القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال (550) إسقاط الأحمدية القاديانية من خلال علاقة الأحاديث بالقرآن في عقيدة الميرزا مدعي النبوة.

 

 

 

 

 

 

مقال (550) إسقاط الأحمدية القاديانية من خلال علاقة الأحاديث بالقرآن في عقيدة الميرزا مدعي النبوة.

https://ibrahimbadawy2014.blogspot.com/2024/11/550.html

 

نظرًا لطول النص وأهميته، وقد شغل 10 صفحات في كتاب (مناظرة لدهيانة)، فسوف أضعه بكامله في الحاشية، وأذكر هنا في المتن بتصرف الفقرات الهامة منه، والتعليق عليها.

ملخص عقيدة الميرزا غلام في الأحاديث والتعليق عليها:

1.    الميرزا غلام يقسم الأحاديث إلى قسمين:

·   القسم الأول: الأحاديث التي حظيت بتواتر العمل، ويعتقد الميرزا غلام أنها بالغة مبلغ اليقين والثبوت الكامل دون شك، ولم تصل إلى هذا اليقين بذاتيتها أو من خلال علم الحديث، ولكن بتواتر العمل.

التعليق:                                         

تواتر العمل جاء بعد رؤية وسماع سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وكذلك تواتر الاعتقاد أيضًا لا يقل عن تواتر العمل، فالمسلمون اعتقدوا بما رأوه أو سمعوه من سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم أو من صحابته الكرام رضي الله عنهم، فاعتقاد خير القرون؛ وهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن جاء بعدهم في مدة القرون الثلاثة الأولى، يدل على أنّ عقيدتهم كانت أصح عقيدة، وبالتالي فإنّ الأمور التي آمنوا بها بشكل إجماعي، مثل حياة سيدنا عيسى عليه السلام في السماء، وأنه نازل آخر الزمان، وأنه لا نبيّ بعد سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم، سواء أكان بالحقيقة أو كان بالمجاز، لا يصح الحيدة عنها، وقد صرح الميرزا غلام بالفعل أنه لا يحيد عن أي عقيدة إجماعية لأهل السنة والجماعة([1])، وبناءً على ما سبق؛ فلا اعتبار لأي مخالفة لهذه العقائد الإجماعية، ومنها ادعاء الميرزا غلام أنّ الله تعالى أخفى عن المسلمين عقيدة موت سيدنا عيسى عليه السلام، حتى يأتي الميرزا غلام ليظهرها على المسلمين بعد 1300 سنة.

·   كما يعتقد الميرزا غلام أنه لو بدا أنّ مضمون حديث من أحاديث القسم الأول يتضمن تواترًا عمليًّا ينافي ظاهريًّا حكمًا معينًا في القرآن الكريم ‏فسوف يقبله أيضًا، لأن تواتر العمل حجة قوية.

·   كما يعتقد الميرزا غلام بقوله " أما إذا وُجد حديث يعارض القرآن الكريم ولم يتم التوفيق بينهما بشكل من الأشكال فلن أوقن ‏أبدا بأنه قول النبي صلى الله عليه و سلم، ما لم يفهِّمني أحد بالأدلة أنه ليس هناك من تعارض ‏حقيقيّ، غير أنّ الأحاديث المدعومة بتواتر العمل استثناءٌ من هذه القائمة"، أي حتى لو كان هناك تعارض حقيقيّ بين الآيات القرآنية، وبين الأحاديث المدعومة بتواتر العمل، فلن يرفض الميرزا غلام هذه الأحاديث، ولن يعتبرها موضوعة.

وهذا الرأي من الميرزا غلام يؤكد عقيدته؛ في وجود نسخ التلاوة في القرآن مع بقاء الحكم، حيث يعتقد الميرزا غلام بصحة حكم رجم الزاني المحصن([2]) من خلال تواتر عمل المسلمين بهذا الحكم، بالرغم من عدم وجود آية القرآنية في المصحف تقول بالرجم.

·   القسم الثاني من الأحاديث وهي التي لم تحظى بتواتر العمل، والميرزا غلام لا يراها تفوق مرتبة الظن، بل يراها تحتل مرتبة الشك فقط، وتسودها الظلمة إلى حد ما، ولا يليق بتقيٍّ عند بيان حالتها الحقيقية أن يدّعي بصحتها كصحة الأمور قطعية الثبوت أو ما رآه بأم عينيه، وأنّ صحة تلك الأحاديث تعتمد على صدق جميع الرواة وحسن سيرتهم وسلامة فهمهم وذاكرتهم وتقواهم وطهارتهم وغيرها من شروط، وإنّ تحقُّق كل هذه الأمور إلى درجة الاطمئنان كما هو في حُكم الرؤية مستحيل تمامًا، وأن من يقدم هذه الطائفة من الأحاديث لا يستطيع أن يقنع الناس بصورة قاطعة ويقينية بصحة كل كلمة من هذه الأحاديث.

التعليق: كل الأحاديث التي استدل بها الميرزا غلام أو الخلفاء الأحمديين على ما يزعمون من أفكار وعقائد لم تخرج من هذا القسم من الأحاديث، وبالتالي فقد حكم الميرزا غلام بنفسه أنّ كل أدلتهم لا ترقى إلى الظن على أكثر تقدير.

2.    لا يعتبر الميرزا غلام أي حديث موضوع إلا بمعارضته الصريحة للقرآن.

والتعبير من الميرزا غلام بقوله "معارضة صريحة" في منتهى الأهمية، لأنّ الميرزا غلام في نصوص كثيرة جدًا ينكر صحة الأحاديث ويردها ولا يعمل بها، لأنه يراها تعارض القرآن بحسب فهمه، والصحيح أنه لا يحق لأحد أن يدعي على نص سواء أكان من الأحاديث أو كان من غيرها، أنه يعارض آية من القرآن، إلا إذا كانت المعارضة صريحة([3])، ولأن كلمة "صريح" لا تعني إلا الوضوح المحض، فالمعارضة الصريحة لا تكون إلا إذا كانت دلالة الآية القرآنية بيّنة قطعية بلا خلاف معتبر، وأنّ دلالة النص الذي يعارضها أيضًا دلالة قطعية، وبالتالي يحق لنا القول أنّ هذا النص يعارض الآية القرآنية، وبناءً عليه؛ فلا يصح إنكار حديث أو أي نص معتبر، والادعاء أنه موضوع أو ضعيف لأنه يعارض آية قرآنية، طالما كانت هذه الآية محتملة لدلالات عديدة، أو الحديث كان يحتمل هو أيضًا يحتمل دلالات عديدة.

3- تكلم الميرزا غلام على شروط صحة الأحاديث، وقد ظهر من كلامه أنه يجهل شروط الصحة كما وردت في علم مصطلح الحديث، وقد أقر بذلك بالفعل([4])، وذلك لأنه من شروط صحة الأحاديث كما هو معلوم([5])؛ ألا يكون في الحديث علة، العِلّة في علم الحديث تُعَدّ من الأمور الدقيقة التي يتناولها المحدّثون عند دراسة صحة الحديث، وتعريف العِلّة)[6]:("سبب خفي يَقدَح في صحة الحديث، مع أنّ الظاهر منه السلامة. قد تكون العِلّة متعلقة بسند الحديث أو متنه، وهي من أصعب الأمور التي يتوصل إليها أهل الحديث؛ لأنها تتطلب دقة وفحصًا عميقًا في الروايات ومقارنة بينها. وتُعَدّ العِلّة من أهم المعايير في الحكم على الحديث؛ لأنها تكشف عن الأمور الخفية التي قد تجعل الحديث غير صحيح، حتى وإن كان ظاهره صحيحًا من حيث الإسناد"، وبالتالي فإذا عارض الحديث القرآن معارضة صريحة – حتى لو لم تظهر هذه المعارضة لعموم الناس- فهو غير صحيح عند علماء مصطلح الحديث، وهذا بحسب شروط صحة الأحاديث كما نص عليها علماء علم الحديث، وبالتالي يظهر لنا أنّ القرآن الكريم هو بالفعل المعيار الأول للحكم على صحة الأحاديث.

4- استدل الميرزا غلام بحديث شريف على أهمية الرجوع للقرآن للحكم في الخلافات بين المسلمين، وقد جاء فيه نص يدين الأحمدية القاديانية ويسقطها تمامًا، حيث قال سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم "كتاب الله، فيه خبر ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل. من تركه ‏من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين... مَن قال به ‏صدق ومَن عمل به أُجر ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم"([7]).

فأين في القرآن الكريم خبر نبوة الميرزا غلام الظلية أو البروزية كما يسمي نبوته، وأين المهدي المنتظر، وأين العقيدة التي يدعيها الميرزا غلام أنّ الله تعالى سوف يخرج من في جهنم بعد أحقاب من العذاب ويدخلهم الجنة، وأين ذُكِرَ في القرآن أنّ المسيح الموعود هو المهدي وأنه سيكون من فارس، وأين ذكر الدجال أنهم القساوسة، وأين وأين الكثير من الأفكار والعقائد الأحمدية في القرآن الكريم!!!، وإذا كان كل ما يدعيه الأحمديون من أفكار وعقائد يحاولون الاستدلال عليها من الأحاديث بزعمهم، وهذه الأحاديث كما رأينا من القسم الثاني بحسب تقسيم الميرزا غلام، فهذا يثبت أنّ كل ما عليه الأحمديون من عقائد وأفكار إنما هي من الظنيّات، وهذا كله بإقرار الميرزا غلام كما رأينا، وأيضًا في الحديث المشار إليه "ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله"، فلقد ابتغى الميرزا غلام والأحمديون الهدى في غير القرآن، فحُكْم الله تعالى كما قال سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم أنّ الله تعالى سيضله، ويختم الميرزا غلام نقله وشرحه للحديث، بأنّه سيكون هناك فتن، وسيختلق الناس أنواعًا من الهداية، ويقعون في الخلافات، عندها سيكون القرآن الكريم وحده هو الدليل للنجاة من الفتن، فمن اتّخذه محكًا ومعيارًا وميزانًا ‏نجا، وسيكون العقاب من الله تعالى هو الهلاك لمن لا يعتبرون الله تعالى الحكم والمعيار والميزان للنجاة، وكذلك الهلاك على من يحاول أن يفهم الأمور الدينية على هواه، وليس على ما يثبت يقينًا من كلام الله سبحانه وتعالى.

5- قول الميرزا غلام "طاعة غير الله بالاستقلال أيضا كفر. ومعنى طاعة غير الله بالاستقلال هو أن يضع المرء ربقة ‏تقليد غير الله في العنق، ويحسب طاعته واجبا عليه وإن كان أمره يخالف أمر الله تعالى"، فكل هذا حجة على الميرزا غلام وعلى الأحمديين، لأنهم لم يأتوا بأي دليل قطعي الثبوت والدلالة على نبوة الميرزا غلام من القرآن الكريم، ولا حتى من الأحاديث الظنية كما يصفها الميرزا غلام، وإنما كما قلتُ من قبل، كل ما يستندون إليه- بزعمهم- من الأحاديث من القسم الثاني، أي الظنية بحسب وصف الميرزا غلام.

6-  أيضًا ما نقله الميرزا غلام من كلام (عبد الله الغزنوي)، يدين الميرزا غلام، حيث يقول "على المؤمن أن يتوجه إلى القرآن الكريم أولا وقبل كل شيء. ثم إذا وجد حديثا أو قولا من دونه، فليعرض عنه"، فكان على الميرزا غلام والأحمديين بحسب رأي الميرزا غلام أن يعرضوا عن أي اعتقاد أو أفكار من دون القرآن الكريم.

7-  الميرزا غلام يرى أنّ البخاري لم يروِ حديثًا رواه مسلم في صحيحه، لأنّ البخاري يراه ضعيفًا، وأنّ هذا اجتهاد شخصيّ من الميرزا غلام، وهذا بالفعل ما قاله الميرزا غلام في كتابه (إزالة الأوهام).

8-  يرى الميرزا غلام أنّ ما قاله بأنّ حديثًا محددًا موضوع، هو على سبيل الافتراض منه، طالما استحال التوفيق بين الحديث وبين القرآن الكريم، أو بين الحديث وبين حديث آخر متواتر ومدعوم بتواتر العمل، وأنه إذا استطاع غير الميرزا غلام التوفيق، ويقوم بتفهيم الميرزا غلام بالأدلة أنه لا يوجد تعارض حقيقيّ([8])، فإنّ الميرزا غلام سيتراجع عن قوله بالوضع.


وهذا هو النص بالكامل كما جاء في كتاب (مناظرة لدهيانة)([9])


 


[1] في كتاب (عاقبة آتهم) 1896م صفحة 105 يقول الميرزا غلام:"ولا دين لنا إلا دين الإسلام، ولا كتاب لنا إلا الفرقان كتاب الله العلام، ولا نبي لنا إلا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وبارك وجعل أعداءه من الملعونين. اشهدوا أنا نتمسك بكتاب الله القرآن، ونتبع أقوال رسول الله منبع الحق والعرفان، ونقبل ما انعقد عليه الإجماع بذلك الزمان، لا نزيد عليها ولا ننقص منها، وعليها نحيا وعليها نموت ومن زاد على هذه الشريعة مثقال ذرة أو نقص منها، أو كفر بعقيدة إجماعية، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. هذا اعتقادي، وهو مقصودي ومرادي ولا أخالف قومي في الأصول الإجماعية، وما جئتُ بمحدثات كالفرق المبتدعة، بيد أني أرسلت لتجديد الدين وإصلاح الأمة، على رأس هذه المائة، فأذكرهم بعض ما نسوا من العلوم الحكمية، والواقعات الصحيحة الأصلية. وجعلني ربي عيسى ابن مريم على طريق البروزات الروحانية لمصلحة أراد لنفع العامة، ولإتمام الحجة على الكفرة الفجرة، وليُكمل نبأه وليُنجز وعده ويتم كلمته، ويفحم قوما مجرمين".

وفي كتاب (أيام الصلح) 1899م صفحة 117 ويقول الميرزا:"خلاصة القول عليكم أن تؤمنوا بجميع تلك الأمور التي أجمع عليها السلف الصالح اعتقادا وعملا، وتؤمنوا بجميع تلك الأمور التي تعد من صميم الإسلام بإجماع أهل السنة. ونحن نشهد السماء والأرض على هذا الأمر أن هذا هو مذهبنا وإن الذي يتهمنا بما يخالف هذا الدين فهو يفتري علينا متخليا عن التقوى والأمانة، وسوف نرفع الدعوى ضده يوم القيامة أنه متى شق صدرنا ورأى أنا نخالف هذه الأقوال رغم تصريحنا بها؟ ألا إن لعنة الله على الكاذبين والمفترين!".

[2] في كتاب (الحرب المقدسة) 1893م صفحة 268 يقول الميرزا غلام:" فباختصار، قد أجبناك هنا بما فيه الكفاية أنه لا يمكن أن يوجَّه إلى القرآن الكريم القول بالجبر والإكراه، ولسنا من "الجبرية". إنك لا تدري إلى الآن عن معتقدات المسلمين شيئا؛ إذ لا تدري أن الله تعالى قد أمر في القرآن الكريم بقطع يد السارق ورجم الزاني بكل وضوح، فإذا كان هذا التعليم مبنيًّا على الجبر لما رُجم أحد. القرآن الكريم لا يصرح أن الإنسان مخيّر في آية أو آيتين فقط، بل في مئات الآيات".

[3] الصريح والصرح والصراحة في (لسان العرب):

الصَّرَحُ والصَّرِيحُ والصَّراحُ والصِّراح والصُّراحُ والكسر أَفصح المَحْضُ الخالصُ من كل شيء، ...والاسم الصَّراحةُ والصُّرُوحةُ وصَرُحَ الشيءُ خَلُصَ وكل خالص صَريح،...تقول جاء بنو تميم صَرِيحةً إِذا لم يخالطهم غيرهم،...والصريحُ الخالص من كل شيء وهو ضِدُّ الكناية، ...وأَتاه بالأَمر صُراحِيةً أَي خالصاً وخَمْر صُراح وصُراحِية خالصة وكأْسٌ صُراحٌ لم تُشَبْ بِمَزْج، ...وفي حديث ابن عباس سئل متى يَحِلُّ شِراءُ النخل ؟ قال حين يُصَرِّحُ قيل وما التصريح ؟ قال حين يَسْتَبين الحُلْوُ من المُرِّ،...والصَّرَح بالتحريك الأَبيض الخالص من كل شيء،...وصَرِيحُ النُّصْحِ مَحْضُه ويوم مُصَرِّحٌ أَي ليس فيه سحاب،...وانْصَرَحَ الحقُّ أَي بانَ،...وصَرَّحَ فلانٌ بما في نفسه وصارَحَ أَبداه وأَظهره،...وفي المثل صَرَّحَ الحقُّ عن مَحْضِهِ أَي انكشف،...وصَرَحَ الشيءَ وصَرَّحه وأَصْرَحه إِذا بَيَّنه وأَظهره ويقال صَرَّحَ فلانٌ ما في نَفْسِه تصريحاً إِذا أَبداه والتصريحُ خلافُ التعريض...والصَّرْحُ بيت واحد يُبْنى منفرداً ضَخْماً طويلاً في السماء وقيل هو القَصْرُ وقيل هو كل بناء عال مرتفع وفي التنزيل إِنه صَرْحٌ مُمَرَّدٌ من قَوارِيرَ والجمع صُرُوحٌ...والصَّرْحةُ من الأَرض ما استوى وظهر.".

[4] في كتاب (التبليغ) 1893 صفحة 96 يقول الميرزا غلام:"...وكان أبي عَرّافًا حاذقًا، وكانت له يد طولى في هذا الفن، فعلمني من بعض كتب هذه الصناعة، وأطال القول في الترغيب لكسب الكمال فيها، فقرأت ما شاء الله، ثم لم أجد قلبي إليه من الراغبين. وكذلك لم يتفق لي التوغل في علم الحديث والأصول والفقه إلا كطلّ من الوَبْل، وما وجدتُ بالي مائلا إلى أن أشمّر عن ساق الجد لتحصل تلك العلوم، وأستحصل ظواهر إسنادها، أو أقيم كالمحدثين سلسلة الأسانيد لكتب الحديث".

[5] هذا ما ورد في كتاب (معلومات دينية) الأحمدي بداية من صفحة 42 إلى صفحة 49 بخصوص التعريف بشروط صحة الحديث، وقد ذكروا من هذه الشروط "العلة".

الحديث الصحيح: وهو كما جاء في كتاب (معلومات دينية) الأحمدي: هو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة، وقد اشتمل التعريف على شروط خمسة للحديث الصحيح، وهي:

1 إتصال السند: بحيث يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله بالمباشرة عمن رواه عنه، وذلك بثبوت لقائه به أو معاصرته له.

2 العدالة في رواته: أي ثبوت سلامة المرء من الجرح، بأن يكون مستقيمًا في دينه، وخلقه، بعيدًا عن أسباب الفسوق، ولا تثبت العدالة إلا لمن كان مكلفا، أي كان عاقلًا بالغا.

3 الضبط: والمراد به هنا التيقظ والحفظ لما يرويه الراوي، من وقت تحمله إلى وقت أدائه.

4.       السلامة من الشذوذ: سواء في المتن أو في السند.

5.       السلامة من العلل: أي العلل القادحة في قبول الحديث، سواء في المتن أو الإسناد.

[6] التعريف الذي ذكرته هو تلخيص لمفاهيم معروفة في علم الحديث، مستندًا إلى كتب ومصادر أساسية لعلماء الحديث مثل:"علل الحديث" للإمام أحمد بن حنبل، و"العلل الصغير" و"العلل الكبير" للإمام الترمذي، و"شرح نخبة الفكر" لابن حجر العسقلاني، و"الموقظة في علم مصطلح الحديث" للذهبي، و"فتح المغيث" للسخاوي.

[7] الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الزيلعي | المصدر : تخريج الكشاف، الصفحة أو الرقم : 1/211 | خلاصة حكم المحدث : [فيه] الحارث الأعور قال الترمذي فيه مقال.

[8] ‏‏قول الميرزا غلام "التعارض الحقيقي"، في الغالب أنه يقصد التعارض الذي ‏لا يمكن معه التوفيق بين النصوص، سواء بالظاهر أو بالاستعارة.‏

[9] في (مناظرة لدهيانة) 1892 صفحة 43-53 يقول الميرزا غلام:" بسمـ الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم، يا حضرة المولوي، شكوتَ للمرة الثالثة وقلتَ بأنني ما أجبتُ على سؤالك بكلمات صريحة. فقلتَ: "يجب أن تقول بكلمات واضحة إن كافة الأحاديث في الصحيحينِ ليست صحيحة وواجبة التسليم بها دون توقف أو نظر، بل فيها أحاديث موضوعة وغير صحيحة، أو هناك إمكانية لوجودها". ثم سألتني: "هل الأحاديث في الصحيحين كلها صحيحة أو موضوعة أو مختلَطة"؟ أما الجواب، فليكن واضحا أن الأحاديث على قسمين:

القسم الأول هو الذي حظي بحماية كاملة من خلال تواتر العمل، أيْ الأحاديث التي دعمتْها سلسلة تواتر العمل المُحكَمةُ والقوية والتي لا ريب فيها، فأوصلتها إلى مرتبة اليقين، وهي تشمل جميع ضرورات الدين والعبادات والعقود والمعاملات وأحكام الشرع المتين. فالأحاديث من هذا النوع بالغة مبلغ اليقين والثبوت الكامل دون شك. والقوة التي حازتها هذه الأحاديث ليست نتيجة علم الحديث، كذلك هي ليست قوة ذاتية لتلك الأحاديث المنقولة ولم تنشأ نتيجة الثقة بالرواة والاعتماد عليهم، بل فضلُها يعود إلى تواتر العمل بها. إنني أسلِّم بأن تلك الأحاديث تحتل مرتبة من اليقين بتواتر العمل بها.

أما القسم الثاني منها الذي لا علاقة له بتواتر العمل بها ولا تمت إليه بصلة بل قُبلتْ بالاستناد إلى الرواة واعتمادا على صدقهم فلا أراها تفوق مرتبة الظن، وهي تفيد الظن على أكثر تقدير، لأن الأسلوب المتَّبع في الحصول عليها ليس يقينيا وقطعيَّ الثبوت، بل هناك إمكانية كبيرة لوجود التعارض فيها. والسبب في ذلك أن صحة تلك الأحاديث تعتمد على صدق جميع الرواة وحسن سيرتهم وسلامة فهمهم وذاكرتهم وتقواهم وطهارتهم وغيرها من شروط. وإن تحقُّق كل هذه الأمور إلى درجة الاطمئنان كما هو حقها ووصولها إلى درجة الإثبات الكامل الذي هو في حُكم الرؤية(1) مستحيل تماما. ولا يسع أحدا أن يقدّم إثباتا كاملا من هذه الناحية بحق هذه الأحاديث. فهل لك أن تقول حالفا بالله عن حديث من هذه الفئة إنك حائز على اطمئنان كامل وسكينة كاملة عن مضمونه وصحته؟ ولو استعددتَ للحلف لقلتُ بأنك تشجّعتَ على ذلك متأثِّرا بفكرة وعادة قديمة، وإلا لا تقدر على وجه البصيرة على أن تقدّم أدلة مقنعة يقتنع بها الناس من أمم أخرى أيضا بصورة قاطعة ويقينية بصحة كل كلمة من ذلك الحديث. فما دام الحال على هذا المنوال فالأحاديث التي تحظى ببركة تواتر العمل بها قد بلغت مرتبة اليقين على قدر استفاضتها من هذا التواتر.

أما بقية الأحاديث فلا تفوق مرتبة الظن. وإن غاية ما تصل إليه بعض الأحاديث إنما هو مرتبة الظن الغالب. لذا فإن مذهبي بشأن البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الأحاديث هو المذهب نفسه الذي ذكرتُه من قبل، وهو أن تلك الأحاديث كلها ليست متساوية من حيث مرتبة الصحة. فبعضها بلغ مرتبة اليقين نتيجة تواتر العمل بها، وبعضها في مرتبة الظن لحرمانها من ذلكولكن لا أعتبر أيّ حديث موضوعا ما لم يعارض القرآن الكريم معارضة صريحة. وأشهد بصدق القلب أنه ليس عندنا محك أفضل من القرآن الكريم لاختبار صحة الأحاديث. مع أن المحدثين قد اعتبروا حالة الرواة معيارا- بحسب طريقتهم- لاختبار صحة الحديث أو عدمها، ولكنهم لم يدّعوا قط أن هذا المعيار كامل ويُغني عن القرآن الكريم. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}. فلما استحال اعتبار أحد معصوما عن الخطأ ما عدا الأنبياء، ولما كان صدور الكذب وغيره من الذنوب من كل شخص إلا الأنبياء ممكنا كانت هناك حاجة ماسة إلى البحث والتحقيق الكامل في أحوال الرواة من حيث الصدق والكذب والأمانة والخيانة ليوصل الأحاديث إلى مرتبة اليقين الكامل، ولكن هذا التحقيق لم يتسن لهم. ومع أن أحوال الصحابة كانت واضحة جلية وكذلك أحوال الذين بلّغوا الأحاديث إلى الأئمة، ولكن الذين توسّطوا هذه السلسلة ولم يرَهم الصحابةُ ولم يطّلع أئمة الحديث أيضا على أحوالهم الحقيقية بصورة يقينية، فكيف كان بإمكانهم أن يطلعوا على صدقهم أو كذبهم بالقطع واليقين؟ فيضطر كل منصف ومؤمن إلى الاعتقاد أن كل الأحاديث- ما عدا تلك التي ظلت مستنيرة بنور شمس تواتر العمل- تسودها الظلمة إلى حد ماولا يليق بتقيٍّ عند بيان حالتها الحقيقية أن يدّعي بصحتها كصحة الأمور قطعية الثبوت أو ما رآه بأم عينيه. بل عليه أن يحسبها صحيحة مبدئيا ثم يقول: والله أعلم. والذي لا يقول بصدد هذه الأحاديث: والله أعلم بالصواب ويدّعي بإحاطتها التامة فهو كاذب دون أدنى شك. والله لا يحب أن يدّعي الإنسان العلم التام قبل حيازته. بل ينبغي أن يدّعي المرء بقدر علمه، وإذا سئل فوق ذلك فليقل: والله أعلم بالصواب. فأقول لك بكل وضوح بأني لا أستطيع القول أبدا عن الأحاديث من القسم الثاني- سواء وردت في صحيح البخاري أو مسلم- بأنها قطعية الثبوت عندي. وإن قلتُه فماذا عسى أن يكون جوابي عند الله؟ أما لو لم يكن هذا النوع من الحديث معارضا للقرآن الكريم لاعتقدتُ بصحته الكاملة. أما قولك: لماذا تجعل القرآن محكا لاختبار صحة الأحاديث؟ فسأكرر جوابي مرة بعد أخرى بأن القرآن مهيمن وإمام وميزان وقولٌ فصلٌ وهادٍ، فإن لم أعتبره محكا فما الذي أعتبره كذلك؟ ألا يجب علينا أن نؤمن بمنزلة القرآن الكريم التي يحددها لنفسه؟ انظروا، فإنه يقول بوضوح تام: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. هل المراد من الحبل هنا هو الأحاديث؟ فما دام القرآن الكريم يأمر ويؤكد بشدة على الاعتصام بهذا الحبل أفلا يعني ذلك أن نرجع إلى القرآن الكريم وحده عند كل اختلاف؟ ثم يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}... أي من أعرض عن أمري ومال إلى ما يعارضه. المراد من ضنك المعيشة هو أن صاحبه محروم من الحقائق والمعارف وسيُحشَر يوم القيامة أعمى. الآن، لو وجدنا حديثا يعارض القرآن الكريم بصراحة تامة وقبلناه في حالة معارضته أيضا دون أن نعير للمعارضة أدنى اهتمام فكأننا رضينا بأن نبقى محرومين من المعارف الحقة وأن نُحشر يوم القيامة عميانا. ثم يقول الله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}. أي استمسكوا بالقرآن سندا في كل شيءإن شرفكم جميعا يكمن في أن تستمسكوا بالقرآن سندا وقدّموه على كل شيء. فلو لم نستمسك بالقرآن سندا في حالة الاختلاف بين القرآن والحديث فكأننا رضينا أن نظل محرومين من الشرف الذي وُعدنا به. ثم يقول تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، أي من يعرض عن القرآن الكريم ويميل إلى ما يخالفه صراحة نسلّط عليه شيطانا يوسوس في قلبه دائما ويصرفه عن الحق ويزيّن له العمى ولا ينفصل عنه لحظة واحدة. فلو قبلنا حديثا يعارض القرآن الكريم بصراحة فكأننا نريد أن يكون الشيطان قريننا ليل نهار، ويوسوس في قلوبنا وأن يسودنا العمى ونُحرم من الحق. ثم يقول تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ}. "أي أنّ ذلك الكتاب كتاب متشابه يشبه بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف مُثَنًّى فيه كل ذِكْرٍ ليكون بعض الذكر تفسيرا لبعضه. تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم؛ يعني يستولي جلاله وهيبته على قلوب العشاق، لتقشعر جلودهم من كمال الخشية والخوف. يجاهدون في طاعة الله ليلا ونهارا بتحريك تأثيرات جلالية وتنبيهات قهرية من القرآن. ثم يبدل الله حالتهم من التألم إلى التلذذ فيصير الطاعة جزو طبيعتهم وخاصّة فطرتهم، فتلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. يعني ليسيل الذكر في قلوبهم كسيلان الماء ويصدر منهم كل أمر في طاعة الله بكمال السهولة والصفاء ليس فيه ثقل ولا تكلُّف ولا ضيق في صدورهم بل يتلذذون بامتثال أمر إلههم ويجدون لذة وحلاوة في طاعة مولاهم، وهذا هو المنتهى الذي ينتهي إليه أمر العابدين والمطيعين فيبدل الله آلامهم باللذّات". يتبين بكل صراحة ونصوعٍ من هذه المحامد كلها التي ذكرها القرآن الكريم في حق ذاته أنه يفسر مقاصده العظيمة بنفسه، وأن بعض آياته تفسر بعضها الأخرى، فهو ليس بحاجة إلى الأحاديث لتفسيرهإن الأمور التي كانت بحاجة إلى تواتر العمل قد حُوِّلت إلى هذه السلسلة (2).

أما ما عداها من الأمور كافة فإن تفسيرها موجود في القرآن الكريم. وصحيح أيضا أنه مع وجود هذا التفسير قد زيدتْ هذه الأمور إيضاحا وتفصيلا في الأحاديث لتفهيم عامة الناس الذين يدخلون في فئة: {لاَ يَمَسُّهُ}. أما حزب: {إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} من هذه الأمة فيستفيدون بصورة أكمل مما يفسره القرآن نفسه بنفسه، فلا أرى حاجة إلى الإسهاب في هذا الموضوع. المهم هنا أنه يجب أن يُعرض كل حديث على القرآن الكريم في حالة معارضته له. فقد حُسمت هذه القضية جيدا بحسب مبتغانا من خلال الحديث التالي الوارد في المشكاة: "وعن الحارث الأعور قال مررتُ في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلتُ على علي - رضي الله عنه - فأخبرته فقال أَوَ قد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ألا إنها ستكون فتنة. قلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه خبر ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ... مَن قال به صدق ومَن عمل به أُجر ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.". أي يقول الحارث الأعور بأنه وجد الناس خائضين في أحاديث أخرى تاركين القرآن الكريم، فذهب إلى عليّ - رضي الله عنه - وأخبره بذلك، فقال: هل فعلوا ذلك فعلا؟ قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ألا إنها ستكون فتنة أي سيخطئ الناس في الأمور الدينية وستقع الخلافات وسيفهمون الأمور على أهوائهم. رواه الترمذي والدارمي. من الواضح أنه قد أُخبر في هذا الحديث بمنتهى الصراحة أنه ستكون هناك فتنة في ذلك الوقت فيختلق الناس أنواعا من الهداية، ويقعون في أنواع الخلافات. عندها سيكون القرآن الكريم وحده هو الدليل للنجاة من الفتن. من اتّخذه محكا ومعيارا وميزانا نجا، ومن لم يعتبره كذلك هلك. فالآن، أرجو من المستمعين الكرام أن يُنصفوا، ألا يعلن هذا الحديث بأعلى صوته بأن الاختلافات التي توجد في الأحاديث وغيرها يجب البتُّ فيها بواسطة القرآن الكريم؟ وإلا من الواضح أن الإسلام قد افترق إلى ما يقارب 73 فِرقة وكل فرقة تقدم الأحاديث بحسب رأيها ويعتبرون أحاديثَ غيرهم ضعيفة أو موضوعة. فمثلا للأحناف أيضا كلام في منهج البخاري ومسلم في تحقيق الأحاديث. فمَن سيحكم في هذه الحالة؟ القرآن الكريم هو الوحيد الذي ينقذ العباد المخلصين من هذه الدوامة. وبالتمسك بهذه العروة الوثقى وحدها يجتنب الطلاب الصادقون الهلاكَ. أما سؤالك: هل هناك مَن يوافقك الرأي في هذا المذهب؟ فجوابه أن كافة الناس الذين يؤمنون بأن القرآن الكريم في الحقيقة حَكَم وهادٍ وإمام ومهيمن وفرقان وميزان كلهم معي. وإذا كنتَ تؤمن بعظمة القرآن الكريم المذكورة آنفا فأنت أيضا تشاركني الرأي. ويشاركني الرأي مَن روى عن النبي صلى الله عليه و سلم الحديث: إنها ستكون فتنة ولا مخرج منها إلا بالقرآن. ويشاركني الرأي سيدنا عمر الفاروق الذي قال: حسبنا كتاب الله. إضافة إلى كثير من الأكابر الذين يحتاج ذكرهم إلى دفتر، فأذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر. لقد ورد في تفسير حسيني تحت الآية: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) ما مفاده: نُقل عن المولوي محمد بن أسلم الطوسي في كتاب: "التيسير" أنه بلغه حديث قال النبي صلى الله عليه و سلم فيه: كل ما تروونه عني اعرضوه على كتاب الله أولا. فإذا كان متوافقا مع القرآن الكريم فهو مني وإلا فلا. فأردت أن أوفق الحديث: "من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر" مع القرآن، وظللت أفكر في ذلك إلى ثلاثين عاما حتى وجدتُ آية: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. لقد طلبتَ مني أن أسمّي واحدا من الأسلاف الذي يعتبر القرآن محكا، فقد أثبتُّ ذلك بالنص المذكور آنفا. الآن عليك أن تتخلى عن التعنت والتعصب وتقبله. ومعلوم أنه ليست كل الأحاديث مدعومة بتواتر العمل، وإنما تحتل مرتبة الظن أو الشك فقط، وإن البحوث والتحقيقات في علم الحديث لا توصلها إلى مرتبة الثبوت الكامل. ففي هذه الحالة لو لم نستعِن بهذا المحك المقدس بُغية تصحيحها لكان معنى ذلك أننا لا نرضى على الإطلاق أن تبلغ تلك الأحاديث مبلغ الصحة الكاملة. إنني أستغرب ما الذي يمنعك من اعتبار القرآن الكريم محكا ومعيارا لاختبار مثل هذه الأحاديث! هل أنت مرتاب في محاسن القرآن الكريم وميزاته التي تؤهله ليُعَدَّ محكا ومعيارا وميزانا؟ أنت تؤكد على أن هناك إجماعا على صحة البخاري ومسلم، لذا علينا أن نسلّم بصحتهما مغمضي العينين، ولكني لا أفهم من هم هؤلاء الذين أجمعوا على ذلك؟ وكيف صار العمل به واجبا؟ إن عدد الأحناف في العالم يقارب مئة وخمسين مليونا، وهم يُنكرون هذا الإجماع. بالإضافة إلى ذلك أنتم الذين تقولون بأنه يجب قبول الحديث بشرط صحته، أما القرآن فيجب الإيمان به دون أيّ شرطفمع إيماننا بوجوب العمل بالحديث الذي ثبتت صحته لكن كيف لنا أن نقبل بوجوب العمل بكل حديث ورد في البخاري أو مسلم دون أي شك أو شبهة؟ أيّ نصٍّ شرعي يوجب ذلك؟ ليتك أوردتَ شيئا في هذا. لقد ورد في تفسير "فتح العزيز" تحت آية: {فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، ما تعريبه: "كما أن عبادة غير الله شرك وكفر محض، كذلك إن طاعة غير الله بالاستقلال أيضا كفر. ومعنى طاعة غير الله بالاستقلال هو أن يضع المرء ربقة تقليد غير الله في العنق، ويحسب طاعته واجبا عليه وإن كان أمره يخالف أمر الله تعالى". لقد ذكر المرحوم المولوي عبد الله الغزنوي أيضا في رسالته الموجّهة إليك- وقد أعطيتَني إياها في حديقة الدوَّار في لاهور- بعض الشروط بحق القرآن الكريم حول هذا الأمر ومفادها: كان طبعي منذ البداية ميّالا إلى كلام الله العزيز، وكنتُ أدعو دائما أنِ افتحْ عليّ يا إله العالمين أبوابَ كلامك. ظلّت السنوات تمضي والمشاكل تتفاقم لدرجة حيثما ذهبتُ واجهتُ مشكلةً وضقتُ ذرعا. فأُلقي عليّ فجأة: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} (1). بعد ذلك توجّهتُ إلى القرآن الكريم والآيات التي أُلقيتْ عليّ نتيجة التوجُّه إلى القرآن مثل: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (2) وغيرها من أمثالها حتى رأيت يوما أن القرآن وُضع أمامي وأُلقي عليّ: هذا كتابي وهذا عبادي، فاقرؤوا كتابي على عبادي.

فالآية: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} التي نقلها المولوي المحترم وقال بأنها قد ألقيت عليه، تحكم في الأمر بكل جلاء إذ يثبت منها بكل وضوح أن على المؤمن أن يتوجه إلى القرآن الكريم أولا وقبل كل شيء. ثم إذا وجد حديثا أو قولا "من دونه"، فليعرض عنهثم سألتني بل اتهمتني بأني اعتبرتُ حديث مسلم ضعيفا لأن البخاري لم يأخذ به. فأقول في الجواب إن كون الحديث موضوعا شيء وكونه ضعيفا شيء آخر. لقد أورد الإمام البخاري أحاديث ذات صلة بحديث يتناول ذكر دمشق ولكنه ترك هذا الحديث الطويل، ولا مجال للشك قط في أن الإمام البخاري لم يطلع على مضمونه (3)، وذلك لما له من صلة خاصة بهذا الحديث وأحاديث أخرى، بل يخطر بالبال تلقائيا أنه قد اعتبره ضعيفا. فهذا اجتهادي الشخصي، وكذلك أرى. لا علاقة له بكونه موضوعا. وما دام هذا البحث خارجا عن النقاش الأساسي لذا لا أريد أن أسهب فيه، ولك الخيار أن تتبنّى رأيك كما تشاء والقراء سيحكمون بأنفسهم في رأيي ورأيك، ولا يقع عليّ في ذلك أيّ اعتراض.

ثم اقتبستَ ما ورد في الصفحة 226 من كتابي "إزالة الأوهام"، وأطنبتَ فيه الكلام بغير حق، مع أنه ليس معنى كلامي المشار إليه قط أني حكمتُ بكون حديث من أحاديث البخاري أو مسلم ضعيفا بل كل ما أهدف إليه هو الإشارة إلى تناقض، وإن لم يُرفع التناقض لما وسعنا إلا أن نعتبر أحد الحديثين موضوعا. فلا يتضمن بياني ذلك حُكما قاطعا في أن أحد هذين الحديثين موضوع بلا ريب، بل إن مذهبي منذ البداية هو أنه لو لم يتم التوفيق بين حديث والقرآن الكريم بحال من الأحوال لاعتُبر الحديث موضوعا. كذلك إذا وُجدت أحاديث تخالف أحاديث أخرى متواترة ومدعومة بتواتر العمل الذي ترافقه الكثرة والقوة كيفًا وكمًّا فستُعتبَر الأحاديث من الفئة الأولى(4) موضوعةًفلو اعتبرتُ حديثا مخالفا للقرآن الكريم واستطعتَ أنتَ التوفيق بينهما لتراجعت عن موقفي عند تطابقهما وإن كنتُ قد اعتبرتُه موضوعا على سبيل الافتراض.

كل ما أهدف إليه هو أن يكون الحديث مطابقا للقرآن الكريم. أما لو بدا أن مضمون حديث يتضمن تواترا عمليا ينافي ظاهريا حكمًا معينا في القرآن الكريم فأستطيع أن أقبله أيضا، لأن تواتر العمل حجة قوية. فأرى من الأنسب أن تترك هذه الأمور جانبا وتتوجه إلى أمر هام وضروري وهو: ما الذي يجب علينا فعله إذا وُجد الحديث معارضا للقرآن الكريم بصراحة تامة وكان خارجا عن نطاق تواتر العمل أيضا؟ لقد وضّحتُ لك اعتقادي في ذلك مرارا أنني لا أستطيع أن أعتبر أحاديث صحيح البخاري أو مسلم ضعيفة أو موضوعة هكذا دون مبرر، بل أحسن بها الظن. أما إذا وُجد حديث يعارض القرآن الكريم ولم يتم التوفيق بينهما بشكل من الأشكال فلن أوقن أبدا بأنه قول النبي صلى الله عليه و سلم ما لم يفهِّمني أحد بالأدلة أنه ليس هناك من تعارض حقيقي، غير أن الأحاديث المدعومة بتواتر العمل استثناءٌ من هذه القائمة.".

(1) يقصد الميرزا غلام بالرؤية أي المشاهدة العينية.

(2) لعل الميرزا غلام يقصد أنها لا تحتاج لتفسيرها لنصوص أخرى.

(3) يقصد الميرزا غلام أنه بالتاكيد أنّ البخاري قد اطلع على هذا الحديث.

(4) يقصد الميرزا غلام بالأحاديث من الفئة الأولى، أي الأحاديث التي ذكرها أنها تخالف أحاديث أخرى متواترة ومدعومة بتواتر العمل الذي ترافقه الكثرة والقوة كيفًا وكمًّا.

 


تعليقات

التنقل السريع