مقال (548) مناقشة عقيدة مماثلة سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لسيدنا موسى عليه السلام عند مدعي النبوة الميرزا غلام القادياني.
يقول الميرزا غلام([1]):"كذلك فقد اعتُبر نبينا
الأكرم - صلى الله عليه وسلم - مثيل موسى، والقرآن الكريم شاهد على ذلك، ومع ذلك
لم يسمع أحد أنه - صلى الله عليه وسلم - حوّل العصا إلى ثعبان كما فعل
موسى".
كثيرًا ما كان يطالب الناس الميرزا غلام بمعجزات وخوارق مثل ما جاء بها
سيدنا عيسى عليه السلام طالما يدعي أنه مثيله، وكان الميرزا يجيب بأنه لا ضرورة
للمثيل أنّ يأتي بخوارق مثل النبيّ الأصل، فكان الميرزا يضرب المثل بمثلية سيدنا
مُحَمّد صلى الله عليه وسلم لسيدنا موسى عليه السلام، فكما أنّ سيدنا مُحَمّدًا
صلى الله عليه وسلم كان مثيلًا لسيدنا موسى عليه السلام، ولم يأتِ صلى الله عليه
وسلم بخوارق كما جاء بها عليه السلام، وإنما جاء بالقرآن الكريم، فمطالبة الناس من
الميرزا غلام بالخوارق بسبب المثلية لا تصح من وجهة نظر الميرزا غلام.
واعتبار الميرزا غلام مثلية سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم لسيدنا
موسى عليه السلام كأصل يستند عليه باطل، فلم يكن هناك أي دليل قطعي من القرآن
الكريم أو السنة الصحيحة على هذه المثلية، وإنّما الميرزا غلام يستند على فهمه المعوج
للآية {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا
أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)}([2])،
معتبرًا التعبير "كَمَا أَرْسَلْنَا" يفيد مثلية سيدنا مُحَمّد صلى الله
عليه وسلم لسيدنا موسى عليه السلام، وطبعًا هذا الاستدلال غير صحيح، إنما التشبيه
بكلمة "كما"، هو تشبيه للإرسال، أي كما أرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا
موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه، فقد أرسل الله تعالى سيدنا مُحَمّدًا صلى الله
عليه وسلم إلى قريش، أيضًا كان يستدل الميرزا غلام بالقول "علماء أمتي
كأنبياء بني إسرائيل"، باعتباره حديثًا شريفًا يثبت مثلية العلماء
للأنبياء في النبوة مجازيًا، وكان الميرزا غلام يعتبر نفسه من هؤلاء العلماء، وعلى
العموم ستجدون في الحاشية الرد من بشير الدين محمود([3]) على استدلال الميرزا
غلام، كما استند الميرزا غلام في مثلية سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم لسيدنا
موسى عليه السلام على نص بالعهد القديم في الكتاب المقدس؛ في سفر التثنية 18/18،
حيث يقول النص:"أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه،
فيكلمهم بكل ما أوصيه به"، أي يقيم الله تعالى نبيًّا مثل سيدنا موسى
عليه السلام، وطبعًا لا يصح الاستناد إلى نصوص من كتب محرفة، وليس الادعاء
بالتحريف من الله سبحانه وتعالى وسيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم فقط، بل من
إقرارات الميرزا غلام وابنه بشير الدين محمود أيضًا، وقد فصلت في هذا الجزء الأول
مسألة تحريف التوراة والإنجيل، ومبدأ الاستدلال من كتب مقدسة محرفة؛ أنه لا يجوز
الاستدلال إلا بما يوافق الأصل في شرعنا، وفي الحاشية أضع لكم نصًا من كلام بشير
الدين محمود يؤكد هذا الأصل([4]).
[1] كتاب (إزالة الأوهام) 1890 صفحة 425.
[2] سورة المزمل.
[3] هذا القول "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"
ليس بحديث، ولم يثبت وروده في كتب الحديث المعتبرة، كما أنه لم يروى في الكتب التي
وصفها الميرزا بأنها مُسلم ومُعترف ومَوثوق بها، فكيف يمكننا الاستدلال بهذه
المقولة لإثبات أمر ديني عقائدي؟ كما أنّ الميرزا بنفسه أقر بأنّ هذه المقولة قد
نالت من الاعتراض ما نالته عند المحدِّثين أي علماء مصطلح الحديث، فقال الميرزا
إنّ أصحاب الكشوف اعتبروها صحيحة كما في كتاب (أيام الصلح) 1899 صفحة 99، فهل نأخذ
ديننا وعقيدتنا من أصحاب الرؤى والكشوف؟ ويقول الميرزا في كتاب (الملفوظات) المجلد
4 صفحة 214:"من الحق المؤكد أنّ القادم سيكون من هذه الأمة حصرا، كما يتبين
من الحديث "علماء
أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، أيضًا أن يكون
هناك مثيل المسيح أيضًا. صحيح أن المحدثين نقدوا صحة هذا الحديث لكن أهل الكشوف
صدّقوه، كما يؤيده القرآن".
وتعليقًا من بشير الدين محمود على المقولة
"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، يقول بشير الدين محمود
في كتابه (حقيقة النبوة) صفحة 139 بالحاشية في جوابه على اعتراض: "علماء
أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، أي يشبِّه علماء أمته بأنبياء بني
إسرائيل، فهل العلماء جميعًا كانوا أنبياء؟ وهل يجوز تسميتهم بالأنبياء لأن هذا ما
استنبطتَّ من المماثلة؟ فجوابه، أولًا: هذا الحديث مجروح جدًا، ولكن
لأن المسيح الموعود عليه السلام استدلَّ به لذا نحسبه صحيحًا، ولكن
لم يُذكر فيه وجه المماثلة بينهم لذا هناك فرق بين المماثلة بين المسيح
الموعود والمسيح الناصري عليهما السلام. تكون المماثلة أحيانًا في شيء معين.
والمراد من هذا الحديث هو أنه كما كان الأنبياء في بني إسرائيل يأتون لحماية
الدين كذلك سيرسل الله في أمتي علماء ينجزون هذه المهمة باستمرار ولكن لم يقل أنهم
سيماثلون الأنبياء السابقين مماثلة كاملة، ولم يقل أيضًا أنهم
يماثلون الأنبياء في الرسالة، كما قال: "كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا" وقال قبل ذلك: "أرسلنا إلى فرعون رسولًا" وبذلك بيّن أن هذه
المماثلة هي في الرسالة. أما في الحديث المذكور [
يقصد المقولة "علماء أمتي كأنبياء
بني إسرائيل "] فلم تُذكر
المماثلة التامة ولم يُذكر أن المماثلة هي في النبوة. ولكن لم يشبِّه
النبيّ صلى الله عليه وسلم المسيحَ الموعودَ ولم يستخدم "ك" للتشبيه بل
بذكره بكلمات "عيسى ابن مريم" و"النبيّ" بيّن المماثلة التامة
التي توجب كونه عليه السلام نبيّا".
والنص التالي من كلام الميرزا يظهر فيه أن
المشابهة قد تكون في العدد فقط وليس في الصفات النبوية، في كتاب (شهادة القرآن)
صفحة 341:"وإذا قيل بأنه قد جاء
الأنبياء في سلسلة موسى لنصرة الدين، وكان المسيح أيضًا نبيّا. فجوابه أن الأنبياء
والمحدَّثين يحتلون المنصبَ نفسه من حيث كونهم مرسَلين. وكما
أطلق الله تعالى على الأنبياء "المرسَلين" كذلك أطلق على المحدَّثين
أيضًا "المرسَلين". وللإشارة إلى هذا الأمر جاء في القرآن
الكريم: {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} (1)، ولم يأتِ "قفينا
من بعده بالأنبياء" ففي ذلك إشارة إلى أن المراد من الرسُل هم
المرسَلون سواء أكانوا رسُلا أو أنبياء أو محدَّثين. ولأن سيدنا ومولانا ورسولنا
الأكرم - صلى الله عليه وسلم - هو خاتَم الأنبياء ولن يأتي بعده - صلى الله عليه
وسلم - نبيّ لذا جُعل المحدَّثون في هذه الشريعة ينوبون عن النبيّ. هذا ما تشير
إليه الآية: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} (2). ولأن
كلمة "الثُلَّة" جاءت في كِلتي الجملتين فثبت على وجه القطع واليقين أن المحدَّثين
في هذه الأمة يماثلون المرسَلين في أمة موسى من حيث عددهم وسلسلتهم الطويلة.
وإلى هذه الحقيقة أشير في آية أخرى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى
لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور: 56)، تأملوا في هذه الآية تروا فيها أيضًا
إشارة صريحة إلى المماثلة. وإن لم يكن المراد من هذه المماثلة هو المماثلة التامة
لكان الكلام كله عبثا ولغوا، لأن سلسلة الخلافة امتدت في شريعة موسى إلى 1400 عام
وليس إلى ثلاثين عاما فقط، وجاء فيها مئات الخلفاء روحانيا وظاهريا، ولم تنقطع هذه
السلسلة إلى الأبد على أربعة خلفاء فقط".
[4] في كتاب (التفسير الكبير) الجزء الأول سورة البقرة صفحة 756 يقول بشير
الدين محمود :"...ومن أجل ذلك نجد (ابن الأثير) يقول بعد إيراد هذه
الروايات: والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهي مما يجوز نقلها،
ولكن لا تُصدَّق ولا تُكذَّب، فلهذا لا يُعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا (ابن كثير).".
تعليقات
إرسال تعليق