشريفًا وتقديرًا لنبوته صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر نور الدين أي شيء يخص الميرزا، وتفسيره هذا متوافق مع ما جاء في التفاسير الإسلامية.

 

النقطة الثانية:

كما قلت من قبل، لو تنزلنا مع أتباع الميرزا وقلنا إنّ الميثاق في آية سورة الأحزاب هو نفسه الميثاق الذي في سورة آل عمران, وأنه بجمع الآيتين معا يثبتُ استمرار النبوة وأنّ هذا دليل أكيد على نبوة ورسالة الميرزا، وأنّ سيدنا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وأمته المسلمة مأمورون بالإيمان والنصرة للرسول الذي سوف يأتي بعده صلى الله عليه وسلم أي الميرزا, ففي آية سورة آل عمران شرط مهم لم يتحقق في حالة الميرزا, وهذا الشرط هو التعبير {رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ}، ومعنى التعبير {رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ}، كما في كتب القواميس العربية والتفاسير الإسلامية وحتى التفسير الأحمدي القادياني (التفسير الكبير) أنّ الرسول الذي تتحقق فيه نبوءات الأنبياء السابقين عنه، وهو من يكون الأنبياء مطالبين بالإيمان به ونصرته, وليس كل مدعٍ للنبوة، فهل توافرت نبوءات بيّنة([14]) تخص الميرزا غلام في الكتب السابقة عليه مثل القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وحتى كتب أهل الكتاب نستطيع أن نعرف منها يقينًا أنّ الميرزا غلام هو بالفعل والقطع الرسول النبيّ المقصود – بحسب الفهم الأحمدي- في آية ميثاق النبيين!!!

أولا :معجم لسان العرب

"ولقد صَدَّقَ عليهم إبليسُ ظنَّه فمعناه أَنه حقق ظنه حين قال {ولأُضِلَّنَّهم}، والمُصَدِّقُ الذي يُصَدِّقُك في حديثك)" انتهى النقل من لسان العرب.

وبالتالي المصدِّق [بتشديد الدال] معناه الذي يقر بصحة كلامك أو يؤمن به وقد يعمل أو لا يعمل به فإن كان مؤمنًا عمل بما علم به وآمن به، وإنْ كان كافرًا فقد يتعدى إلى العكس، والله يقول في حق الكفار {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}([15]).

ثانيا : تفسير مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي لبيان معنى كلمة "مصدق ل"

{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}([16]).

أما قوله تعالى (كِتَابٌ) فقد اتفقوا على أن هذا الكتاب هو القرآن لأن قوله تعالى مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ يدل على أن هذا الكتاب غير ما معهم وما ذاك إلا القرآن أما قوله تعالى مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ففيه مسألتان:

المسألة الأولى لا شبهة في أن القرآن مصدق لما معهم في أمر يتعلق بتكليفهم بصديق محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة واللائق بذلك هو كونه موافقاً لما معهم في دلالة نبوته إذ قد عرفوا أنه ليس بموافق لما معهم في سائر الشرائع وعرفنا أنه لم يرد الموافقة في باب أدلة القرآن لأن جميع كتب الله كذلك ولمّا بطل الكل ثبت أن المراد موافقته لكتبهم فيما يختص بالنبوة وما يدل عليها من العلامات والنعوت والصفات ...".

ثالثا :(التفسير الكبير) القادياني:

يقول صاحب (التفسير الكبير): "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ")[17](.

التفسير: قوله تعالى "مصدق لما معهم" .. التصديق على نوعين: الأول- كقولنا مثلا: زيد صادق، بمعنى أنه لا يمكن أن نعزوه إلى الكذب، والثاني-مثلا يقول زيد إن بكرًا سوف يحضر، فيحضر بكر؛ فقد صدَّق بكر زيدا، حيث حقّق ما قال [زيد]. وهنا لا يعني قوله"مصدق لما معه" أن القرآن الكريم يصدق ويقبل كل ما ورد في التوراة، وإنما يعني فقط أنه حقق بنزوله نبوءات التوراة الواردة في شأنه وشأن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.ولإقامة الحجة على اليهود بيّن الله هنا أنّ القرآن هو ذلك الكتاب الذي تنبأت بظهوره كتب اليهود، ولو لم ينزل القرآن للزم تكذيب نبوءات التوراة، ولكن جاء فصدقها. فإذا كانوا حقا مؤمنين صادقي الإيمان بكتبهم لوجب عليهم تصديق القرآن حتى يتم تصديقهم الفعلي بالتوراة".

ويقول بشير الدين محمود في موضع آخر لبيان معنى "مصدق لِمَ بين يديه": " قوله (مصدقا لما بين يديه) أن الكلام المنزل على هذا النبي مصدق للنبوءات الواردة في كتبكم. وهذا دليل صداقة لا عداوة. حيث نزل بكلام يبين صدق كتبكم، إذ لو لم ينزل جبريل بهذا الكلام، ولم يبعث هذا النبي في هذا العصر، أو لم يأت من بني إسماعيل لوجب تكذيب التوراة واعتبار نبوءاتها باطلة. فجبريل لم يعادكم وإنما نصح لكم. لو كان حقا عدوًا لكم ما صدق كتبكم. فاقبلوا هذا الكلام ولا تردوه، فهو خير لكم وفيه شرفكم.".

ومما سبق من خلال معجم (لسان العرب) وتفسير (مفاتيح الغيب) و(التفسير الكبير) القادياني، يتضح أنّ التعبير "مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ" يعني الرسول الذي تتحقق فيه النبوءات التي هي بشأنه في كتب هؤلاء الأنبياء السابقين عليه, فإذا كان الأمر كذلك فعلى حضرات الأنبياء الإيمان به ونصرته.

والآن هل في كتب الأنبياء وبخاصة القرآن الكريم والأحاديث المتواترة أي نص يُثبتُ من خلاله أنّ الميرزا نبيّ من عند الله سبحانه وتعالى!!!

إن كان لدى أتباع الميرزا ولو دليل واحد فقط قطعي الثبوت والدلالة بالميزان والتعريف الذي أقر به الميرزا اتفاقًا مع علماء المسلمين – كما في كتاب (إتمام الحجة) صفحة 60 و61 فليتفضلوا به.

 

النقطة الثالثة

هل يطلب الله سبحانه وتعالى من الناس مالا يستطيعونه؟ الله سبحانه وتعالى يقول "لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"([18])، فهل يطلب الله سبحانه وتعالى من الأنبياء ومن أممهم أن يؤمنوا وينصروا نبيًّا لم يأتي بالبينات أي الأدلة القطعية التي تثبت نبوته بشكل لا خلاف عليه، إلا من تعمد الإنكار والجحود من الكافرين وهذا يعلمه الله سبحانه وتعالى منهم!، إذن لا بد أن تكون الأنباء والأخبار عن هذا الرسول النبيّ موجودة في كتب الأنبياء السابقين له، واضحة قطعية فلا يختلف عليه أحد منصف غير جاحد.

لقد وصف الله سبحانه وتعالى سيدنا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عند أهل الكتاب بإسمه وصفته ونسبه ومكان بعثته وبأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وبالتالي فمن المحتوم أن تكون الأخبار والأنباء الواصفة للنبيّ المستقبلي في كتب من سبقوه من الأنبياء هي أنباء وأخبار قطعية الثبوت والدلالة عند الأنبياء الذين أخذ الله عليهم العهد والميثاق.

وهذه النصوص من الميرزا تثبت أنه إذا أراد الله تعالى تعيين شخص محدد يأتي في المستقبل، ويطالب الله تعالى الناس بالإيمان به، فواجب على من أعلن النبوءة أن يذكر مواصفات ملزمة لهذه الشخصية، ولكان ذكره باسمه واسم والده ووالدته حتى يتعرف عليه الناس بسهولة([19])، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تجعلنا في فتنة وحيرة في تحديد هذا الرجل المنبأ عنه، وإلا فعلى الناس الاتجاه إلى التأويل للنبوءات، وفي هذه الحالة فإنّ التأويل يكون ظني الدلالة، ولا يمكن أن تقام حجة على أساسه، فكيف يصبح المنكرون كفارًا بنصوص ظنية الدلالة!!

يقول الميرزا([20]):"...ولو كان المراد من لفظ الدجّال رجلا خاصّا لبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم ذلك الرجل الذي لُقّب بالدجّال، أعني الاسم الذي سماه والداه، وبيّن اسم والديه، ولكن لم يُبين ولم يصرّح اسم أبيه وأمه. فوجب علينا أن لا ننحت من عند أنفسنا رجلا خاصا، بل ننظر في لسان العرب، ونقدم معنى يهدي إليه لغة قريش، فإذا ثبت معناه أنه فئة الكائدين فوجب بضرورة التزام معنى اللفظ أن نقر بأنه فئة عظيمة فاقوا مكرا وكيدا وتلبيسا أهلَ زمانهم، ونجّسوا الأرض كلها بخيالاتهم الفاسدة ".

 

ويقول الميرزا([21]): " والآن نلقي نظرة على نبوءات التوراة عن نبينا الأكرم - صلى الله عليه وسلم -. فهناك نبوءتان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوراة تبرهنان بكل جلاء للمتدبرين - إذا كانوا منصفين - أنهما وردتا بحقه - صلى الله عليه وسلم - حتما. ومع ذلك هناك مجال واسع لنقاش عقيم أيضا بشأنهما. فمثلا قد ورد في التوراة أن موسى - عليه السلام - قال لبني إسرائيل: قَالَ لِيَ الرَّبُّ: أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ. والمعضلة في هذه النبوءة هي أن بني إسرائيل أنفسهم قد ذُكروا كأخوة بني إسرائيل في بعض الأماكن في التوراة، وفي بعض الأماكن الأخرى ذُكر بنو إسماعيل أيضا كإخوة بني إسرائيل بالإضافة إلى ذِكر إخوة آخرين. والآن، كيف يمكن القطع والجزم أن المراد من إخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل وحدهم؟ بل الجملة: "مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ" تزيد العبارة تعقيدا. ومع أننا نثبت نظريا لطالب الحق بجمع أدلة وقرائن كثيرة وإثبات المماثلة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وموسى، أنه لا مصداق لهذه النبوءة في الحقيقة سوى نبينا الأكرم - صلى الله عليه وسلم -، ولكن النبوءة بحد ذاتها ليست واضحة وبديهية حتى نتمكن بناء عليها من إقناع كل جاهل وغبي أيضا، بل إن فهمها وإفهامها للآخرين يقتضي فطنة كاملة. لو لم يُرِد الله تعالى ابتلاء خلقه، وكان بيان النبوءة بصورة بينة وجلية مقدّرًا في مشيئة الله، لكان من المفروض أن تُصَرِّح النبوءة بما يلي: يا موسى، سأبعث في القرن الثاني والعشرين بعدك في بلاد العرب من بني إسماعيل نبيًّا يكون اسمه محمدا (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه عبد الله واسم جده عبد المطلب واسم أمه آمنة، سيولَد في مكة وتكون ملامحه كذا وكذا. فالواضح أنه لو جاءت النبوءة في التوراة بهذه الطريقة لما كان لأحد مجال للقيل والقال، ولكُمّت أفواه الأشرار كلهم. ولكن الله تعالى لم يفعل ذلك. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ألم يكن الله قادرا على ذلك؟ وجوابه أنه كان قادرا دون أدنى شك، بل لو شاء لسجل آيات أكثر وضوحا من ذلك لتخضع لها الرقاب كلها دون أن يبقى منكِرٌ واحد في العالم كله. ولكنه - سبحانه وتعالى - ما شاء أن يصرّح ويوضّح أكثر من ذلك، لأنه يريد دائمًا الابتلاء أيضا نوعا ما من وراء النبوءات حتى يفهمها الفاهمون وطلاب الحق، ويُحرم من قبولها مَن كان في نفوسهم الحميّة والاستكبار والتهوّر والاستهتار وعادة التمسك بظواهر الأمور".

 

ويقول الميرزا([22]):"الحق أن سنة الله في النبوءات هي أن يكون فيها جانب من الإخفاء والابتلاء، لأنه لولا ذلك لما بقي أي خلاف ولصار مذهب الجميع واحدا، ولكن الله تعالى شاء من أجل التمييز أن يجعل في النبوءات جانب الابتلاء، فيصر عليه قصيرو النظر والمتمسكون بظواهر الأمور وبذلك ينحرفون عن الهدف الحقيقي. وعلى غرار ذلك واجه اليهود مشكلة ووقعوا في الشبهات بشأن النبيّ صلى الله عليه وسلم. لو وردت في التوراة نبوءة بكلمات صريحة أن القادم سيكون من بني إسماعيل وسيكون اسمه محمد (ﷺ) واسم أبيه عبد الله بن عبد المطلب واسم أمه آمنة فكيف كان لليهود أن ينكروه؟ ولكن لسوء حظهم لم يكن في النبوءة هذا التصريح بل جاء فيها أنه سيكون من إخوتكم ولكنهم زعموا أن المراد من ذلك هم بنو إسرائيل حصرا".

كما رأينا يقرر الميرزا أنه لو كان الدجال رجلًا محددًا لكان سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك بذكر اسم هذا الرجل واسم والديه، ويرى الميرزا أنه بما أنّ سيدنا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لم يبيّن ولم يصرح باسم الدجال ولا اسم والديه، فعلينا ألا نتصور أنه رجل محدد، ويجب أن نبحث عن معنى لكلمة الدجال من خلال القواميس العربية، وأيضًا رأينا أنّ الميرزا يرى أنه لتوضيح النبوءات وجعلها جلية بيّنة عن شخص محدد سيأتي في المستقبل، فلا بد من ذكر ما يَتَعَرّف به الناس على هذا الشخص بكل سهولة ولا يقعوا في الفتنة والابتلاء، وبنفس هذا المبدأ العقلي التي قرره الميرزا، ولو تنزلنا مع الأحمديين، وافترضنا أنّ هناك رسول نبيّ سيأتي بعد سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، ومطلوب من سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وأمته الإيمان بهذا الرسول النبيّ ونصرته، فإنّ هذا الرسول النبيّ هو سيدنا عيسى عليه السلام، وحتى يتعرف عليه المسلمون بحيث لا يدعي كذاب أنه هو المسيح عيسى بن مريم، فقد ذكره سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم باسمه واسم أمه، ووصفه سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بأوصاف وملامح وأحوال واضحة، بل وصف سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لون ملابسه، حتى أنّ سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وصف مكان نزوله عليه السلام، ليس فقط البلدة وهي دمشق، بل الجهة من البلدة أي عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق، وبالتالي فمن المستحيل أن تتوافق كل هذه الأوصاف في أحد غير سيدنا عيسى عليه السلام.

وفي نهاية هذا البحث، قد ثبت من التفاسير الأحمدية الملزمة للأحمديين أنّ الرسول النبيّ المقصود في آية سورة آل عمران هو سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وليس غيره، وثبت أيضًا من التفاسير الأحمدية أنه لا علاقة بين آية الميثاق في سورة آل عمران، وآية الميثاق في سورة الأحزاب، بل تفسير الخليفة الأحمدي الأول نور الدين فسر آية سورة الأحزاب بخلاف ما يرى علماء الأحمدية.

 



[1] سورة آل عمران 81.

[2] سورة آل عمران 81.

[3] سورة الأحزاب 8.

[4] سورة الصف 6.

[5]  سورة الأحزاب 8.

[6] كتاب (الكحل لعيون الآرية) 1886م صفحة 253.

[7] كتاب (حقيقة الوحي) 1905-1907م صفحة 116.

[8]  سورة آل عمران 82.

[9] كتاب (حقيقة الوحي) صفحة 163 بالحاشية.

[10] كتاب (حقيقة النبوة) صفحة 272.

[11] سورة آل عمران 82.

[12] كتاب (مناظرة دلهي) 1891م صفحة 290.

[13] تفسير (حقائق الفرقان) المجلد الثالث.

[14] مواصفات النبوءات كما يصرح الميرزا، وهل هناك في الكتب والنصوص المقدسة نبوءات جلية واضحة بينة تنطبق على الميرزا.

يقول الميرزا إنّ الآية {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (27) سورة الجن، تقول إنّ الغيب لا يَعْلَمُه إلا الله تعالى، وإنّ الله تعالى لا يعطي علم الغيب اليقيني إلا للرسل وهذا صحيح، ولكن واضح من الآية أنّ الله تعالى قال في وصفه لِمَا يُعَرِّفُه من الغيب للرسل بالإظهار، والاظهار يعني منتهى الوضوح الذي ليس فيه خفاء كما يدّعي الميرزا وأتباعه.

فحينما يوحي الله تعالى بغيب للرسل فإنما يكون من أهداف هذا الوحي بالغيب إثبات أنّ هذا الرسول النبيّ من عند الله سبحانه وتعالى، حيث لا يعلم الغيب اليقيني إلا الله تعالى، فكيف يُقبل عقلًا أن يُعطِي اللهُ تعالى الإثبات للنبيّ على نبوته ويكون فيه خفاء – كما يدعي الميرزا-  فيؤدي هذا الخفاء إلى خطأ من النبيّ في فهم النبوءة، وبالتالي يختلفُ البلاغُ من الرسول للناس عمّا أراد الله تعالى، ثم يضطر الله تعالى بعد ذلك للتصحيح للنبيّ لبيان مفهوم الوحي الصحيح، وكما في حال الميرزا لم يكن التصحيح لخطأ الفهم مرة واحدة بل مرات في النبوءة الواحدة كما حدث في نبوءة المصلح الموعود وفي نبوءة زواج الميرزا من السيدة محمدي بيجوم.

وأعيد على سبيل الاختصار ما ذكرتُه في الجزء الأول من مواصفات النبوءات للأنبياء التي أقر بها الميرزا، أنّها جلية وصافية وواضحة وصريحة وأنّها تصل إلى درجة الكمال كمًا وكيفًا بحيث لا تشوبها شائبة ولا نقيصة، وتكون مشتملةً على الأمور الغيبية بصورة بيّنة، وأنّ ما يراه غير الأنبياء من نبوءات تكون مظلمة ومتشابهة أي غير مُحكمة.

فيؤكد الميرزا ما سبق من صفات ويزيد عليها حيث يقول في كتاب (حقيقة الوحي) 1905-1907 صفحة 567 بالحاشية:"يُفهَم من الآية {فلا يُظْهِرُ على غيبه...} على وجه القطع، أنّ النبوءات التي تحتل الدرجة الأولى كمًّا وجلاء يتلقاها عباد الله الأصفياء فقط، ولا يشترك فيها غيرهم، والإلهامات التي ليست على هذه الدرجة فقد يتلقاها الآخرون أيضًا، ومعظمها تكون مبهَمَة ومن قبيل المتشابهات، إعلموا أنّ الأنباء الموحى بها والتي لا تكون صريحة بحسب مدلول هذه الآية ولا تتعدى أحوال الناس العادية وتغلب عليها المتشابهات، فإن الآية المذكورة أعلاه تجيز أن يتلقاها أيضًا أناس ليسوا أصفياء الله بل أناس عاديين، فالمعيار الذي ذكره القـرآن الكـريم لمعرفة الأصفياء إنما هو أن تقلِّ المتشابهات في نبوءاتهم الموحى بها، وتحتل مـن حيـث الكثرة والجلاء درجة لا يسع أحدا في الدنيا مجاراتها، فيمكن، بحسب هذه الآية، أن يتلقى الفاسق أيضًا إلهاما لا يبلغ هذه الدرجة".

الواضح من نص الآية الكريمة والذي يفصل بين الغيب للرسل والغيب الذي قد يعلمه غير الرسل هو علم الغيب اليقيني، فكلمة الإظهار تدل على شدة الوضوح، وقد بيّنت في الجزء الأول تفصيل هذا كله من كلام الله تعالى، ومن كلام الميرزا نفسه.

ويقول أيضًا في كتاب (حقيقة الوحي) صفحة 317:"إنّ فتح باب الغيب على أحد كأنّه صار غالبًا عليه وأنّ الغيب في قبضته، لا يُعطىَ هذا النوع من التصرف على الغيب أحدٌ إلا أنبياؤه الأصفياء، فتُفتح عليهم أبواب الغيب كيفًا وكمًّا، نعم، يمكن أن يرى عامة الناس أيضًا رؤى صادقة أو يتلقوا إلهاما صادقا على سبيل الندرة، ولكنهما أيضًا لا يخلو أن من الظلمة، هذه الهبة خاصة بأنبياء الله الأصفياء فقط ".

وفي كتاب (الملفوظات) مجلد 9 صفحة 158 بتاريخ 5/5/1907م، تحت العنوان "إظهار الغيب": يقول الناشر: قال المسيح الموعود عليه السلام:" لقد خطرت ببالي اليوم نقطة عند التدبر في الآية: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الجن: 27-28، وهي أن الله تعالى يقول في هذه الآية أنّه لا يظهر على الغيب أحدًا إلا الرسل. الكلمة الجديرة بالتأمل هنا هي:" يُظهر". المراد من الإظهار هو كشف الغيبٌ على أحد بكثرة. يتضح من ذلك أن قدرًا يسيرا من الغيب يُكشف على سبيل المتشابهات على الآخرين أيضًا بين حين وآخر، ولكنه لا يتضمن أمرًا محكَمًا. ولا يشتَرط له أن الذي يُكشف عليه يجب أن يكون مؤمنًا أو كافرًا بل يمكن أن تتسنى هذه الحالة بين حين وآخر لمتبع أي دين فينال شيئًا من أمر الغيب مشتبهًا كان أم غير مشتبه. كل هذا ممكن ولكن الممنوع هو الإظهار على الغيب. إن كلمة الإظهار تدل على كيفية الغيب وكميته أي يجب أن يكون ذلك الغيب نقيًا وبريئًا من الشك والشبهة، وثانيًا يكون بكثرة توحي بأنّه خارق للعادة ومعجزٌ. يتبين من الآية نفسها أن غير الرسل أيضًا ينالون شيئًا من الغيب ولكن لا يحظون بالإظهار على الغيب. إن لفظ "الإظهار" يبين ميزة خاصة".

في الحقيقة لا يوجد في الآية الكريمة ما يدل على الكثرة أبدًا، وإنّما أراد الميرزا التلبيس على الناس بذلك الرأي لأنّ الميرزا في إقراره كما قال في كتاب (حقيقة الوحي) صفحة 3 و4 و5 و6:"إنّ البعض من الناس بسبب البنية الدماغية لديهم فانّهم يعرفون بعض الغيب، ومنهم البعض ممن يدعون النبوة أو الإمامة أو أصحاب الأديان الباطلة، ومنهم الكفار والفساق ومنهم من يحاول إثبات أنه على الحق من خلال تحقق بعض النبوءات، فقال الميرزا إنّهم يفتقدون للكثرة الكبيرة بلا أي دليل من الآية المشار إليها.

كما أنّ الصفات التي قالها الميرزا في بعض الوحي مثل الإبهام والمتشابه وغير الصريح وغير البيِّن هي ما يصح أن يكون فيه خفاء، فمثل هذه الصفات كما قال الميرزا تكون في نبوءات غير الأصفياء والفساق والكفار، فإذا كان في نبوءات الميرزا إبهام وخفاء ومتشابهات وعدم إحكام فقد ظهر جليًا أنّ الميرزا من أدعياء النبوة الذين يستغلون تحقق بعض النبوءات لإشاعة أنه نبيّ ورسولٌ من الله، ولو كان نبيًّا ورسولًا من عند الله حقًا لكانت نبوءاته جلية واضحة محكمة ليس فيها متشابهات ولا إبهام أي بلا خفاء.

[15]  سورة الأنعام 33.

[16]  سورة البقرة 90.

[17] سورة البقرة 89.

[18] سورة الأنعام 152.

[19] يقول الله تعالى :{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (78) سورة الحج.

[20] كتاب (حمامة البشرى) 1894م صفحة 74.

[21] كتاب (إزالة الأوهام)1891م صفحة 255.

[22] كتاب (الملفوظات) المجلد 6 صفحة 339 تحت العنوان " سنة الله في النبوءات".


تعليقات

التنقل السريع