القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال (549) مناقشة عقيدة مدعي النبوة الميرزا غلام القادياني التي يقرر فيها دخول المؤمنين الجنة بمجرد موتهم، وأنهم لا يخرجون منها حتى في يوم الحساب.

 






مقال (549) مناقشة عقيدة مدعي النبوة الميرزا غلام القادياني التي يقرر فيها دخول المؤمنين الجنة بمجرد موتهم، وأنهم لا يخرجون منها حتى في يوم الحساب.


يعتقد الميرزا غلام أنّ المؤمنين حينما يموتون تدخل أرواحهم الجنة مباشرة، ولا يخرجون منها حتى في يوم الحساب، بل تُقَرّب منهم الجنة أكثر يوم القيامة مما من قبل كما سنرى تفصيلًا، والسبب الذي دعى الميرزا غلام أن يقرر هذه العقيدة، أنه أراد في بعض مواجهة البعض من المسلمين الذين يعتقدون بموت سيدنا عيسى عليه السلام، وأنّ الله سبحانه وتعالى سوف يبعثه في آخر الزمان ليكمل مهمته ويقتل الدجال، فأراد الميرزا غلام أن يؤسس لعقيدة تمنع بعثة سيدنا عيسى عليه السلام مرة أخرى، فالميرزا غلام يعتقد أنّ سيدنا عيسى عليه السلام مات ودفن في كشمير، وأنّ روحه عليه السلام موجودة في الجنة في السماء مع أرواح بقية إخوانه الأنبياء، وطالما مَنْ يدخل الجنة لا يخرج منها، فيستحيل خروجه عليه السلام من الجنة إلى الأرض، وبناءً عليه فلا عودة لسيدنا عيسى عليه السلام إلى الأرض، وأنّ المسيح الموعود هو الميرزا غلام أحمد القاديانيّ لا غيره، وبما أنّ المسيح الموعود كما جاء في الأحاديث النبوية نبيّ، فالميرزا غلام نبيّ.

وبالرغم من إدعائه أنه يعتقد بكل عقائد السنة والجماعة المجمع عليها([1])، فقد جاء الميرزا غلام لتأكيد هذه العقيدة الفاسدة والمخالفة لعقيدة السنة والجماعة، بآيات وأحاديث لا تصل دلالتها على ما يزعمه لأن تكون حتى ظنية الدلالة، وترك الميرزا غلام النصوص القطعية التي تبيّن بوضوح فساد ما ذهب إليه، بل وقد خالف الميرزا غلام بتفسيره لهذه النصوص جميع المفسرين؛ وبخاصة الذين هو يراهم أنهم من المجددين كما سنرى.

ويجب عند النظر في أي أمر ذي أهمية، سواء أكان أمرًا دينيًّا أو كان غير ذلك، وقد جاءت في شأنه نصوص عديدة، فيجب النظر في كل ما ورد في هذه النصوص([2])، ولا يجب الاقتصار على بعض النصوص دون البعض، وذلك لأنه قد يكون في بقية النصوص؛ البيان لمجمل، أو التخصيص لعام، أو التعميم لخاص، أو استثناء من عام، أو حتى نسخ الأمر، كما أنه لا يصح بناء عقيدة أو تفصيل وبيان لغيب مُجمل لا يُعلم، إلا بما ورد في الشرع بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، واذا كان هناك نص تحتمل دلالته لأكثر من وجه، فيجب الرجوع إلى النصوص القطعية التي تكلمتْ في نفس الموضوع لمعرفة الوجه الصحيح للنص متعدد الدلالات، وقد بيّنت في الأجزاء السابقة من كتاب (حقيقية الطائفة الأحمدية القاديانية) بنصوص كثيرة من كلام الميرزا غلام وبشير الدين محمود أنهما يقران بكل هذه الأصول، وإن خالفاها في مواضع كثيرة.

 

والنصوص التالية تبيّن بعض الأصول التي تتعلق بموضوع البحث:

يقول الميرزا غلام([3]):" ونعتقد أن كل آية القرآن بحر‎‎مواج، مملو من دقائق الهدى. وباطل ما يعارضه ‏ويخالف بيانه من قصص وعلوم الدنيا والعقبى. ونعتقد أن الجنة حق والنار حق، ‏وحشر الأجساد حق، ومعجزات الأنبياء حق. ونعتقد أن النجاة في الإسلام واتباع ‏نبينا سيد الورى. وكل ما هو خلاف الإسلام فنحن بريون منها، ونؤمن بكل ما ‏جاء به رسولنا وإن لم نعلم حقيقته العُليا. ومن قال فينا خلاف ذلك فقد كذب علينا ‏وافترى فاتقوا الله ولا تصدقوا أقوال كل ضنين مهين.. سعى إلي كتنين، ومال إلى ‏إكفاري بفيلولة رأيه، واتبع الهوى واعلموا أن الإسلام ديني، وعلى التوحيد يقيني، ‏وما ضل قلبي وما غوى. ومن ترك القرآن واتبع قياسًا([4]) فهو كرجل افترس ‏افتراسًا ووقع في الوهاد المهلكة، وهلك وفنى".

ويقول([5]):" ولا نقبل كل ما يعارض الفرقان ويخالف بيناته ومحكماته وقصصه ولو كان امرا عقليا".

ويقول([6]):" وينبغي أن يتذكروا أن التفسير بالرأي في ديننا معصيةٌ عظيمة، فحين يريدون أن يفسروا القرآن الكريم فيجب أن تؤيد تفسيرَهم الآياتُ الأخرى من القرآن الكريم وتشرحه ولا تعارضه وتناقضه، لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك حديث صحيح مرفوع متصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسِّرًا لذلك التفسير، لأن النبيّ المقدس الكامل الذي نزل عليه القرآن الكريم هو أعلم بمعاني القرآن الكريم. باختصار هذا هو الطريق الأتم والأكمل لتفسير القرآن الكريم، لكن إذا لم يتوفر أيّ حديث صحيح مرفوع متصل فأدنى استدلال أن تفسر آية من آيات القرآن الكريم في ضوء الآيات البينات الأخرى. أما إذا فسر أحدٌ بحسب ظنه ورأيه دون الالتزام بهذين الشرطين فمرفوضٌ وباطل تماما، فلو التزم القس عماد الدين هذا الطريق لما هلك نفسُه ولما تسبب في هلاك الآخرين".

كما أنّ النصوص من كلام الميرزا غلام وعلماء الأحمدية التي تصرح بالقاعدة العامة التي مفادها؛ أنه إذا تطرق الاحتمال إلى الدليل سقط الاستدلال به كثيرة، وقد ذكرتُها في الباب الثالث من الجزء الأول، وبالتالي فإنّ النصوص التي استدل بها الميرزا غلام على عقيدته الفاسدة لم تكن نصوصًا قطعية الدلالة، بل لا ترقى لأن تكون حتى ظنية الدلالة، فهي تفسيرات باطنية من الميرزا غلام كما سنرى، كما سوف ترون أنّ الميرزا غلام أحمد القاديانيّ قد خالف كل هذه الأصول التي أقر بها.

خلاصة ما يحدث للمؤمن حال موته، ويوم الحساب، ثم دخوله الجنة بحسب ما سنرى من آيات واحاديث صحيحة:

أولّا: ما سيحدث ساعة الموت، وفي القبر:

1.  حينما يأتي وقت الموت، يأتي الملاك المخصص بقبض الأرواح لقبض روحه، وفي نفس الوقت هناك ملائكة تراقب الموقف ومعها أكفان.

2.  يقبض ملاك الموت روح المؤمن، فلا تتركها الملائكة التي تراقب الموقف في يد ملاك الموت، فتأخذها منه وتضعها في الأكفان والعطور الطيبة.

3.  تعلو هذه الملائكة بهذه الروح المؤمنة إلى السماء حتى تصل إلى الله سبحانه وتعالى، فيقرر الله تعالى أنها من أهل الجنة على سبيل البشارة، وليس على سبيل الدخول.

4.  ويقرر الله تعالى عودة هذه الروح إلى جسدها، لتقوم الملائكة التي تنتظره في قبره بعملها في حسابه بشكل إجمالي، وليس على سبيل التفصيل، وتبشره بالجنة بناءً على ما عرفته منه من إيمانه بالله ورسوله وكتابه.

5.    تفتح له نافذة إلى الجنة، فيرى مكانه فيها، فكأنه فيها، وإن لم يدخلها.

6.    يؤتى بعمله على هيئة رجل حسن المظهر ليرافقه في قبره حتى يوم الحساب.

7.  ما حدث للمؤمن في القبر كان على سبيل طمأنة المؤمن لحين ساعة البعث، ولكن تفصيل الحساب على كل صغيرة وكبيرة سيكون يوم الحساب.

8.  يوم القيامة سوف تأتي كل نفس وقد ذهلت من هول الموقف وزلزلة الساعة([7])، إلا من شاء الله تعالى([8])، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، ثم يبدأ الحساب التفصيليّ.

ثانيًا:‏ دخول الجنة الفعليّ لا يكون إلا في يوم القيامة، فلا دخول لها قبل ذلك، وهذا مثبت في الكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة؛ والآيات التي يُظن منها الدخول للجنة قبل يوم الحساب إنما هي للتبشير للمؤمن بأنه سيكون من أهل الجنة.

 


 

ونبدأ بعون الله تعالى بالنصوص من كلام الميرزا غلام التي قرر فيها هذه العقيدة.

النص الأول:

يقول الميرزا غلام([9]):" لقد تبيّن جليا من بياني هذا أن هناك أسبابا قوية لإدخال الناس الجنةَ بحيث إن كل المؤمنين الصادقين سيدخلونها على وجه تام قبل يوم الحساب. ثم لن يُخرَجوا منها يومَ الحساب بل ستُقرَّب الجنة أكثر من ذي قبل([10]). يجب أن يُفهَم من مَثَل النافذة كيف تُقرَّب الجنةُ من القبر. هل تأتي الجنة إلى الأرض المتصلة بالقبر؟ كلاّ، بل تُقرَّب الجنةُ روحانيا. كذلك سيكون أهل الجنة موجودين في ميدان الحساب وفي الجنة أيضا روحانيا في الوقت نفسه. يقول نبينا الأكرم - صلى الله عليه وسلم - ما مفاده: تحت قبري روضة الجنة([11]). ففكِّروا جيدا إلى ما يشير إليه هذا الكلام. أما الحجة التي قدِّمت عن موت "عُزَير" وعودته إلى الحياة بعد مئة عام، فلا تنفع معارضينا شيئا، لأنه ما قيل قط إن عُزَيرا أُحيِي وأُرسل مرة ثانية إلى الدنيا، دار الهموم والأحزان، حتى يستلزم ذلك مأساة إخراجه من الجنة، بل لو حُملت تلك الآية على معانيها الظاهرية أيضا، لما ثبت شيء إلا تجلِّي قدرة الله التي أحيت عُزَيرا لحظةً واحدة ليوهب له اليقين بقدرته - عز وجل -. ولكن المجيء إلى الدنيا كان مؤقتا فحسب، وبقي عُزَيرٌ في الجنة في الحقيقة. وليكن معلوما أيضا أن جميع الأنبياء والصِّدِّيقين يُحيَون بعد الممات ويُعطَون جسما نورانيا، وفي بعض الأحيان يقابلون الأتقياء في اليقظة أيضا. وإن هذا العبد الضعيف صاحب تجربة في هذا المجال. فأيّة غرابة لو أحيا الله تعالى عُزَيرا على هذا النحو؟ أما الاستنباط من هذا النوع من الحياة أنه أُحيِيَ وأُخرج من الجنة فهو جهل غريب من نوعه، بل الحق أن تجلِّي الجنة أعظم من هذه الحياة".

التعليق:

·   التمام لا يكون فيه نقص، يقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...}([12])، فلا يُتَصَوّر أن يكون هناك نقص بعد أن أتم الله سبحانه وتعالى النعمة علينا، وبالتالي فقول الميرزا "سيدخلونها على وجه تام" هراء، لأنه يعني أنّ المؤمن وهو في قبره ستنعم روحه بكل نعيم الجنة المادي، من أنهار وأزواج مطهرين وحور عين، وعلى رأس كل ذلك رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة، وإلا فكيف يكون دخول الجنة تام!!!

·   يقصد الميرزا بقوله "ستُقرَّب الجنة أكثر من ذي قبل"، ما جاء في آيات – كما رأينا في حاشية سابقة- أنّ الجنة سوف تزلف للمؤمنين، ولكن تقريب الجنة لا يعني الدخول فيها، بل سنرى الكثير من الآيات والأحاديث التي تثبت أنّ الحساب سيوفَّى قبل دخول الجنة، فكيف سيوفى الحساب على وجه تام بعد دخول الجنة !!!

·   إذا كانت كل نفس سوف تذهل من هول الموقف كما فسّر سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم([13])، آية "زلزلة الساعة" كما رأينا في الحاشية، وأنّ الملائكة بأمر من الله سبحانه وتعالى أعادت روح من مات إليه في قبره بعد عرضها على الله تعالى لتحاسبها الملائكة حسابًا إجماليًّا في القبر، قبل الحساب التفصيليّ يوم القيامة.

·   قول الميرزا "يقول نبينا الأكرم - صلى الله عليه وسلم - ما مفاده: تحت قبري روضة الجنة"، أو كما علق مترجم الكتاب بقوله:"مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ"، يبيّنه ما ورد في الأحاديث لِمَا يحدث للمؤمنين في قبورهم، فإذا كان حال المؤمنين هكذا، فحال سيد الخلق أعظم وكأنّ الجنة بين قبره الشريف ومنبره.

·   بعد أن أقر الميرزا بأنّ التفسير الظاهريّ للآيات([14]) التي جاء فيها ذكر إحياء القرية التي هلكت([15])، وأنّ التفسير الظاهريّ يثبتُ إحياء الله تعالى لهذا الرجل، يهرأ الميرزا ويفتري على غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فيدعي بلا دليل قطعيّ من كلام الله تعالى ولا أحاديث سيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، أنّ من أحياه الله تعالى لم يعش إلا لحظة واحدة.

·   وبقولِ الميرزا "فأيّة غرابة لو أحيا الله تعالى عُزَيرا على هذا النحو؟"، يُثْبَتُ أنّ الإحياء ولو كان لوقت قليل لا غرابة فيه، فقد ثَبُتَ بشهادة الميرزا غلام الإحياء من الموت قبل يوم القيامة، ونرفض رأيه بعد الديمومة لهذا الرجل الذي أحياه الله تعالى، لأنه بلا أي دليل.

النص الثاني([16]):

يقول الميرزا غلام ([17]):" وإذا ثبت أن رجوع أهل الجنة والذين قعدوا عند مليك مقتدر بحبور وسرورٍ ممنوعٌ، وخروجهم من نعيمهم ولذّاتهم يُخالف وعد الله، فكيف يجوِّز العاقل المؤمن أن المسيح - عليه السلام - محروم من هذا الفوز العظيم، ولكل بشر موت وله موتان؟ أليس هذا مما يخالف نصوص القرآن؟ فتدبرْ وسَلِ اللهَ يهَبْ لك فهم المتدبرين. وقد قال الله تعالى في مقامات أخرى: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (1)، وقال: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}، وقال: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} (. فانظر أيها العزيز! كيف نترك هذا الحق الصريح بناء على خيالات واهية وتحكّمات فاسدة؟ فتفكرْ واتق الله، إن الله يحب المتقين. وربما يختلج في قلبك أن رجوع الموتى إلى الدنيا بعد دخولهم في الجنة ممنوع، ولكن أي حرج في رجوعٍ كان قبل دخول الجنة؟ فاعلم أن آيات القرآن كلها تدل على أن الميت لا يرجع إلى الدنيا أصلاً، سواء كان في الجنة أو في جهنم أو خارجا منهما، وقد قرأنا عليك آنفا آية: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} و {أَنَّهُمْ لا يَرْجَعُونَ}. ولا شك أن هذه الآيات تدل بدلالة صريحة على أن الذاهبين من هذه الدنيا لا يرجعون إليها أبدا بالرجوع الحقيقي. وأعني من الرجوع الحقيقيّ رجوع َالموتى إلى الدنيا بجميع شهواتها ولوازمها، ومع كسب الأعمال من خير وشر، ومع استحقاق الأجر على ما كسبوا، ومع ذلك أعني من الرجوع الحقيقيّ لُحوقَ الموتى بالذين فارقوهم من الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة الذين هم موجودون في الدنيا، وكذلك رجوعهم إلى أموالهم التي كانوا اقترفوها، ومساكنِهم التي كانوا بنَوها، وزروعِهم التي كانوا زرعوها، وخزائنهم التي كانوا جمعوها. ثم من شرائط الرجوع الحقيقيّ أن يعيشوا في الدنيا كما كانوا يعيشون من قبل، ويتزوجوا إن كانوا إلى النكاح محتاجين، وأن يؤمنوا بالله ورسوله فيُقبَل إيمانهم ولا يُنظَر إلى كفرهم الذي ماتوا عليه، بل ينفعهم إيمانهم بعد رجوعهم إلى الدنيا وكونهم من المؤمنين. ولكنا لا نجد في القرآن شيئا من هذه المواعيد، ولا سورةً ذُكرتْ فيها هذه المسائل، بل نجد ما يخالفه كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين * خَالِدِينَ فِيهَا} (1). فانظر كيف وعد الله للكافرين لعنة أبدية، فلو رجعوا إلى الدنيا وآمنوا بكتبه ورسله لوجب أن لا يُقبَل عنهم إيمانهم، ولا يُنزَع عنهم اللعنة الموعودة إلى الأبد كما هو منطوق الآية([18]). وأنت تعلم أن هذا الأمر يُخالف هدايات القرآن كما لا يخفى على المتفقهين. وأما إحياء الموتى من دون هذه اللوازم التي ذكرناها، أو إماتة الأحياء لساعة واحدة ثم إحياؤهم من غير توقف كما نجد بيانه في قصص القرآن الكريم فهو أمر آخر، وسرٌّ من أسرار الله تعالى، ولا توجد فيه آثار الحياة الحقيقيّ ولا علامات الموت الحقيقي، بل هو من آيات الله تعالى وإعجازات بعض أنبيائه، نؤمن به وإن لم نعلم حقيقته، ولكنا لا نسمّيه إحياءً حقيقيا ولا إماتة حقيقية. فإن رجلا مثلا أُحيِيَ بعد ألف سنة بإعجاز نبيّ ثم أُميت بلا توقف، وما رجع إلى بيته، وما عاد إلى أهله وإلى شهوات الدنيا ولذّاتها، وما كان له خِيَرةٌ مِن أن تُرَدّ إليه زوجه وأمواله وكل ما ملكت يمينه من ورثاء آخرين، بل ما مَسَّ شيئا منها ومات بلا مكث ولحق بالميتين، فلا نسمي مثل هذا الإحياء إحياءً حقيقيا، بل نسميه آية من آيات الله تعالى ونفوّض حقيقته إلى رب العالمين. ولا شك أن إحياء الموتى وإرسالهم إلى الدنيا يقلِّب كتاب الله بل يُثبت أنه ناقص، ويوجب فتنًا كثيرة في دين الناس ودنياهم، وأكبرها فتن الدين. مثلا كانت امرأة نكحتْ زوجا فتُوفّيَ، فنكحت زوجا آخر فتُوفّيَ، فنكحت ثالثا فتُوفّيَ، فأحياهم الله تعالى في وقت واحد، فاختصموا فيها بعولتُها، وادّعى كل واحد منهم أنها زوجته، فمَن أحقُّ منهم في كتاب الله الذي أكمل أحكامه وحدوده؟ وكيف يحكم فيهم القاضي؟ وكيف يحكم في أموالهم وأملاكهم وبيوتهم من كتاب الله؟ أتؤخذ من الورثاء وترد إلى الموتى الذين صاروا من الأحياء؟ بيِّنُوا تؤجَروا، إن كنتم على قول الله ورسوله مطّلعين. وكذلك الإماتة التي كانت لساعة أو ساعتين ثم أُحْيِيَ الميت، فليست إماتة حقيقية بل آية من آيات الله تعالى، ولا يعلم حقيقته إلا هو. وأنت تعلم أن الله ما وعد بحشر الموتى في القرآن إلا وعدًا واحدًا وهو الذي يظهر عند يوم القيامة، وأخبر عن عدم رجوع الموتى قبل يوم القيامة، فنحن نؤمن بما أخبر وننزه القرآن عن الاختلافات والتناقضات، ونؤمن بآية: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}، ونؤمن بآية: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}. وإنّا لا نقول أن أهل الجنّة بعد انتقالهم إلى دار الآخرة يُحبَسون في مكان بعيد من الجنة إلى يوم القيامة، ولا يدخل الجنة قبل القيامة إلا الشهداء، كلاّ .. بل الأنبياء عندنا أول الداخلين. أيظن المؤمن الذي يُحب الله ورسوله([19]) أن النبيين والصدّيقين يُبعَدون عن الجنة إلى يوم البعث ولا يجدون منها رائحة، وأما الشهداء فيدخلونها من غير مكثٍ خالدين؟ فاعلم يا أخي أن هذه العقيدة رديئة فاسدة، ومملوءة من سوء الأدب. أما قرأت ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الجنة تحت قبري؟ وقال إن قبر المؤمن روضة من روضات الجنة، وقال - عز وجل - في كتابه المحكم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي في عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتي} (1)، وقال في مقام آخر: {قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ}. وقصَّ علينا قصة رجل مات ودخل الجنة، وكان له صاحب في الدنيا فاسق، فمات صاحبه أيضا ودخل النار، فذكَر الذي دخل الجنة قصةَ صاحبه عند أصحاب الجنة وقال: {هَلْ أَنْتُمْ مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}. وأنت تعلم أن هذه القصة تدل بدلالة صريحة على أن المؤمنين يدخلون الجنة بعد موتهم من غير مكث، ثم لا يُخرَجون منها ويتنعّمون فيها خالدين. وكذلك يثبت من القرآن أن أهل جهنم يدخلونها بعد الموت من غير مكث، كما لا يخفى على الذين يتدبرون في آية: {فَرَآهُ في سَوَاءِ الْجَحِيمِ}، وكما قال الله تعالى: {مِمَّا خَطِيئآتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} (1). وإن كنت تطلب شاهدا من الحديث فانظر إلى أحاديث المعراج، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رأى جهنم في ليلة المعراج، وكذلك رأى الجنة، فرأى في الجنة أهلها، وفي جهنم أهلها، فريقا في النعيم وفريقا من المعذبين. وإن قلتَ إن كتاب الله والأخبار الصحيحة شاهدة على أن البعث حق، والميزان حق، وسؤال الله عن عباده حق واقع لا شبهة فيه، ثم بعد كل هذه الواقعات يعني بعد حشر الأجساد والحساب ووزن الأعمال يدخلون أهلُ الجنة مقامَ جنتهم، ويدخلون أهلُ النار مقام نارهم، وإن كان هذا هو الحق فكيف يمكن دخول أهل الجنة وأهل جهنم في مقامهم إلا بعد حشر الأجساد ووزن الأعمال وغيرها كما تقرر في عقائد المسلمين؟ قلنا لو حملنا ألفاظ تلك الآيات على ظواهرها لاختلّ نظام كتاب الله وما بقي توافُقُ آيات الله، بل وجب في هذه الصورة أن نُقرّ بأن القرآن مملوء من الاختلافات والتناقضات وبعض آياته يُعارض بعضا([20]). ألا ترى الآيات التي تدل على دخول أهل الجنة وأهل جهنم في رياض الخلد ونيران السعير من غير مكث وتوقف؟ فاعلم أن في هذه الآيات ليست مُخالفَة، وليس المراد من الحساب ووزن الأعمال وحشر الأجساد أن يخرج أهل الجنة من جنتهم ومقام عزتهم، وأنهم يؤخذون ويُحاسَبون لعلهم كانوا من أهل النار، ويُخرَج أهل النار من نارهم، ويُنظَر في أمرهم لعلهم كانوا من أهل الجنة، لأن الله تعالى يعلم الغيب ويعلم إيمان الناس وكفرهم قبل أن يُخلَقوا، ولا يعجز علمه عن درك المغيبات، بل الحساب والميزان لإظهار مكارم المكرمين وإراءة مفاسد المفسدين. ولا شك أن أهل الصلاح وأهل المعصية يرون ثمرات أعمالهم بعد الموت بغير مكثِ طرفةِ عين، وجنّتُهم ونارهم معهم حيثما كانوا، ولا تفارقانهما([21]) في آن. ألا تنظر إلى ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن القبر روضة من روضات الجنة أو حفرة من حفر النار؟ والميت قد يُدفن وقد يُحرق وقد يأكله الذئب وقد يغرق في البحر، وفي كل صورة لا يفارقه روضةُ جنته أو حفرةُ ناره. وقد ثبت أن كل مؤمن وكافر يُعطى من جسم بعد موته، ويوضع جنته أو جهنمه في قبره، ثم إذا كان يوم القيامة فيبعث كل ميت ببعث جديد، ويحضرون لوزن أعمالهم، وتمشي معهم جنتهم ونارهم ونورهم وغبارهم، ثم بعد حساب الأعمال والسؤال بطريق إظهار العزة أو إراءة الذلة والوبال، وبعد الوزن وغيرها من الأمور التي نؤمن بها، تقتضي رحمة الله تعالى وغضبه تجليات جديدة، فيُمثّل الله الجنةَ في أعين أهلها بصورة ما رأتها أعينهم قط كما وعد في كتابه للمسلمين، فيكون لهم ذلك اليوم يومَ المسرّة العظمى والسعادة الكبرى، فيدخلونها فرحين آمنين".

 

التعليق:

·   كل الأدلة التي ذكرها الميرزا غلام سواء أكانت آيات قرآنية أو أحاديث نبوية سوف أناقشها تفصيليًّا بعد الانتهاء من التعليقات الأولية على هذا النص.

·   بالقطع من المحال أن يخرج أحد من الجنة بعد دخولها يوم القيامة، ويرجع إلى الدنيا، لأنّ الله سبحانه وتعالى قد دمر الأرض بما فيها، وأكرر أنه لم يثبت بدليل قطعيّ واحد أنّ أحدًا دخل الجنة قبل يوم القيامة، وليس ما يكون في قبر المؤمنين من نوافذ تفتح لهم ليرى المؤمن مقعده من الجنة، دخولًا للجنة التي أعدها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين يوم القيامة.

·   لم يدخل الجنة أحد قبل يوم القيامة، فقول الميرزا غلام بأنه لا يجوز إخراج سيدنا عيسى عليه السلام من الجنة حينما يعود للدنيا مرة أخرى، باطل ولا قيمة له، لأنّ الميرزا غلام يفترض افتراضات فاسدة لا دليل عليها، ثم يبني أحكامًا وعقائدًا على فهمه هو الشخصي.

·   يسأل الميرزا غلام مستنكرًا بخصوص سيدنا عيسى عليه السلام "ولكل بشر موت وله موتان؟ أليس هذا مما يخالف نصوص القرآن؟"، نعم ليس لسيدنا عيسى عليه السلام إلا موتة واحدة في الدنيا، وستكون قبل يوم القيامة، ولا يوجد دليل واحد قطعيّ الثبوت والدلالة على موت سيدنا عيسى عليه السلام، وأمّا التوفي فله الكثير من المعاني، ولا يصح الاقتصار لبناء عقيدة على معنى واحد، وترك بقية المعاني إلا بأدلة قطعية، بل العلماء كما في كتاب (تاج العروس)([22]) وغيره؛ يقررون أنّ التوفي هو الموت المجازي، وبناءً عليه فمن يقول بالمعنى المجازيّ للتوفي أنه الموت في حق سيدنا عيسى عليه السلام، وترك المعنى الظاهر الحرفيّ للكلمة؛ وهو الأخذ التام فعليه الأدلة القطعية([23]).

·   الميرزا غلام بقوله الصريح "وإنّا لا نقول أن أهل الجنّة بعد انتقالهم إلى دار الآخرة يُحبَسون في مكان بعيد من الجنة إلى يوم القيام"، يعارض – كما سنرى- تفسير سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم للحديث الذي بيّن فيه عودة روح من مات إليه في قبره بعد عرضها على الله سبحانه وتعالى، وأنها تبقى معه في قبره إلى يوم القيامة.

·   يضع الميرزا غلام شروطًا من رأسه، ثم يبني عليها عقائد فاسدة، ويريد إلزام الناس بها، ومعلوم أنّ الله تعالى أثبت في القرآن الكريم رجوع البعض للحياة بعد موتهم، وعاشوا وتزوجوا، كما حدث لقوم سيدنا موسى عليه السلام حينما ضربتهم الصاعقة([24])، ثم بعثهم الله تعالى، وقد أقر الميرزا غلام بأنّ (الحِمام) أي الموت هو ما أصاب قوم سيدنا موسى عليه السلام حينما ضربتهم الصاعقة، كما ذكر الله تعالى بعثة البعض من بعد موتهم كما في سورة البقرة([25])، وكما ذكرتُ من قبل ما قاله الميرزا غلام؛ أنّ الأصل تفسير النصوص القرآنية والحديثية بالظاهر، ولا يحال إلى التأويل إلا بنص قطعي.

·   يحاول الميرزا غلام إثبات عقيدته الفاسدة من الآية التالية {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين * خَالِدِينَ فِيهَا}، فإنّ الآية تتكلم على الكفار وماتوا على كفرهم، ومعلوم أنّ اللعن هو عدم دخول الجنة، ولا علاقة للآية برجوع أو خروج من مات كافرًا من الجنة التي حرم الله سبحانه وتعالى دخولها من الأصل، كما أنّ تفسير الميرزا غلام للآية وأنّ لهم لعنة أبدية، دليل على فساد عقيدته الأخرى التي يرى فيها الميرزا غلام أنّ كافة من دخل النار؛ حتى فرعون ومن مثله سيخرجون منها في النهاية ويدخلون الجنة، فإذا كان رجوعهم للدنيا محال، فهل دخولهم للجنة معقول عند الميرزا غلام([26])، كما أنني لم أرى من قبل دليلًا يثبت أنّ الله سبحانه وتعالى أحيا ميتًا كافرًا من بعد موته قبل يوم القيامة.

·   يقرر الميرزا غلام أنّ الإحياء لبعض الموتى الذي ورد في القرآن الكريم، أنه يؤمن به وإن لم يعلم حقيقته، ولا يسميه إحياءً حقيقيًّا، وكان يجب عليه طالما لا يعلم حقيقته ألا يتدخل برأيه وينكر أنه إحياء حقيقيّ([27])، وكان عليه أن يقر به من غير أن يضع له من عنده شروطًا ومواصفات لم يذكرها الله تعالى، ولا سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم، وأيضًا كان يجب عليه أن يؤمن بظاهر كلمات القرآن، ولا يحيلها إلى تأويلات بغير دليل قطعيّ.

·   يضع الميرزا غلام افتراضًا جدليًّا بذكره المرأة التي مات أزواجه كما ذكر الميرزا غلام، وأنّ هذه معضلة فقهية، والرد بسيط، أنّ الله تعالى لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، ولا يسمح بوجود تعارض في آيات كتابه، كما لا يسمح بوجود تعارض بين آيات كتابه والواقع العملي، أي أنّ الله تعالى الحكيم القدير لن يحيي ميتًا فيؤدي إلى تعارض في آيات الله تعالى.

·   مرة أخرى أمور ديننا لا نأخذها إلا بالأدلة من القرآن وأحاديث سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وليس بما نحب ونهوى، فإذا قال الله تعالى إنّ الشهداء أحياء، وقال سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم أنهم في الجنة، فلا يصح قياس غيرهم عليهم، فلا يصح القياس العام على الشاذ، أي لا يصح قياس عموم المؤمنين على ما اختص الله تعالى به الشهداء، وقد رأينا في أحاديث المعراج أنّ سيدنا مُحَمّدًا صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء في السماوات، ولم يقل صلى الله عليه وسلم أنه رأى أحدًا منهم في الجنة، والجنة عند سدرة المنتهى، والسدرة في السماء السابعة([28])، وأما حال الأنبياء في قبورهم، فلا شك أنه سيكون في حال أفضل من بقية المؤمنين.

كما أنّ الشهداء لم يكن حالهم في السماء حالًا يشبه حالهم بأجسادهم التي كانوا عليها في الدنيا، فقد سكنت أرواحهم في جَوْفِ ‏طَيْرٍ ‏خُضْرٍ، وتطير محلقة كما في الحديث بالحاشية([29])، بينما الأنبياء الذي رآهم سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم في السماء، كانوا على حال يشبه حالهم في الدنيا.

·   يقول الميرزا غلام:" بل الأنبياء عندنا"، وكأنّ للأحمديين دينًا غير دين المسلمين، بل الحقيقة دينهم غير دين المسلمين([30]).

·   يقول الميرزا غلام إنّ الآية {هَلْ أَنْتُمْ مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}، تدل بدلالة صريحة على أن المؤمنين يدخلون الجنة بعد موتهم من غير مكث، ثم لا يُخرَجون منها ويتنعّمون فيها خالدين، وسوف أناقشها مع بقية الآيات التي وردت في كلام الميرزا غلام بإذن الله تعالى، وكذلك بإذن الله تعالى الآية {مِمَّا خَطِيئآتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}.

·   لم يأتِ لنا الميرزا غلام بنص أي حديث صحيح من أحاديث المعراج يصرح فيه سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم بأنه رأى في الجنة والنار الناس كذا وكذا، بل الميرزا غلام و بشير الدين محمود يقرران أن كل ما جاء في المعراج كان من الكشوف التي تكون في اليقظة، وأن ما رآه سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم كان بطريق التمثّل، وليس بالحقيقة المادية، وقد فصّلت عقيدة الكشوف عند الأحمديين في الجزء الرابع من كتاب (حقيقية الطائفة الأحمدية القاديانية).

·   سنرى أنه لا اختلاف ولا تناقض بين آيات القرآن الكريم أو الأحاديث، فجميعها تثبت أنّ توفي الحساب لا يكون إلا في الآخرة، ثم من بعدِ الحساب يدخل أهل النار النار، ويدخل أهل الجنة الجنة، ولا اعتبار لفهم الميرزا غلام السقيم الذي يريد أن يؤسس عليه عقائدًا تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة التي يدعي أنه منها كما رأينا في حاشية سابقة.

 

الرد على ما ذكره الميرزا غلام من آيات وأحاديث:

أولّا: الآيات التي تدل على أنّ استيفاء الأجر لا يكون إلا في يوم القيامة، ثم يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار:

التوفي كما يأتي بمعنى الأخذ التام، يأتي أيضًا بمعنى الإعطاء التام، وسوف نرى في آيات تالية وتفسيرها دليل ذلك، كما جاء في تفسير (مفاتيح الغيب) للإمام فخر الدين الرازي([31])، وقد اقر الميرزا غلام بذلك المعنى الأخير([32])، وبالتالي فإنّ معنى توفي الملائكة سواءً أكان للكفار أو كان للمؤمنين، فكما يأتي بمعنى الإماتة، أي أخذ الروح، فقد يكون بمعنى إعطاء الأجر التام، سواءً أكان بدخول النار أو الجنة كما سنرى، وأيضا سنرى من أحاديث كثيرة ما يؤكد معنى الإعطاء التام للأجر.

 

1-  يقول الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} 185 سورة آل عمران.

·     أي تُعْطُون أجوركم، والوفاء هو إعطاء تمام الشيء المُسْتَحَق، لمن يستحقه، وهذا يؤكد أنّ الأجر -أي الجنة- الذي كان يستحقه المؤمنون بسبب أعمالهم من قبل يوم القيامة، لم يتحصلوا عليه بتمامه إلا في يوم القيامة، وقد تحصلوا عليه بدخولهم الجنة، فأين دخول الجنة قبل أن يوفيهم الله تعالى أجورهم يوم القيامة!!!

·        التعبير "إنما" يفيد حصر الوفاء بالأجر فلا يكون إلا يوم القيامة.

2-  يقول الله تعالى:{‏رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) سورة النور.

الآية واضحة في أنّ الجزاء الأحسن والوافي للمؤمنين؛ أي الأحسن مما عملوا في الدنيا، والزيادة عليه من فضل الله تعالى، وهو بغير حساب، أي بغير عد؛ لا يكون إلا في يوم القيامة.

3- يقول الله تعالى:{‏ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)} سورة النحل.

هنا الآية صريحة في أنّ التوفي كان بمعنى الإعطاء التام للأجر.

تفسير مفاتيح الغيب:

"ثم قال تعالى {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} فيه محذوف، والمعنى توفى كل نفس جزاء ما عملت من غير بخس ولا نقصان وقوله وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ قال الواحديّ معناه لا ينقضون".

أي تُعطى كل نفس جزاء ما عملت.

تفسير التحرير والتوير

يقول الله تعالى:{ قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر.

وَالتَّوْفِيَةُ: إِعْطَاءُ الشَّيْءِ وَافِيًا، أَيْ تَامًّا. وَالْأَجْرُ: الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْقُرْآنِ.

ويقول الله تعالى:{‏ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) سورة الزمر.

وَالتَّوْفِيَةُ: إِعْطَاءُ الشَّيْءِ وَافِيًا لَا نَقْصَ فِيهِ عَنِ الْحَقِّ فِي إِعْطَائِهِ وَلَا عَنْ عَطَاءِ أَمْثَالِهِ.

 

4-  يقول الله تعالى:{‏يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) سورة النحل.

 

التعليق:

·    واضح أنّ الآيات تتكلم على ما سيكون في يوم القيامة، وهو ما سيكون فيه الخزي والسوء على الكافرين.

·    التعبير "تتوفاهم الملائكة" قد يعني الإماتة حال قبض وأخذ الملائكة لإرواح الكافرين، وقد يكون بمعنى إعطائهم أجرهم بإدخالهم النار، كما في قولهم في نفس الآيات "فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ".

·    وكلمة "مَثْوَى" تفيد الموضع النهائيّ للكافرين، وبالتالي لا يكون المعنى هو ما سيلقاه الكافر في القبر، فإطلاع الكافر في قبره على موضعه في النار لا يعتبر مثوى له، بل المثوى في الآخرة.

·    ثم يسأل الله تعالى المؤمنين؛ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ  فقالوا خيرًا، أي ما أنزله الله تعالى في الدنيا كان خيرًا والحمد لله.

·    ثم بأسلوب الالتفات المتكرر في القرآن الكريم، ينتقل الحديث إلى الدنيا؛ بقول الله تعالى "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا"، أي أنّ الله تعالى يقول لنا؛ هذا ما أقوله لكم في الدنيا الآن، وهذا ما سيكون عليه حال الجميع يوم القيامة، وهذا من قبيل التبشير والإنذار.

·    ثم يأتي دور المؤمنين في توفي حسابهم؛ بقول الله سبحانه وتعالى "الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ"، وكما بينت من قبل أن التوفي قد يكون بقبض أي بأخذ الروح في الدنيا، وقد يكون بإعطاء الأجر في الآخرة.

·    وقول الله تعالى "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ"، كما سنرى في تفاسير لعلماء، يرى الميرزا غلام أنهم من المجددين، أنّه إذا كان الأمر بالدخول للجنة، وكان التوفي بمعنى أخذ الروح، فيكون الأمر بدخول الجنة بمعنى البشارة المؤكدة، وأما إن كان التوفي بمعنى إعطاء الأجر فيكون الأمر بالدخول الفعلي، والآيات القرآنية التي جاءت فيها الأوامر بمعنى الإخبار ولا تفيد معنى الأمر كثيرة، وسأضعها في الحاشية([33]).

تفسير القرطبي([34]):"وَقَوْلُهُ: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَبْشِرُوا بِدُخُولِ الْجَنَّةِ. الثَّانِي- أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يَعْنِي في الدنيا من الصالحات".

 

مفاتيح الغيب: "وقوله {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة ُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءونَ كَذَلِكَ يَجْزِى اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} وقوله {طَيّبِينَ} كلمة مختصرة جامعة للمعاني الكثيرة وذلك لأنه يدخل فيه إتيانهم بكل ما أمروا به واجتنابهم عن كل ما نهوا عنه ويدخل فيه كونهم موصوفين بالأخلاق الفاضلة مبرئين عن الأخلاق المذمومة ويدخل فيه كونهم مبرئين عن العلائق الجسمانية متوجهين إلى حضرة القدس والطهارة ويدخل فيه أنه طاب لهم قبض الأرواح وأنها لم تقبض إلا مع البشارة بالجنة حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها ومن هذا حاله لا يتألم بالموت وأكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح وإن كان الحسن يقول إنه وفاة الحشر ثم بين تعالى أنه يقال لهم عند هذه الحالة ادْخُلُواْ الْجَنَّة َ فاحتج الحسن بهذا على أن المراد بذلك التوفي وفاة الحشر لأنه لا يقال عند قبض الأرواح في الدنيا ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ومن ذهب إلى القول الأول وهم الأكثرون يقولون إن الملائكة لما بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم وكأنهم فيها فيكون المراد بقولهم ادخلوا الجنة أي هي خاصة لكم كأنكم فيها".

 

تفسير ابن كثير: "ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِهِمْ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ أَنَّهُمْ طَيِّبُونَ أَيْ مُخَلَّصُونَ مِنَ الشِّرْكِ وَالدَّنَسِ وَكُلِّ سُوءٍ، وَأَنَّ الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فُصِّلَتْ: 30- 32] وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ وَرُوحِ الْكَافِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ} [إبراهيم: 27].

 

تفسير الكشاف([35]): "ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح طَيِّبِينَ طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي، لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ قيل: إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال : السلام عليك يا ولىّ اللّه، اللّه يقرأ عليك السلام، وبشره بالجنة".

 

تفسير المظهري([36]):"يقول الله تعالى:{‏الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ أى طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه فى مقابلة ظالمى أنفسهم وهؤلاء هم الذين حيوا حيوة طيبة- وقال مجاهد زاكية أفعالهم وأقوالهم- وقيل معناه فرحين ببشارة إياهم بالجنة او طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية الى حضرة القدس يَقُولُونَ اى الملائكة لهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ وقيل تبلغهم سلام الله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) حين تبعثون فانها معدة لكم على أعمالكم او المعنى يقول لهم الملائكة عند التوفى سلام عليكم ويقال لهم فى الاخرة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"

 

التفسير الكبير لبشير الدين محمود:

يقول بشير الدين محمود([37]):"...وقال الله تعالى أيضا {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:31 - 33). أي سيقال للمتقين: ما رأيكم فيما أنزله ربكم، أوَليس هو بكلام حكيم؟ فيقولون إن ما أنزله حق وخير. أي ليس فيه أي حكم ضار بنا، بل كل ما أنزله الله تعالى نافع ومبارك ومساعد على الرقيّ. وما دام كلام الله خيرا في خير وحسنا في حسن، فلا بد أن يفوز الذين يعملون به بالحسنة في الدنيا والحسنة في الآخرة، ولهم جنات خالدة تتحقق لهم فيها كل أمانيهم، وهكذا يكون جزاء المتقين. سوف تقبض الملائكة نفوسهم وهم مؤمنون مخلصون، قائلين لهم سوف ينزل عليكم سلام عظيم، فادخلوا جنة الله. أي سوف تنعمون بعد دخولها بالوصال الإلهيّ الذي هو رأس السلام".

التعليق:

·   حسنات الدنيا من ماديات وروحانيات كثيرة، ولا شك أنّ من أهم حسنات الدنيا التي يتمناها المتقون ويحرصون عليها، أن يَمُنّ الله تعالى عليهم بحسن الخاتمة، وأن يكون سعيدًا في قبره، يرى مقعده من الجنة، فالأزمنة وكل ما يحدث فيها؛ طالما كان قبل يوم القيامة فهو من الدنيا، ومنها بالقطع القبر البرزخ.

·   قول بشير الدين محمود "تتحقق لهم فيها كل أمانيهم، وهكذا يكون جزاء المتقين"، أي في جنات الخلد، يفيد أنّ ما كانوا فيه قبل يوم القيامة من سعادة في قبرهم لم يحقق كل أمانيهم، وبالتالي فقول الميرزا غلام أنّ المؤمنين بمجرد موتهم يدخلون الجنة بشكل تام قول وعقيدة فاسدة.

·   والذي يؤكد أنّ الجنة التي يقصدها بشير الدين محمود هي جنة الخلد قوله "سوف تنعمون بعد دخولها بالوصال الإلهيّ الذي هو رأس السلامفالله تعالى يقول :{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}([38])، ويقول {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}([39])، كما أنّ الوصال الإلهيّ ورؤية الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا في جنة الخلد.

 

ثانيًا:‏ الأحاديث التي تثبت وتؤكد أن التوفي للأعمال بالحساب تفصيلًا لا يكون إلا في يوم القيامة:

في الأحاديث التالية يظهر جليًا أنّ الأجر للمؤمنين يُوَفَّى بتمامه يوم القيامة، ولا يَمنع هذا من التعجيل ببعض الأجر قبل يوم القيامة، وكما سيظهر أنه لا يُقصد بالوفاة أو التوفي في هذه الأحاديث الموت، لأنه لا موت يوم القيامة، وبجمع ما جاء في هذه الأحاديث؛ يُتَأكد لنا أنّ التعبير "حتى يتوفاه الله يوم القيامة"؛ لا يعني إلا ما جاء في أحدايث أخرى لنفس الموقف، حيث كما سنرى قد ورد بدلًا من التعبير "حتى يتوفاه الله يوم القيامة"، التعبيرات "حتى يوفاه يوم القيامة"، و"حتَّى يتوفَّاهُ يومَ القيامةِ"، مما يدل على أنّ المقصود هو استيفاء الأجر يوم القيامة لما فعله المؤمن في الدنيا.

وفي شرح الحديث كما في موقع (الدرر السَنية) جاءت هذه الفقرة:"..."وإذا رَمَى" الحاجُّ "الجِمارَ" وهي الحَصى الصَّغيرُ الذي يُلقيهِ في مَواضِعِه من العَقَباتِ الثلاثِ في مِنًى، فيكونُ له من الأجْرِ والثَّوابِ العظيمِ، حتَّى "لا يَدري أحَدٌ ما له"، أي: لا يَعرِفُ أحَدٌ كُنهَ هذا الثَّوابِ وقَدْرَه، "حتى يتوفَّاهُ اللهُ يومَ القيامَةِ" والمعنى: حتى يُوفِّيَه اللهُ أجْرَه يومَ القيامَةِ، فهو أجْرٌ مُخبَّأٌ ومُدَّخَرٌ للحاجِّ لذلك اليومِ، وهذا من تَعظيمِ الأجْرِ وتَفخيمِه، كما قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]، وفي حَديثِ ابنِ عباسٍ عندَ البزَّارِ: "إذا رَميتَ الجِمارَ كان لك نورًا يومَ القيامَةِ"، وعندَ سعيدِ بنِ منصورٍ: "إنَّه يُغفَرُ له بكُلِّ حصاةٍ رماها كبيرةٌ من الكبائِرِ الموبقاتِ".

وسأضع جملة هذه الأحاديث مع شرحها في الحاشية([40]).

ثالثًا:‏ الآيات التي تبين أنّ فتح أبواب الجنة والدخول إليها لا يكون قبل يوم القيامة:

1-  يقول الله تعالى:{‏وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) سورة الزمر.

التعليق:

·    يقول المؤمنون "الحمد لله الذي صدقنا وعده"، والوعد كان مجرد كلام، وهذا يبيّن أنّ ما كان قبل الدخول مجرد بُشْريات كلامية لهم بأنهم من أهل الجنة، ويضاف إليه العرض لمقاعدهم في الجنة وهم في قبورهم.

·    كما يتضح أنّ أبواب الجنة كانت من قبل أن يجيئها المؤمنون مغلقة، ولم تفتح لهم إلا بعد حساب يوم القيامة.

·    قول المؤمنين "وأورثنا الأرض"، والوارث قبل استحقاقه للميراث لا يملك منه شيئًا، فكيف استحقوا ودخلوا الجنة قبل أن يرثوها بالفعل.

2-  يقول الله تعالى:{‏ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) سورة الزخرف.

التعليق:

3-  قول الله تعالى : {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، و{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}، وقوله تعالى {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، ينفي بشكل قطعيّ أنهم دخلوها من قبل.

4-  يقول الله تعالى:{‏ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} سورة محمد.

التعليق: بالنسبة لقول الله تعالى {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}: يقول سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم:"يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فيُحْبَسُونَ علَى قَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ مَظالِمُ كانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيا، حتَّى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لهمْ في دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أهْدَى بمَنْزِلِهِ في الجَنَّةِ منه بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيا([41]):

ومن بين معاني "عرفها لهم" كما في القرطبيّ؛ قَالَ الْحَسَنُ: "وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا دَخَلُوهَا عَرَفُوهَا بِصِفَتِهَا".

والأقرب والله تعالى أنّ المؤمنين قد رأوا مقعدهم في الجنة وهم في قبورهم، فلما رأوها عند دخولهم فيها عرفوها والله أعلم.

رابعاً:‏ الآيات التي تثبت عذاب القبر قبل يوم القيامة، ثم النار يوم القيامة.

1-  يقول الله تعالى:{‏ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) سورة غافر.

التعليق:

الآية تؤكد ما جاء في الأحاديث الشريفة؛ أنه سيرى المؤمن والكافر مقاعدهم في الجنة أو النار في قبورهم، والآية تؤكد أنّ الدخول للجنة أو النار لا يكون إلا بعد استيفاء الحساب يوم القيامة.

خامسًا:‏ الآيات التي تثبت إمساك الله تعالى للنفس عند الموت، وعدم التصريح بدخول الجنة:

يقول الله تعالى:{‏ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) سورة الزمر.

التعليق: يستدل الميرزا غلام بهذه الآية على أنّ الله تعالى حينما يمسك النفس عند موتها، فلا يدعها تعود إلى صاحبها، وهذا يعني عند الميرزا غلام أنّ الآية تثبت عدم إحياء الموتى بعد موتهم في الدنيا، بينما لا يمسك نفس من كان نائمًا، ويعيدها إليه، واستدلال الميرزا غلام بهذه الآية على صحة عقيدته غير صحيح، فالاستثناء والتخصيص لا يتعارض مع القاعدة العامة، فالله تعالى خلقنا جميعًا من ذكر وأنثى، ومع ذلك لم يخلق سيدنا عيسى عليه السلام إلا من أنثى بخلاف القاعدة العامة، كما أنّ القاعدة العامة أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ومع ذلك فقد استثنى الله تعالى البعض([42]).

سادسًا:‏ الآيات التي قد يُفهم منها دخول الجنة قبل يوم القيامة:

1-  يقول الله تعالى:{‏ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) سورة يس.

القرطبي:

"...قال الْقُشَيْرِيُّ: وَقَالَ الْحَسَنُ لَمَّا أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَقْتُلُوهُ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَمُوتُ إِلَّا بِفَنَاءِ السَّمَاءِ وَهَلَاكِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا أَعَادَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أُدْخِلَهَا. وَقِيلَ: نَشَرُوهُ بِالْمِنْشَارِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا خَرَجَتْ رُوحُهُ إِلَّا إِلَى الْجَنَّةِ فدخلها، فذلك قوله:" قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ" وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَعْنَى" قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ" وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ، فَهُوَ خَبَرٌ بِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ: لِأَنَّ دُخُولَهَا يُسْتَحَقُّ بَعْدَ الْبَعْثِ".

كما رأينا في من قبل، أنه قد تأتي الأوامر في القرأن بمعنى الخبر، فالأمر بدخول الجنة هو في الحقيقة تبشير بالوجوب لدخولها، والأصل كما رأينا في النصوص السابقة أنّ دخول الجنة لا يكون إلا في يوم القيامة {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فلو حتى بعض النصوص تحتمل لأكثرمن معنى، فيحال إلى النصوص القطعية الدلالة، ولا تبنى عقيدة على نصوص تحتمل لأكثر من دلالة.

 

2-  يقول الله تعالى:{‏ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} سورة الفجر.

الحديث الذي يبين مسألة دخول الجنة كما جاء في الآية {يا يتها النفس المطمئنة...}

"عنْ زاذانَ أَبي عُمرَ قالَ: سَمِعْتُ البَراءَ بْنَ عازِبٍ يقولُ: خَرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جِنازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنصارِ فانْتَهَيْنا إلى القَبْرِ، ولَمَّا يُلْحَدْ بَعْدُ، قالَ: فَقَعَدْنا حَوْلَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَعَلَ ينْظُرُ إلى السَّماءِ وينْظُرُ إلى الأرْضِ، وجَعَلَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ ويَخفِضُهُ ثلاثًا، ثُمَّ قالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عذابِ القَبْرِ». ثُمَّ قالَ: «إنَّ الرَّجُلَ المسْلِمَ إذا كان في قُبُلٍ مِنَ الآخِرَةِ وانقِطاعٍ مِنَ الدُّنْيا جاءَ مَلَكُ الموْتِ فقَعَدَ عندَ رَأْسِهِ، وتَنزِلُ ملائكَةٌ مِنَ السَّماءِ كأَنَّ وُجوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ أَكْفانٌ مِنْ أَكْفانِ الجَنَّةِ وحَنوطٌ مِنْ حَنوطِ الجَنَّةِ، فَيَقْعُدونَ مِنْه مَدَّ البَصَرِ». قالَ: «فَيقولُ مَلَكُ الموتِ: أَيَّتُها النَّفْسُ الطَّيِّبةُ، اخْرُجي إلى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ». قالَ: «فَتَخْرُجُ تَسيلُ كما تَسيلُ القَطْرةُ مِنَ السِّقاءِ، فلا يَترُكونَها في يدِهِ طرْفَةَ عَيْنٍ، فيَصْعَدونَ بها إلى السَّماءِ، فلا يَمُرُّونَ بها على جُنْدٍ مِنَ الملائكةِ إلَّا قالوا: ما هذه الرُّوحُ الطَّيِّبةُ؟ فيقولونَ: فُلانٌ بأَحْسَنِ أسْمائهِ، فإذا انتَهى إلى السَّماءِ فُتِحَتْ لهُ أبوابُ السَّماءِ، ثُمَّ يُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سماءٍ مُقَرَّبوها إلى السَّماءِ الَّتي تَليها، حتَّى يُنتَهى إلى السَّماءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ يُقالُ: اكتُبوا كِتابَهُ في عِلِّيِّينَ، ثُمَّ يُقالُ: أرْجِعوا عَبْدي إلى الأَرْضِ، فإنِّي وَعَدْتُهُمْ أَنِّي مِنْها خَلَقْتُهُمْ وفيها أُعيدُهُمْ، ومِنْها أُخْرِجُهُمْ تارةً أُخْرَى، فتُرَدُّ رُوحُهُ إلى جَسَدِهِ، فَتَأْتيهِ الملائكةُ فيَقُولونَ: مَنْ رَبُّكَ؟ قالَ: فيقولُ: اللهُ، فيقولونَ: ما دِينُكَ؟ فيقولُ: الإسْلامُ، فيقولونَ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي خرَجَ فيكُمْ؟». قالَ: «فيقولُ: رسولُ اللَّهِ». قالَ: «فيقولونَ: وما يُدْريكَ؟». قالَ: «فيقولُ: قَرَأْتُ كِتابَ اللهِ فآمَنْتُ بهِ وصدَّقْتُ». قالَ: «فيُنادِي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ أنْ صَدَقَ فَأَفْرِشوهُ مِنَ الجنَّةِ وأَلْبِسوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وأَروهُ مَنْزِلَهُ مِنَ الجنَّةِ». قالَ: «ويُمَدُّ لهُ في قَبْرِهِ ويَأْتيهِ رَوْحُ الجَنَّةِ ورَوْحُها». قالَ: «فيُفْعَلُ ذلك بِهِ، ويَمثُلُ لهُ رجُلٌ حَسَنُ الوَجْهِ حَسَنُ الثِّيابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فيقولُ لهُ: أَبْشِرْ بالَّذي يَسُرُّكَ، هذا يَوْمُكَ الَّذي كنتَ توعَدُ، فيقولُ: مَنْ أنتَ، فَوَجْهُكَ وَجْهٌ يُبَشِّرُ بالخيرِ؟». قالَ: «فيقولُ أنا عَمَلُكَ الصَّالِحُ»، قالَ: «فهو يقولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعةَ كيْ أرْجِعَ إلى أهْلي وَمالي». ثُمَّ قَرَأَ: «{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]. وَأمَّا الفاجِرُ فإذا كان في قُبُلٍ مِنَ الآخِرةِ وانقِطاعٍ مِنَ الدُّنْيا أَتاهُ مَلَكُ الموْتِ فيَقْعُدُ عندَ رأْسِهِ، وتَنْزِلُ الملائكةُ سُودُ الوجُوهِ، مَعَهُمُ المُسوحُ، فيَقْعُدونَ مِنهُ مَدَّ البَصَرِ، فَيقولُ ملَكُ الموتِ: اخْرُجي أيَّتُها النَّفْسُ الخبيثةُ إلى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وغَضَبٍ». قالَ: «فتَفَرَّقُ في جَسدِهِ، فينقَطِعُ معها العُروقُ والعَصَبُ كما يُستْخرجُ الصُّوفُ الْمَبْلولُ بالسَّفودِ ذي الشُّعَبِ». قالَ: «فَيقُومونَ إليهِ، فلا يَدَعُونَها في يدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فيَصْعَدونَ بها إلى السَّماءِ، فلا يَمُرُّونَ على جُنْدٍ مِنَ الملائكةِ إلَّا قالوا: ما هذه الرُّوحُ الخَبيثةُ؟». قالَ: «فيقولونَ: فُلانٌ بأقْبحِ أسمائهِ». قالَ: «فإذا انتُهيَ بهِ إلى السَّماءِ غُلِّقَتْ دُونَهُ أبْوابُ السَّمواتِ». قالَ: «ويُقالُ: اكتُبوا كِتابَهُ في سِجِّينٍ». قالَ: «ثُمَّ يُقالُ: أَعيدوا عَبْدي إلى الأَرْضِ؛ فإنِّي وَعَدْتُهُمْ أَنِّي منها خَلَقْتُهُمْ، وفيها أُعيدُهُمْ، ومِنها أُخْرِجُهُمْ تارةً أُخْرى». قالَ: «فَيُرْمى بِروحِهِ حتَّى تَقَعَ في جَسَدِهِ». قالَ: ثُمَّ قَرَأَ: «{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]». قالَ: «فتَأْتيهِ الملائكةُ فيقولونَ: مَنْ رَبُّكَ؟». قالَ: «فيقولُ: لا أدْري، فيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ أنْ قدْ كَذَبَ فَأَفْرِشوهُ مِنَ النَّارِ، وأَلْبِسوهُ مِنَ النَّارِ، وأَروهُ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ». قالَ: «ويُضَيَّقُ عليه قَبرُهُ حتَّى تَخْتَلِفَ فيه أَضْلاعُهُ». قالَ: «ويَأْتيهِ ريحُها وحَرُّها». قالَ: «فيُفْعَلُ به ذلك، ويَمْثُلُ لهُ رَجلٌ قَبيحُ الوَجْهِ، قَبيحُ الثِّيابِ، مُنتِنُ الرِّيحِ، فيقولُ: أَبْشِرْ بالَّذي يَسوؤكَ، هذا يَومُكَ الَّذي كُنتَ تُوعدُ». قالَ: «فيقولُ: مَنْ أنتَ؟ فوَجْهُكَ الوَجْهُ بَشَّرَ بالشَّرِّ». قالَ: «فيقولُ: أنا عَمَلُكَ الخبيثُ». قالَ: «وهو يقولُ: رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعَةَ»([43]).

التعليق: الحديث يوضح بجلاء أنه لا دخول للجنة أو للنار قبل يوم القيامة، وإنما فقط التبشير، ويرى كل واحد منزله النهائيّ قبل أن تقوم الساعة.

·        تفسير القرطبي لأيات سور الفجر المذكور:

"يقول الله تعالى:{‏ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)، قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) لَمَّا ذَكَرَ حَالَ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا فَاتَّهَمَ اللَّهَ فِي إِغْنَائِهِ، وَإِفْقَارِهِ، ذَكَرَ حَالَ مَنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَسَلَّمَ لِأَمْرِهِ، وَاتَّكَلَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالنَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ: السَّاكِنَةُ الْمُوقِنَةُ، أَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ رَبَّهَا، فَأَخْبَتَتْ لِذَلِكَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيِ الْمُطْمَئِنَّةُ بِثَوَابِ اللَّهِ. وَعَنْهُ الْمُؤْمِنَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنَةُ الْمُوقِنَةُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: الرَّاضِيَةُ بِقَضَاءِ اللَّهِ، الَّتِي عَلِمَتْ أَنَّ مَا أَخْطَأَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهَا، وَأَنَّ مَا أَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْآمِنَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وفي حرف أبي بن كعب يا أيتها النَّفْسُ الْآمِنَةُ الْمُطْمَئِنَّةُ. وَقِيلَ: الَّتِي عَمِلَتْ عَلَى يَقِينٍ بِمَا وَعَدَ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ ابن كيسان: المطمئنة هنا: المخلصة. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: الْعَارِفَةُ الَّتِي لَا تَصْبِرُ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ. وَقِيلَ: الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانُهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ «1» [الرعد: 28]. وَقِيلَ: الْمُطْمَئِنَّةُ بِالْإِيمَانِ، الْمُصَدِّقَةُ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُطْمَئِنَّةُ لِأَنَّهَا بُشِّرَتْ بِالْجَنَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْبَعْثِ، وَيَوْمَ الْجَمْعِ. وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَعْنِي نَفْسَ حَمْزَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ نَفْسِ مُؤْمِنٍ مُخْلِصٍ طَائِعٍ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيِّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ رُوحَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، اطْمَأَنَّتِ النَّفْسُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِنُ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمَا تُحْفَةً مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولَانِ لَهَا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، وَمَرْضِيًّا عَنْكِ، اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ رَاضٍ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ وَجَدَ أَحَدٌ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. وذكر الحديث. وقال سعيد بن زائد: قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أَنْ الملك سيقولها لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ [. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقَتِهِ طَائِرٌ قَطُّ، فَدَخَلَ نَعْشَهُ، ثُمَّ لَمْ يُرَ خَارِجًا مِنْهُ، فَلَمَّا دُفِنَ تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ- لَا يُدْرَى مَنْ تَلَاهَا-: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. وَرَوَى الضَّحَّاكُ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وَقَفَ بِئْرَ رُومَةَ «2». وقيل: نزلت في بيب بْنِ عَدِيٍّ الَّذِي صَلَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَجَعَلُوا وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَحَوَّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مَعْنَى (إِلى رَبِّكِ) أَيْ إِلَى صَاحِبِكِ وَجَسَدِكِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ، وَدَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَادْخُلِي فِي عَبْدِي عَلَى التَّوْحِيدِ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْوَاحَ غَدًا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْأَجْسَادِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ" فِي جَسَدِ عَبْدِي". وَقَالَ الْحَسَنُ: ارْجِعِي إِلَى ثَوَابِ رَبِّكِ وَكَرَامَتِهِ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: الْمَعْنَى: ارْجِعِي إِلَى اللَّهِ. وَهَذَا عند الموت. (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) أَيْ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ هِيَ دَارُ الْخُلُودِ الَّتِي هِيَ مَسْكَنُ الْأَبْرَارِ، وَدَارُ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ. وَمَعْنَى فِي عِبادِي أَيْ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ عبادي، كما قال: لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ «1» [العنكبوت: 9]. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: فِي عِبادِي أَيْ فِي حِزْبِي، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. أَيِ انْتَظِمِي فِي سِلْكِهِمْ. (وَادْخُلِي جَنَّتِي) معهم.".

وكما قال ابن عباس في تفسير القرطبي كما رأينا أنّ الله سبحانه وتعالى يأمر ‏بإدخال هذه النفوس في زمرة من سيدخلون الجنة، أي كلٌ مع زمرته المناسبة، فيأمرهم بدخول الجنة، وأمّا إن كان المعنى أنّ حديث الله سبحانه وتعالى لهم عند الموت، فكما بيّنت من قبل أنه من الأمر الذي بمعنى الخبر بالبشارة، وقد أفاض المفسرون الذين يراهم الميرزا غلام أنهم من المجددين([44]) بأنّ هذا إخبار بالتبشير.

وهناك حديث قد يفهم منه دخول الجنة قبل يوم القيامة، ففي البخاريّ "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لبِلالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: يا بلَالُ، حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ؛ فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ. قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ"([45]).

شرح الحديث كما جاء في موقع (الدرر السَنية) :

"في الوُضوءِ والصَّلاةِ طَهارةٌ للظاهرِ والباطنِ، وحِرصُ المسلِمِ على هاتَينِ الشَّعيرتَينِ العَظيمتَينِ طَريقٌ لعُلوِّ دَرَجتِه ومَنزلتِه في الدُّنيا والآخِرةِ. وفي هذا الحديثِ يَسأَلُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِلالَ بنَ رَباحٍ رَضيَ اللهُ عنه عن عمَلِ التطوُّعِ الذي يَرْجو أنَّه الأكثَرُ ثَوابًا مِن اللهِ تعالَى بعْدَ أنْ أسْلَمَ، ثمَّ بيَّن له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ سُؤالِه ذلك، بأنَّه سَمِع دَفَّ نَعْلَيْهِ بيْن يَدَيْه، أي: سَمِعَ صَوتَ مَشْيِه أمامَه بنَعْلَيه في الجنَّةِ، والدَّفُّ معناهُ: الحرَكةُ، وهذه شَهادةٌ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لبِلالٍ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّه مِن أهلِ الجنَّةِ، وقد سَأَلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا السُّؤالَ بعْدَ صَلاةِ الفجْرِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ ذلك وَقَعَ في رُؤيا مَنامٍ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِما في رِوايةِ مُسلمٍ([46]): «فإنِّي سَمِعْتُ اللَّيلةَ»؛ لأنَّ عادتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه كان يَقُصُّ ما رآهُ على أصحابِه بعْدَ صَلاةِ الفَجرِ، وكذلِك يقصُّ عليه أصحابُه ما رأَوْه. فأجابَ بِلالٌ رَضيَ اللهُ عنه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبيَّن له هذا العمَلَ، وهو أنَّ مِن عادتِه أنَّه لا يَتطهَّرُ طُهورًا -يَقصِدُ الوُضوءَ مِن الحدَثِ، أو الاغتسالَ ورفْعَ الجَنابةِ- في أيِّ وَقتٍ مِن لَيلٍ أو نَهارٍ؛ إلَّا صلَّى بذلك الطُّهورِ ما استطاعَ أنْ يُصلِّيَه، فبلَغَ به هذا العملُ المَبلغَ العَظيمَ الَّذي ذكَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ولعلَّ مِن الحِكمةِ في ذلِك: أنَّ الصَّلاةَ عقِبَ الطُّهورِ أقرَبُ إلى اليَقينِ في الطَّهارةِ. وفي الحديثِ: بَيانٌ لفَضيلةِ التَّنفُّلِ بالصَّلاةِ بعْدَ الوُضوءِ أو الغُسلِ. وفيه: عَظيمُ مُجازاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لعِبادِه على اليَسيرِ مِن أعمالِهِم. وفيه: مَنقبةُ بِلالٍ وفَضْلُه رَضيَ اللهُ عنه".

سادسا: الآيات التي يفهم منها عدم رجوع من مات إلى الحياة في الدنيا أي قبل يوم القيامة:

1-    يقول الله تعالى:{‏ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)} سورة الأنبياء.

التعليق:

لا حكمة من إحياء قرية أهلكها الله سبحانه وتعالى بسبب كفرها، والله تعالى لا يفعل شيئًا من غير حكمة، وإنّما قيمة الإحياء لميت؛ فهي لإثبات شيء يحتاج لمثل هذا الإحياء، كما حصل مع سيدنا إبراهيم عليه السلام مع الطير، وصاحب القرية الذي أماته الله تعالى 100 عام ثم بعثه، أو عقاب مؤقت ليس لكفر أو شرك بالله تعالى؛ ولكن لخطأ عقديّ كما فعل سبحانه وتعالى مع يهود سيدنا موسى عليه السلام بضربهم بالصاعقة حينما طلبوا رؤية الله سبحانه وتعالى، أو من قال لهم الله سبحانه وتعالى موتوا ثم أحياهم كما في سورة البقرة، أو كما فعل سيدنا عيسى عليه السلام للتدليل على نبوته، وأنه من عند الله سبحانه وتعالى.

 



[1] في كتاب (عاقبة آتهم) 1896م صفحة 105 يقول الميرزا غلام:"ولا دين لنا إلا دين الإسلام، ولا كتاب لنا إلا الفرقان كتاب الله العلام، ولا نبي لنا إلا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وبارك وجعل أعداءه من الملعونين. اشهدوا أنا نتمسك بكتاب الله القرآن، ونتبع أقوال رسول الله منبع الحق والعرفان، ونقبل ما انعقد عليه الإجماع بذلك الزمان، لا نزيد عليها ولا ننقص منها، وعليها نحيا وعليها نموت ومن زاد على هذه الشريعة مثقال ذرة أو نقص منها، أو كفر بعقيدة إجماعية، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. هذا اعتقادي، وهو مقصودي ومرادي ولا أخالف قومي في الأصول الإجماعية، وما جئتُ بمحدثات كالفرق المبتدعة، بيد أني أرسلت لتجديد الدين وإصلاح الأمة، على رأس هذه المائة، فأذكرهم بعض ما نسوا من العلوم الحكمية، والواقعات الصحيحة الأصلية. وجعلني ربي عيسى ابن مريم على طريق البروزات الروحانية لمصلحة أراد لنفع العامة، ولإتمام الحجة على الكفرة الفجرة، وليُكمل نبأه وليُنجز وعده ويتم كلمته، ويفحم قوما مجرمين".

وفي كتاب (أيام الصلح) 1899م صفحة 117.يقول الميرزا:"خلاصة القول عليكم أن تؤمنوا بجميع تلك الأمور التي أجمع عليها السلف الصالح اعتقادا وعملا، وتؤمنوا بجميع تلك الأمور التي تعد من صميم الإسلام بإجماع أهل السنة. ونحن نشهد السماء والأرض على هذا الأمر أن هذا هو مذهبنا وإن الذي يتهمنا بما يخالف هذا الدين فهو يفتري علينا متخليا عن التقوى والأمانة، وسوف نرفع الدعوى ضده يوم القيامة أنه متى شق صدرنا ورأى أنا نخالف هذه الأقوال رغم تصريحنا بها؟ ألا إن لعنة الله على الكاذبين والمفترين!".

[2] في كتاب (الرسالة)، يشير الإمام الشافعي إلى أهمية جمع النصوص وعدم الاقتصار على بعضها، لأنّ الأحكام الشرعية تستند إلى النظر في مجموع النصوص، وليس في نص منفصل عن غيره.

يقول"ينبغي أن يكون العلم بجميع الأحاديث في الباب وما ورد فيها من الآيات .".وفي كتاب (إعلام الموقعين) يشير ابن القيم إلى أن الخطأ في الفهم ينشأ غالبًا من عدم جمع النصوص، إذ يقول: "الواجب في كل مسألة أن يجمع بين نصوصها، كما يجمع بين أطراف الحديث، فإنها يفسر بعضها بعضًا". ويقول السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن)، أشار إلى أن فهم القرآن والسنة يستوجب جمع الآيات والأحاديث المتعلقة بالموضوع الواحد، لتحقيق الفهم الصحيح.

[3] كتاب (التبليغ) 1893م صفحة 13.

[4] يقصد الميرزا غلام بالتعبير "واتبع قياسًا" أي اتبع القياس العقليّ.

[5] كتاب (تحفة بغداد) 1893 م صفحة 34.

[6] كتاب (الديانة الآرية) 1895 صفحة 99.

[7] زلزلة الساعة:

‏"أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا نَزلتْ "يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ‎ ‎إِنَّ‎ ‎زَلْزَلَةَ‎ ‎السَّاعَةِ‎ ‎شَيْءٌ ‏عَظِيمٌ" ‏‏– إلى قوله – ولَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. قال : أُنزِلتْ عليه الآيةُ وهُوَ في سفَرٍ، قال : أتدْرونَ ‏أيُّ يومٍ ‏ذلِكَ ؟ قالُوا : اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ. قال : ذلِكَ يومٌ يَقولُ اللهُ لآدَمَ : ابْعثْ بعْثَ النارِ، قال : يا ‏ربِّ ! ‏وما بعْثُ النارِ ؟ قال : تِسعُمائةِ وتِسعةٌ وتِسعونَ في النارِ وواحِدٌ إلى الجنةِ، فأنْشأَ ‏المسلمُونَ ‏يبْكونَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : قارِبُوا وسَدِّدُوا‎ ‎، فإنَّها لمْ تكنْ نُبوَّةٌ قَطُّ؛ ‏إلَّا كان بيْنَ ‏يديْها جاهليةٌ. قال : فيُؤخَذُ العددُ من الجاهِليةِ فإنْ تَمَّتْ؛ وإلّا كمُلَتْ من المنافِقينَ. وما ‏مَثلُكمْ ‏والأُمَمُ؛ إلَّا كمَثَلِ‎ ‎الرَّقْمَةِ‎ ‎في ذِراعِ الدَّابَّةِ، أو كالشَّامَةِ في جَنْبِ البَعيرِ ثمَّ قال : إنِّي لأرْجُو ‏أنْ ‏تَكونُوا رُبعَ أهلِ الجنةِ. فكَبَّرُوا ! ثمَّ قال : إنِّي لأرْجُو أنْ تَكونُوا ثُلثَ أهْلِ الجنةِ. فكَبَّرُوا ! ثمَّ ‏قال : ‏إنِّي لأرْجُو أنْ تَكونُوا نِصفَ أهلِ الجنةِ. فكبَّرُوا ! قال : ولا أدْرِي ؟ قال : الثُّلُثّيْنِ أمْ لا ؟"‏

الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم : 3168 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح.

‏"يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ يَومَ القِيامَةِ: يا آدَمُ، يقولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيُنادَى بصَوْتٍ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ ‏أنْ ‏تُخْرِجَ مِن ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إلى النَّارِ، قالَ: يا رَبِّ وما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ - أُراهُ قالَ - ‏تِسْعَ ‏مِئَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الحامِلُ حَمْلَها، ويَشِيبُ الوَلِيدُ، وتَرَى النَّاسَ سُكارَى وما ‏هُمْ ‏بسُكارَى، ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فَشَقَّ ذلكَ علَى النَّاسِ حتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ، فقالَ النبيُّ صَلَّى ‏اللهُ ‏عليه وسلَّمَ: مِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ تِسْعَ مِئَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، ومِنكُم واحِدٌ، ثُمَّ أنتُمْ في النَّاسِ ‏كالشَّعْرَةِ ‏السَّوْداءِ في جَنْبِ الثَّوْرِ الأبْيَضِ - أوْ كالشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في جَنْبِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ - وإنِّي ‏لَأَرْجُو أنْ ‏تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ ‏فَكَبَّرْنا. ‏وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية (سكرى وما هم بسكرى‏)"‏

الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري‏، الصفحة أو الرقم : 4741 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

[8] يقول الله تعالى:{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (87) سورة النمل.

يقول القرطبي:‏

‏"...... ثم اخْتُلِفَ فِي هَذَا ‏الْمُسْتَثْنَى مَنْ هُمْ. فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّهُمُ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ إِنَّمَا يَصِلُ ‏الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمُ الشُّهَدَاءُ مُتَقَلِّدُو السُّيُوفَ حَوْلَ ‏الْعَرْشِ وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الْأَنْبِيَاءُ دَاخِلُونَ فِي جُمْلَتِهِمْ، لِأَنَّ لَهُمُ الشَّهَادَةَ مَعَ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ: ‏الْمَلَائِكَةُ. قَالَ الْحَسَنُ: اسْتَثْنَى طَوَائِفَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَمُوتُونَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: ‏يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: الْحُورُ الْعِينُ. وَقِيلَ: هُمُ ‏الْمُؤْمِنُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عَقِبَ هَذَا:" مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ ‏يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ". وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي تَعْيِينِهِمْ خَبَرٌ صَحِيحٌ ‏وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ. قُلْتُ: خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ(*) وَقَدْ صَحَّحَهُ القاضي أبو بكر ‏الْعَرَبِيِّ فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي التَّعْيِينِ وَغَيْرُهُ اجْتِهَادٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.‏

(*) هذا هو نص الحديث الذي أشار إليه القرطبي:

"... ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم : والموتَى لا يعلمونَ ‏شيئًا من ذلك قلتُ : يا رسولَ اللهِ فمن استثنَى اللهُ عزَّ وجلَّ، حين يقولُ‎ ‎‎{فَفَزِعَ‎ ‎مَنْ‎ ‎فِي‎ ‎السَّمَاوَاتِ‎ ‎وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } ؟ قال : أولئك هم ‏الشهداءُ عند ربِّهم يُرزقونَ إنما يصلُ الفزعُ إلى الأحياءِ، يقيهمُ اللهُ شرَّ ذلك اليومِ ‏ويؤمِّنَهم منه وهو عذابٌ يلقيهِ اللهُ على شرارِ خلقِه، وهو الذي يقولُ اللهُ تعالى : { يَا ‏أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ‎ ‎إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } أي شديدٌ فتمكثونَ في ذلك ما ‏شاء اللهُ إلا أنه يطولُ عليهم كأطوَلِ يومٍ، ثمَّ يأمرُ اللهُ إسرافيلَ فينفخُ نفخةَ الصعقِ".

الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن العربي | المصدر : التذكرة للقرطبي، الصفحة أو الرقم : 194 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

[9] كتاب (إزالة الأوهام) 1891م صفحة 305.‏

[10] يشير الميرزا غلام إلى الآيات التالية:

·     يقول الله تعالى:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)} سورة الشعراء.

·     ويقول الله تعالى:{‏قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} سورة ق.

وسيتم مناقشة كل الأدلة التي استند إليها الميرزا غلام بعد الانتهاء من سردها.

[11] يقول المترجم للكتاب في الحاشية:" يبدو أن المسيح الموعود - عليه السلام - قد ذكر الحديث بالمعنى هنا، ولعل أقرب حديث لهذا المعنى هو قوله - صلى الله عليه وسلم -:"مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ" (مسند أحمد). (المترجم).

[12] سورة المائدة الآية 3.

[13] يقر الميرزا غلام أنّ تفسير سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم لآيات القرآن الكريم مقدم على أي تفسير لغيره.

في كتاب (الديانة الآرية) 1895 صفحة 99 ويقول:" وينبغي أن يتذكروا أن التفسير بالرأي في ديننا معصيةٌ عظيمة، فحين يريدون أن يفسروا القرآن الكريم فيجب أن تؤيد تفسيرَهم الآياتُ الأخرى من القرآن الكريم وتشرحه ولا تعارضه وتناقضه، لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك حديث صحيح مرفوع متصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسِّرًا لذلك التفسير، لأن النبيّ المقدس الكامل الذي نزل عليه القرآن الكريم هو أعلم بمعاني القرآن الكريم. باختصار هذا هو الطريق الأتم والأكمل لتفسير القرآن الكريم، لكن إذا لم يتوفر أيّ حديث صحيح مرفوع متصل فأدنى استدلال أن تفسر آية من آيات القرآن الكريم في ضوء الآيات البينات الأخرى. أما إذا فسر أحدٌ بحسب ظنه ورأيه دون الالتزام بهذين الشرطين فمرفوضٌ وباطل تماما، فلو التزم القس عماد الدين هذا الطريق لما هلك نفسُه ولما تسبب في هلاك الآخرين".

[14] وهذا الاقرار يلزم الميرزا وأتباعه في حال تأويل الآيات لغير المعنى الظاهر الحرفي، أن يأتوا بأدلة قطعية على لزوم التأويل للآيات، وإلا لكانوا كما قال الميرزا بشبهون اليهود في تفسيرهم لنصوص التوراة.

[15] يقول الله تعالى:{‏أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(259) سورة البقرة.

[16] نقلت لكم النص بتمامه بالرغم من طوله للإلمام التام بكل حجج الميرزا غلام.

[17] كتاب (حمامة البشرى) 1894 صفحة 101‏.

[18] قول الميرزا غلام باللعنة الأبدية، يعارض عقيدته التي صرح بها في الكثير من كتبه أنّ كل أهل النار سواء أكانوا كفارًا أو كانوا منافقين سوف يخرجون منها ليدخلهم الله سبحانه وتعالى الجنة، كما في كتاب (عاقبة أتهم) 1896م صفحة 92.

[19] وهل ديننا يستلزم أن يكون بما نحب ونرضى، أم بما ورد في الشرع بنصوص قطعية؟

[20] هذا نص للميرزا غلام في طرق درا الخلاف والتعارض الذي قد يُتوهم للبعض:

في كتاب (ينبوع المعرفة) 1908م صفحة 186 يقول الميرزا غلام:"والعلامة الأخرى التي بينها المحاضر للكتاب الموحى به هي ألا يكون فيه اختلاف. نحن نقبل أنها علامة ضرورية فعلا للكتاب الموحى به لأنه إذا وجد في الكلام فيه تناقض، وكان تناقضا في الحقيقة بحسب قواعد المنطق المعروفة، فلا يجوز نسب ذلك البيان إلى عالم الغيب البريء من كل خطأ وعيب ونقيصة، لأن التناقض يستلزم أن يكون أحد الأمرين المتناقضين كذبا أو خطأ، والله أعلى وأسمى من منقصة كلا النوعين ولكن بعض الأغبياء لقصور نظرهم وحمقهم يرون أيضا تناقضا في أمور ليس فيها أدنى تناقض فمثلا إذا قيل: زيد‎ ‎ميت‎ ‎أي ميت روحانيا، ثم إذا قيل: زيد حي أي حي جسديا فلا تناقض ولا ‏تعارض بين هذين القولين لأنهما من منطلق مختلف. كذلك إذا قيل بأن زيد بن خالد رجل شرير ‏جدا، ثم قيل: زيد بن وليد رجل صالح وطيب فلا تعارض ولا تناقض في ذلك أيضا لأن اللذين ‏ذكرت سوانحهما رجلان مختلفان. كذلك إذا قيل: إن زيدا كان في الفلاة صباحا ثم قيل: إن زيدا ‏كان في البيت مساء فلا تناقض في هذين القولين أيضا لأنهما يذكران وقتين مختلفين. وكذلك إن ‏قيل: إن زيدا لم يسافر إلى بغداد قط، ثم إذا قيل: إن زيدا سافر إلى دمشق، فلا تعارض ولا تناقض ‏في القولين أيضا لأنهما مكانان مختلفان. كذلك القول بأني سأعطي زيدا روبيتين أجرةً بشرط أن ‏يعمل لي طول النهار ؛ ثم القول بأني سأعطيه نصف روبية أجرة إن عمل لي جزءا من النهار فلا ‏تعارض ولا تناقض في ذلك أيضا لأن الشروط تختلف باختصار، ما لم توجد الوحدة في الأمور ‏المذكورة كلها وكان البيانان خاليين من كل نوع من التفريق في الزمان والمكان، فلا يقال بأنهما ‏متناقضان.‏".‏

[21] يعلق الناشر بقوله:(سهو، والصحيح: "تفارقانهم").‏

[22] بيان القيمة العلمية لكتاب (تاج العروس) عند الميرزا غلام: في كتاب (ترياق القلوب) 1899م صفحة 208، يمدح الميرزا غلام قاموس (تاج العروس) بقوله:"...فتعني أنه قد أثبتت براءتي ونزاهتي. انظروا "لسان العرب" وتاج العروس وغيرهما من المعاجم العربية المفصّلة التي فصلت فيها معاني "البراءة" بتصريفات مختلفة..."، كما استخدم الميرزا غلام ما جاء في هذا القاموس في الكثير من النصوص في كتبه.

[23] يقول الميرزا غلام في كتاب (التحفة الجلوروية) 1902م صفحة 88.بخصوص ‏أولوية العمل بالظاهر في النصوص القرآنية والحديثية:"...والعبارة تجدر أن تُحمل على ظاهرها قبل وجود قرينة، وإلا عُد تحريفا كتحريف اليهود. باختصار؛ إن القول بأن عیسی عليه السلام بعد التزول يرتدي زي المسلمين ويُدعى فردا من الأمة، تأويل غير عقلاني ويتطلب دلائل قوية. فمن حق جميع النصوص الحديثية والقرآنية أن تُفسَّر نظرا لظاهر الكلمات ويُحكم عليها بحسب الظاهر إلا أن تنشأ قرينة صارفة. ودون القرينة الصارفة القوية يجب أن لا تفسر خلافا للظاهر.".

[24] في كتاب (سر الخلافة) 1894م صفحة 74  يقول الميرزا:"ألا تعرف كيف أنّب الله يهود زمان ‏خاتم النبيّين، وخاطبهم وقال بقول صريح مبين: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ ‏فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ‏‏* ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ ‏تَهْتَدُونَ..... وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نؤْمِنَ لَكَ حتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ‏‏* ثُم بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ‏كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (سورة البقرة). هذا ما جاء ‏في القرآن وتقرؤونه في كتاب الله الفرقان، مع أن ظاهر صورة هذا البيان يُخالف أصل الواقعة، ‏وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فإن الله ما فَرَقَ بيهودِ زمانِ نبيّنا بحرًا من البحار، وما أغرق آل ‏فرعون أمام أعين تلك الأشرار، وما كانوا موجودين عند تلك الأخطار، وما اتخذوا العجل وما ‏كانوا في ذلك الوقت حاضرين، وما قالوا يا موسى لن نؤمن حتى نرى الله جهرة بل ما كان لهم ‏في زمان موسى أثرًا (2) وتذكرة، وكانوا معدومين، فكيف أخذتهم الصاعقة، وكيف بُعِثوا من ‏بعد الموت وفارقوا الحِمام؟ وكيف ظلل الله عليهم الغمام؟ وكيف أكلوا المن والسلوى، ونجّاهم ‏الله من البلوى، وما كانوا موجودين، بل وُلدُوا بعد قرون متطاولة وأزمنة بعيدة مبعدة، ولا تزر ‏وازرة وزر أخرى، والله لا يأخذ رجلًا مكان رجل وهو أعدل العادلين، فالسرّ فيه أن الله أقامهم ‏مقام آبائهم لمناسبةٍ كانت في آرائهم، وسماهم بتسمية أسلافهم وجعلهم وُرثاء أوصافهم، وكذلك ‏استمرت سُنة رب العالمين".‏

وللعلم لم يأتِ ذكر لكلمة "الحِمام" في كل كتب الميرزا غلام إلا بمعنى الموت.

[25] يقول الله تعالى:{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) سورة البقرة.

[26] موضوع فناء النار بعد احقاب من الزمان، ثم إدخال كل من فيها الجنة مذكور في كتاب الميرزا غلام (عاقبة أتهم) 1896م صفحة 92.

[27] الميرزا غلام كما في كتابه (الديانة الآرية) 1895 صفحة 99 ينكر التفسير بالرأي، ويقر بضرورة تفسير الآيات بآيات من القرآن الكريم، أو أحاديث سيدنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم المتصلة الصحيحة المرفوعة.

[28] يقول الله تعالى:{‏وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} سورة النجم.

[29] ‏"أن مسروق بن الأجدع قال:سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عن ‏هذِه ‏الآيَةِ: ‏‏{وَلَا َتحْسَبَنَّ ‏الَّذِينَ‎ ‎قُتِلُوا‎ ‎فِي‎ ‎سَبِيلِ‎ ‎اللَّهِ‎ ‎أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ‏يُرْزَقُونَ} ‏‏[آل ‏عمران: 169]، قالَ: أَمَا إنَّا قدْ ‏سَأَلْنَا عن ذلكَ، فَقالَ: أَرْوَاحُهُمْ في ‏جَوْفِ ‏طَيْرٍ ‏خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ ‏حَيْثُ شَاءَتْ، ‏ثُمَّ‎ ‎تَأْوِي‎ ‎إلى ‏تِلكَ ‏القَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إليهِم رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً، فَقالَ: هلْ تَشْتَهُونَ شيئًا؟ ‏قالوا: ‏أَيَّ شَيءٍ ‏نَشْتَهِي ‏وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذلكَ بهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ‏فَلَ مَّا رَأَوْا ‏أنَّهُمْ ‏لَنْ ‏يُتْرَكُوا مِن أَنْ يُسْأَلُوا، قالوا: يا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا في ‏أَجْسَادِنَا حتَّى ‏نُقْتَلَ ‏في سَبيلِكَ مَرَّةً ‏أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ ليسَ لهمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا"‏.

الراوي : [عبدالله بن مسعود] | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم‏ ، الصفحة أو الرقم : 1887 | خلاصة حكم المحدث :[صحيح].

شرح الحديث كما ورد في موقع (الدرر السَنية) :‏

بيَّن الشَّرعُ فَضيلةَ الجِهادِ وعَظيمَ أجْرِ المجاهِدِين في سَبيلِ اللهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ‏وأنَّ للشُّهداءِ ‏مَكانةً عَظيمةً عِندَ اللهِ سُبحانه وتَعالَى، ويُكرَّمون بَدْءًا مِن سَيلانِ أوَّلِ ‏قَطرةٍ مِن دِمائِهم، ثمَّ دَفْنِ ‏أجسادِهم وصُعودِ أرواحِهم ودُخولِهم الجنَّةَ. ‏

وفي هذا الحديثِ يَرْوي مَسْرُوقُ بنُ الأجدعِ أنَّهم سَأَلوا عبدَ الله بنَ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ ‏عنه عن آيةِ: ‏‏{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ‏يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، ‏فقال ابنُ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عنه: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا»، ‏أي: رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «عن ‏ذلك»، أي: عن معنى هذه الآيَةِ، فأخبَرَ ‏النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أرواحَ الشُّهداءِ تكونُ في ‏أجوافِ طَيرٍ لَونُها أخضَرُ، ‏وجُعِل لتلكَ الطَّيرِ قَناديلُ، جمْعُ قِنديلٍ، والمرادُ به: أعشاشُ ومَنازِلُ ‏لتلكَ الطُّيورِ، ‏والمرادُ بالعَرشِ، والعَرْشُ: عرْشُ الرَّحمنِ الَّذي استوَى عليه جلَّ جَلالُه، وهو ‏أعْلَى ‏المَخلوقاتِ وأكبرُها وأعظمُها، فتَسرَحُ الطيور وتَرْعَى وتَتنَاوَلُ مِنَ الجنَّةِ، ‏ومِن ثَمَراتِها ولَذَّاتِها ‏حيثُ شاءت، ثُمَّ تَرْجِعُ إلى تلك القَنادِيلِ، فتَسْتَقِرُّ فيها، «فاطَّلَعَ ‏إليهم ربُّهم اطِّلاعَةً»، وأصلُ ‏الاطِّلاعُ: البُدُوُّ والظُّهورُ مِن عُلُوٍّ، وصِفَةُ الاطِّلاعِ للهِ ‏سُبحانه وتَعالَى تَلِيقُ بجَلالِه وكَمالِه ولا تُشبِهُ ‏اطِّلاعَ المَخلُوقِينَ، فقال: «هلْ تَشْتَهُونَ ‏شيئًا؟» وهو أعلَمُ بهم، وهذا السُّؤالُ مُبالَغةٌ في إكرامِهِم ‏وإنعامِهِم، «قالوا: أيَّ شَيءٍ ‏نَشتهِي ونَحْنُ نَسْرَحُ مِن الجنَّةِ حيثُ شِئنا؟» أي: إنَّ النَّعيمَ الَّذي هُم ‏فيه لا يُدرَكُ مِن ‏وَرائهِ نَعيمٌ آخَرُ، فهُم في الجنَّةِ يَأكُلون ويَتمتَّعون على كلِّ حالٍ وفي أيِّ ‏وَقتٍ، ‏فسَأَلهم ربُّهم سُبحانه وتَعالَى هذا السُّؤالَ ثَلاثَ مرَّاتٍ، وفي كلِّ مرَّةٍ يَعرِضُ ‏عليهم أنْ يَطلُبوا ما ‏يَشْتَهونه حتَّى يُلبِّيَه لهم ويَمنَحَهم إيَّاه، فلمَّا رَأَوْا أنَّه عزَّ وجلَّ لن ‏يَترُكَ سُؤالَهم، قالوا: «يا رَبِّ، ‏نُرِيدُ أنْ تَرُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا»، الأُولَى: حتَّى ‏نُقتَلَ -أي: نُسْتَشْهَدَ- في سَبِيلِكَ مرَّةً أُخرَى، فلا ‏يَبقَى لهم مُتَمَنًّى ولا مَطْلَبٌ، غيرَ أنْ ‏يَرجِعوا إلى الدُّنيا فيُستَشْهَدُوا ثانيًا؛ لِمَا رَأَوْا بِسَبَبِه مِنَ ‏الشَّرَفِ والكرامةِ، وسَأَلهم ‏سُبحانه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وكان جَوابُهم واحدًا، فلمَّا عَلِمَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ ‏ليْس لهم حاجةٌ ‏مِن الدُّنيا تَرَكَهم ولم يَسأَلْهم: هلْ تَشْتهون شيئًا؟ وتَرَك سُبحانه وتَعالَى السُّؤالَ؛ ‏لأنَّه ‏تَعالَى أراد ما يَشْتَهونه في عالَمِ الجنَّةِ، لا في عالَمِ الدُّنيا. وفي الحديثِ: فضلُ ‏الجهادِ والشَّهادَةِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وفيه: أنَّ أرواحَ الشُّهدَاءِ تُنعَّمُ في الجنَّةَ قبْلَ ‏يومِ القيامةِ. وفيه: ثُبوتُ الرُّوحِ وبَقاؤُها بعدَ فَناءِ الأبدانِ. وفيه: تفسيرُ قولِه تَعالَى: ‏‏{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ‏مِن سُورةِ ‏آل عِمْرانَ.".

[30] في كتاب (شبهات وردود) الأحمدي يذكرون اعتراضًا ممن يخالفهم ثم يجيبون على هذا الاعتراض، وسنرى النص من بشير الدين محمود الذي يصرح فيه بالاختلافات الجوهرية بين الأحمديين وبين المسلمين :"الاعتراض: هل قال الخليفة الثاني: إننا نخالف المسلمين في كل شيء: في الله، في الرسول، في القرآن، في الصلاة، في الصوم في الحج، في الزكاة، وبيننا وبينهم خلاف جوهري في كل ذلك (صحيفة الفضل في 30-7-1931). الرد: هذه العبارة قيلت في سياق الردّ على أحمدي قال بأنه لا فرق كبيرًا بيننا وبين غيرنا من المسلمين، فما دمنا جميعا نؤمن بالله ورسوله وكتابه وما دمنا نصلي الصلوات ذاتها ونصوم رمضان نفسه ونحج الكعبة نفسها ونزكي بنفس الطريقة، فليس هنالك فرق كبير. وهذا الأحمدي يتحدث في سياق أن المسيح الموعود عليه السلام  لم يبتدع دينا جديدا، بل لم يأتِ بحكم جديد. ورغم أن هذا القول صحيح من باب، لكنه ليس صحيحا من باب آخر، ذلك أن المسيح الموعود عليه السلام  قد فند كثيرا من الأخطاء التي وقع فيها المسلمون عبر تاريخهم، فكأن كل شيء قد صار عندهم خاطئا ولا علاقة له بالإسلام، وكأن المسيح الموعود عليه السلام  قد جاء بالإسلام مرة أخرى فهنا صحح الخليفة الثاني هذا الفهم الخاطئ، ذلك أن الخلاف بيننا وبين غيرنا من المسلمين كبير جدا، فتصورهم عن الله فيه خطأ كبير، فهو عندهم لم يعد يتكلم، ولم يعد يستجيب الدعاء، وفي عقائدهم تشبيه وتجسيم، ويظنون بالله ظن السوء، حيث يرى كثير منهم أنه يعمل على إضلال الناس، وإلا فكيف يعطي الدجال معجزات كبيرة، بحيث يحيي الموتى وينزل المطر؟ ونحن نخالفهم في الرسول؛ فهو عندنا آخر نبي تشريعي ولن يأتي أي نبي يستدرك عليه، بينما يؤمنون هم أن عيسى عليه السلام  سينزل لينسخ الحرية الدينية.. وبينما نؤمن نحن أن فيوض النبي ﷺ مستمرة إلى يوم القيامة، يرون هم أنه صلى الله عليه وسلم  لم ينجح في ذلك، لذا سيبعث الله نبيا من أمة أخرى لإصلاح أمة القرآن. ونحن نخالفهم في القرآن الكريم؛ فهو عندهم يحوي ثلاث أنواع من النسخ، بينما عندنا منزه عن ذلك كله وجوهر صلاتنا هو الخشوع والدعاء والتذلل إلى الله تعالى وليس مجرد حركات روتينية. وصلاتنا وصيامنا ينهياننا عن الفحشاء والمنكر. فرغم أن الصلاة والصوم والحج والزكاة تتشابه مع صلاتهم وصيامهم وحجهم وزكاتهم من ناحية شكلية، لكن المضمون فيه اختلاف جوهري".

ولقد ذكرت في الباب الأول نصًا للحكيم نور الدين الخليفة الأحمدي الأول في تكفيره لمن لا يؤمن بالميرزا غلام نبيًّا، وقد جاء فيه إقراره بالاختلافات الأساسية بين الأحمديين والمسلمين، وهذا هو النص كما جاء في كتاب (نور الدين) تأليف مُحَمَّد ظفر الله خان، في صفحة 280، حيث ينقل المؤلف إجابة نور الدين على سؤال بخصوص الاختلافات بين الأحمديين وغيرهم من المسلمين، يقول:"وفي 27 فبراير (شباط) 1911م استفسر أحد الأشخاص من حضرة خليفة المسيح عما إذا كان الاختلاف العقدي بين الأحمديين وغير الأحمديين هو خلاف في الأساس أو في التفصيل. فقال:"إنه من غير الصحيح القول بأن هذا الخلاف في التفصيل. صحيح أننا نؤدي الصلاة كما يؤدونها، وليس هناك أي فروق فيما يتعلق بالزكاة والحج والصيام، ولكني أعتبر أننا نختلف في الأساس، ويمكن شرح ذلك الأمر على الوجه التالي. إن الدين يتطلب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره واليوم الآخر. ويزعم معارضوننا أنهم يؤمنون أيضًا بكل هذه الأمور، ولكن هنا يبدأ الخلاف. فلا أحد يعتبر من المؤمنين ما لم يؤمن برسل الله تعالى، أي بجميع الرسل دون أي تفرقة بينهم فيما يختص بالزمان أو بالمكان، فإن رفض المبعوث من لدن الله تعالى يصم الإنسان بالكفر. ومعارضوننا يرفضون قبول دعوى حضرة الميرزا المحترم بأنه مبعوث من الله تعالى، وهذا أمر لا يُعتبر من التفاصيل، إذ يقول القرآن المجيد:"لا نفرق بين أحد من رسله" (البقرة: 268). إن رفض الإيمان بالمسيح الموعود يُعتبر تفريقا بين الرسل. ونحن نؤمن بأن الرسول ﷺ خاتم النبيين، كما جاء ذلك في الكتاب العزيز بسورة الأحزاب، ونؤمن أن كل من لا يعتبره كذلك فإنه لا يكون من المؤمنين. ولكننا نختلف مع معارضينا على معنى تعبير "خاتم النبيين"، غير أن هذا الخلاف لا علاقة له بقوله لا نفرق بين أحد من رسله. وعلى هذا فإني أعتبر أن هناك خلافا في الأساس وليس في التفاصيل بيننا وبين غير الأحمديين".

[31] يرى الميرزا غلام أنّ الإمام فخر الدين الرازي من المجددين.

[32] وقد فسر الميرزا غلام التوفي في وحيه من ربه يلاش العاج لآية هي نفس آية توفي سيدنا عيسى عليه السلام في القرآن الكريم:

في كتاب (البراهين الأحمدية) 1884م الجزء الرابع صفحة 608.يقول الميرزا غلام:" ثم تلقيتُ بعد ذلك إلهاما: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذِينَ ‏كَفَرُوا، وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ‏وَتُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِيْنَ. أَيْ: يا عيسى‎ ‎سأعطيك‎ ‎أجرًا‎ ‎كاملا، أو أميتُك، وأرفعك إلي، ‏أي: سأرفع درجاتك، أو سأرفعك إلي من الدنيا، وسأجعل أتباعك غالبين على ‏المنكرين إلى يوم القيامة، أي سأجعل الذين يتبعون عقيدتك وطريقتك غالبين على ‏المنكرين بالحجة والبرهان والبركات إلى يوم القيامة. هناك فئة من الأولين وهناك ‏فئة من هنا الآخرين. المراد من عيسى هو أنا العبد المتواضع".

وحينما قال الميرزا غلام بهذا التفسير كان يؤمن بحياة حقيقية لسيدنا عيسى عليه السلام في السماء كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة كما في كتابه (البراهين الأحمدية) 1884م الجزء الرابع صفحة 502، 573، 579، ثم بعد ذلك ارتد على تفسيره هذا للتوفي، وذلك حتى يحصر معنى التوفي في الآية بمعني الموت لسيدنا عيسى عليه السلام، ولكن في الحقيقة كما سنرى أنّ التوفي يكون بالأخذ التام أو بالإعطاء التام.

[33] الآيات ‏

‏1-‏   يقول الله تعالى:{ قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم} (التوبة:53).‏

الله تعالى لا يأمر الناس بأمر، وهو عز وجل لن يتقبله منهم، ولذلك كان المقصود من الأمر للمنافقين ‏الذين في قلوبهم مرض الإخبار بأنّ إنفاقهم سواء طوعًا او كرهًا لا قيمة له، ولن يتقبله الله تعالى ‏منهم ‏

‏2-‏   يقول الله تعالى:{ سيروا فيها ليالي وأياما آمنين} (سبأ:18).‏

فهذا إخبار وليس أمر من الله سبحانه وتعالى.‏

‏3-‏   يقول الله تعالى:{ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سورة فصلت 40).‏

حيث يُفهم هنا الأمر ‏"اعملوا" ليس كطلب، بل كتهديد ووعيد، كأن الله يقول: "افعلوا ما شئتم ‏وستحاسبون.

‏4-‏   يقول الله تعالى:{ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (سورة إبراهيم 30)‏.

حيث الأمر بالتمتع هنا ليس حثًّا على الفعل، بل هو تحذير وتوبيخ لمن يُعرض عن الحق.

[34] القرطبي وابن كثير وفخر الدين الرازي من المجددين بحسب ما جاء في كتاب (عسل مصفى) تأليف (خدا بخش)؛ أحد العلماء الاحمديين من أصحاب الميرزا غلام، وقد ورد فيه إقرار الميرزا غلام بما في الكتاب.

[35] الكتاب : الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل، المؤلف : العلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى ( 467 ـ 538 هـ )، القرن : السادس، الناشر : دار الكتاب العربي ـ بيروت، سنة الطبع : 1407 هـ، عدد الأجزاء : 4.

[36] الكتاب: التفسير المظهري، المؤلف: المظهري، محمد ثناء الله، المحقق: غلام نبي التونسي، الناشر: مكتبة الرشدية – الباكستان، الطبعة: 1412 هـ

وقد وثقه عالم الأحمدية (محمد أحسن الأمروهي)، كما جاء في كتاب (مناظرة دلهي) 1892م صفحة 321، حيث ذكر أنه موثوق به.

[37] كتاب (التفسير الكبير) ج 10 سورة الماعون صفحة 260.

[38] سورة الأنعام.

[39] سورة يونس.

[40] الحديث الأول:

‏"جاء رجُلٌ مِن الأنصارِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللهِ كلماتٌ أسأَلُ عنهنَّ ‏قال : ( اجلِسْ ) وجاء رجُلٌ مِن ثَقيفٍ فقال : يا رسولَ اللهِ كلماتٌ أسأَلُ عنهنَّ فقال صلَّى اللهُ عليه ‏وسلَّم : ( سبَقكَ الأنصاريُّ ) فقال الأنصاريُّ : إنَّه رجُلٌ غريبٌ وإنَّ للغريبِ حقًّا فابدَأْ به فأقبَل ‏على الثَّقَفيِّ فقال : ( إنْ شِئْتَ أجبَتْكُ عمَّا كُنْتَ تسأَلُ وإنْ شِئْتَ سأَلْتَني وأُخبِرُكَ ) فقال : يا رسولَ ‏اللهِ بل أجِبْني عمَّا كُنْتُ أسأَلُكَ قال : ( جِئْتَ تسأَلُني عنِ الرُّكوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والصَّومِ ) فقال ‏‏: لا والَّذي بعَثك بالحقِّ ما أخطَأْتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا قال : ( فإذا ركَعْتَ فضَعْ راحتَيْكَ على ‏رُكبَتْيكَ ثمَّ فرِّجْ بَيْنَ أصابعِكَ ثمَّ امكُثْ حتَّى يأخُذَ كلُّ عضوٍ مأخَذَه وإذا سجَدْتَ فمَكِّنْ جبهتَكَ ولا ‏تنقُرْ نَقْرًا وصَلِّ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه ) فقال : يا نَبيَّ اللهِ فإنْ أنا صلَّيْتُ بَيْنَهما ؟ قال : ( فأنتَ إذًا ‏مُصلِّي وصُمْ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثَ عَشْرةَ وأربعَ عَشْرةَ وخمسَ عَشْرةَ ) فقام الثَّقفيُّ ثمَّ أقبَل على ‏الأنصاريِّ فقال : ( إنْ شِئْتَ أخبَرْتُكَ عمَّا جِئْتَ تسأَلُ وإنْ شِئْتَ سأَلْتَني فأُخبِرُكَ ) فقال : لا يا ‏نَبيَّ اللهِ أخبِرْني عمَّا جِئْتُ أسأَلُكَ قال : ( جِئْتَ تسأَلُني عنِ الحاجِّ ما له حينَ يخرُجُ مِن بيتِه وما ‏له حينَ يقومُ بعرَفاتٍ وما له حينَ يرمي الجِمارَ وما له حينَ يحلِقُ رأسَه وما له حينَ يقضي آخِرَ ‏طوافٍ بالبيتِ ) فقال : يا نَبيَّ اللهِ والَّذي بعَثك بالحقِّ ما أخطَأْتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا قال : ( ‏فإنَّ له حينَ يخرُجُ مِن بيتِه أنَّ راحلتَه لا تخطو خُطوةً إلَّا كُتِب له بها حَسنةٌ أو حُطَّت عنه بها ‏خطيئةٌ فإذا وقَف بعرَفةَ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا فيقولُ : انظُروا إلى عبادي شُعْثًا ‏غُبْرًا اشهَدوا أنِّي قد غفَرْتُ لهم ذُنوبَهم وإنْ كان عدَدَ قَطْرِ السَّماءِ ورَمْلِ عالجٍ وإذا رمى الجِمارَ ‏لا يدري أحَدٌ ما له حتَّى يُوفَّاه يومَ القيامةِ وإذا حلَق رأسَه فله بكلِّ شَعرةٍ سقَطَتْ مِن رأسِه نورٌ ‏يومَ القيامةِ وإذا قضى آخِرَ طوافِه بالبيتِ خرَج مِن ذنوبِه كيومَ ولَدَتْه أُمُّه )‏

الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم : 1887 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه‏، التخريج : أخرجه عبدالرزاق (8830)، والبزار (6177)، والطبراني (12/425) (13566) ‏باختلاف يسير.

الحديث الثاني:

‏" جاء رجُلٌ مِن الأنصارِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللهِ كلماتٌ أسأَلُ عنهنَّ ‏قال : ( اجلِسْ ) وجاء رجُلٌ مِن ثَقيفٍ فقال : يا رسولَ اللهِ كلماتٌ أسأَلُ عنهنَّ فقال صلَّى اللهُ عليه ‏وسلَّم : ( سبَقكَ الأنصاريُّ ) فقال الأنصاريُّ : إنَّه رجُلٌ غريبٌ وإنَّ للغريبِ حقًّا فابدَأْ به فأقبَل ‏على الثَّقَفيِّ فقال : ( إنْ شِئْتَ أجبَتْكُ عمَّا كُنْتَ تسأَلُ وإنْ شِئْتَ سأَلْتَني وأُخبِرُكَ ) فقال : يا رسولَ ‏اللهِ بل أجِبْني عمَّا كُنْتُ أسأَلُكَ قال : ( جِئْتَ تسأَلُني عنِ الرُّكوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والصَّومِ ) فقال ‏‏: لا والَّذي بعَثك بالحقِّ ما أخطَأْتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا قال : ( فإذا ركَعْتَ فضَعْ راحتَيْكَ على ‏رُكبَتْيكَ ثمَّ فرِّجْ بَيْنَ أصابعِكَ ثمَّ امكُثْ حتَّى يأخُذَ كلُّ عضوٍ مأخَذَه وإذا سجَدْتَ فمَكِّنْ جبهتَكَ ولا ‏تنقُرْ نَقْرًا وصَلِّ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه ) فقال : يا نَبيَّ اللهِ فإنْ أنا صلَّيْتُ بَيْنَهما ؟ قال : ( فأنتَ إذًا ‏مُصلِّي وصُمْ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثَ عَشْرةَ وأربعَ عَشْرةَ وخمسَ عَشْرةَ ) فقام الثَّقفيُّ ثمَّ أقبَل على ‏الأنصاريِّ فقال : ( إنْ شِئْتَ أخبَرْتُكَ عمَّا جِئْتَ تسأَلُ وإنْ شِئْتَ سأَلْتَني فأُخبِرُكَ ) فقال : لا يا ‏نَبيَّ اللهِ أخبِرْني عمَّا جِئْتُ أسأَلُكَ قال : ( جِئْتَ تسأَلُني عنِ الحاجِّ ما له حينَ يخرُجُ مِن بيتِه وما ‏له حينَ يقومُ بعرَفاتٍ وما له حينَ يرمي الجِمارَ وما له حينَ يحلِقُ رأسَه وما له حينَ يقضي آخِرَ ‏طوافٍ بالبيتِ ) فقال : يا نَبيَّ اللهِ والَّذي بعَثك بالحقِّ ما أخطَأْتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا قال : ( ‏فإنَّ له حينَ يخرُجُ مِن بيتِه أنَّ راحلتَه لا تخطو خُطوةً إلَّا كُتِب له بها حَسنةٌ أو حُطَّت عنه بها ‏خطيئةٌ فإذا وقَف بعرَفةَ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا فيقولُ : انظُروا إلى عبادي شُعْثًا ‏غُبْرًا اشهَدوا أنِّي قد غفَرْتُ لهم ذُنوبَهم وإنْ كان عدَدَ قَطْرِ السَّماءِ ورَمْلِ عالجٍ وإذا رمى الجِمارَ ‏لا يدري أحَدٌ ما له حتَّى يُوفَّاه يومَ القيامةِ وإذا حلَق رأسَه فله بكلِّ شَعرةٍ سقَطَتْ مِن رأسِه نورٌ ‏يومَ القيامةِ وإذا قضى آخِرَ طوافِه بالبيتِ خرَج مِن ذنوبِه كيومَ ولَدَتْه أُمُّه )‏

الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم : 1887 | خلاصة حكم المحدث : إسناده ضعيف | أحاديث مشابهة‏، التخريج : أخرجه عبدالرزاق (8830)، والبزار (6177)، والطبراني (12/425) (13566) ‏باختلاف يسير.

الحديث الثالث:

‏"اجلِس. وجاءَ رجلٌ مِن ثقيفٍ، فقالَ : يا رسولَ اللهِ ! كلِماتٌ أسألُ عنهنَّ. فقال : سبقَكَ ‏الأنصاريَّ. فقال الأنصاريُّ : إنَّهُ رجُلٌ غريبٌ، وإنَّ لِلغَريبِ حقًّا، فابدَأ بهِ. فأقبلَ علَى الثقفيِّ فقال ‏‏: إن شئتَ أنبأتُك عمَّا كُنتَ تسألُني عَنهُ، وإن شئتَ تَسألُني وأُخْبِرُكَ ؟. فقالَ : يا رسولَ اللهِ ! بل ‏أَجِبْنِي عمَّا كنتُ أسألُكَ. قال : جئتَ تسألُني عَن الرُّكوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والصَّومِ. فقالَ : والَّذي ‏بعثَك بالحقِّ ما أخطأتَ مِمَّا كانَ في نَفسي شيئًا. قال : فإذا ركَعتَ فضَع راحتيْكَ على رُكبتيْكَ، ثمَّ ‏فَرِّجَ أصابعَك. ثمَّ اسكُن حتَّى يأخذَ كلَّ عضوٍ مأخذَه، وإذا سجَدتَ فمَكِّنْ جبهتَك، ولا تنقُر نقرًا، ‏وصَلِّ أوَّلَ النَّهارِ وآخرَه. فقال : يا نَبيَّ اللهِ ! فإن أنا صلَّيتُ بينَهُما ؟ قالَ : فأنتَ إذًا مُصَلٍّ. وصُم ‏من كلِّ شهرٍ ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخَمسَ عشرةَ. فقال الثقفيُّ. ثمَّ أقبل على الأنصاريِّ، ‏فقال : إن شئتَ أخبرتُك عما جِئتَ تسألُني، وإن شِئتَ تسألُني وأُخْبِرُكَ ؟. فَقال : لا يا نبيَّ اللهِ ! ‏أَخْبِرْنِي بما جِئتُ أسألُك. قال : جِئتَ تسألُنِي عن الحاجِّ ما لَهُ حين يخرُجُ مِن بيتِه ؟ وما لهُ حين ‏يقومُ بعرفاتٍ ؟ وما لهُ حين يَرمي الجِمارَ ؟ وما لهُ حين يحلِقُ رأسَه ؟ وما لهُ حين يَقضي آخرَ ‏طوافٍ بالبيتِ. فقالَ : يا نبيِّ اللهِ ! والَّذى بعثَك بالحقِّ ما أخطأتَ مِمَّا كان في نفسي شيئًا. قال : ‏فإنَّ لهُ حين يخرجُ من بيتِه أنَّ راحِلتَه لا تخطو خُطوةً؛ إلَّا كَتَب اللهُ لهُ بها حسَنةً، أو حَطَّ عنهُ بها ‏خطيئةً، فإذا وَقف ب ( عَرفةَ ) فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى سَماءِ الدُّنيا فيقولُ : انظُروا إلى عِبادي ‏شُعْثًا غُبْرًا، اشهَدوا أنِّي قد غفَرتُ لهم ذنوبَهم، وإن كانَت عددَ قطْرِ السَّماءِ ورملِ عالِجٍ، وإذا رمَى ‏الجمارَ لا يَدري أحدٌ ما لهُ حتَّى يُوَفَّاهُ يَومَ القيامةِ، [ وإذا حلَق رأسَه، فله بكلِّ شعرةٍ سقطت مِن ‏رأسِه نورٌ يومَ القيامَةِ ]، وإذا قضَى آخرَ طوافٍ بالبيتِ خرَج مِن ذنوبِه كيومِ ولدَتْهُ أمُّهُ .‏

الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم : 1155 | خلاصة حكم المحدث : حسن‏، التخريج : أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (8830)، وابن حبان (1887)، والطبراني ‏‏(12/425) (13566)‏.

الحديث الرابع:

‏" اجلِسْ، وجاء رجُلٌ مِن ثَقيفٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، كلماتٌ أسألُ عنهُنَّ، فقال صلَّى اللهُ عليه ‏وسلَّمَ: سَبَقَكَ الأنصاريُّ، فقال الأنصاريُّ: إنَّه رجُلٌ غريبٌ، وإنَّ للغريبِ حَقًّا؛ فابدَأْ به، فأقبَلَ على ‏الثَّقَفِيِّ، فقال: إنْ شِئْتَ أجبْتُكَ عمَّا كنتَ تسأَلُني، وإنْ شِئْتَ سألْتَني وأُخْبِرُكَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ‏‏[بل] أَجِبْني عمَّا كنتُ أسألُكَ، قال: جِئْتَ تسألُني عنِ الرُّكوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والصَّومِ، فقال: ‏والذي بعثَكَ بالحقِّ ما أخطأْتَ ممَّا كان في نفْسي شيئًا، قال: فإذا ركعْتَ فضَعْ راحتَيْكَ على ‏رُكبتَيْكَ، ثمَّ فَرِّجْ بينَ أصابعِكَ، ثمَّ امكُثْ حتَّى يأخُذَ كلُّ عُضْوٍ مَأْخَذَهُ، وإذا سجَدْتَ فمَكِّنْ جبهَتَكَ، ‏ولا تَنقُرْ نَقْرًا، وصَلِّ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَهُ، فقال: يا نبيَّ اللهِ، فإنْ أنا صلَّيْتُ بينَهما؟ قال: فأنتَ إذًا ‏مُصَلٍّ، وصُمْ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثَ عشْرةَ، وأربعَ عشْرةَ، وخَمْسَ عشْرةَ، فقام الثَّقَفيُّ، ثمَّ أقبَلَ على ‏الأنصاريِّ، فقال: إنْ شِئْتَ أَخبرْتُكَ عمَّا جِئْتَ تسألُ، وإنْ شِئْتَ سألْتَني فأُخبِرُكَ، فقال: لا يا نبيَّ ‏اللهِ، أخبِرْني عمَّا جِئْتُ أسألُكَ، قال: جِئْتَ تسألُني عنِ الحاجِّ؛ ما له حينَ يخرُجُ مِن بَيتِه، وما له ‏حينَ يقومُ بعَرَفاتٍ، وما له حينَ يَرْمي الجِمارَ، وما له حين يَحْلِقُ رأسَهُ، وما له حين يَقْضي آخِرَ ‏طَوافٍ بالبيتِ؟ فقال: يا نبيَّ اللهِ، والذي بعثَكَ بالحقِّ، ما أخطأْتَ ممَّا كان في نفْسي شيئًا، قال: فإنَّ ‏له حينَ يخرُجُ مِن بيتِهِ: أنَّ راحلتَهُ لا تخطو خُطوةً إلَّا كُتِبَ له بها حسنةٌ، أوْ حُطَّتْ عنه بها ‏خطيئةٌ، فإذا وقَفَ بعَرَفةَ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيقولُ: انظُروا إلى عبادي ‏شُعْثًا غُبْرًا، اشهَدوا أنِّي قد غفرْتُ لهم ذُنوبَهم وإنْ كانتْ عددَ قَطْرِ السَّماءِ، ورملِ عالِجٍ، وإذا رمى ‏الجِمارَ، لا يَدْري أحَدٌ ما له حتَّى يتوفَّاهُ يومَ القيامةِ، [وإذا حَلَقَ رأسَهُ، فله بكلِّ شَعرةٍ سقطَتْ ‏مِن رأسِهِ نورٌ يومَ القيامةِ]، وإذا قضى آخِرَ طوافِهِ بالبيتِ، خرَجَ مِن ذُنوبِهِ كيومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .‏

الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الموارد، الصفحة أو الرقم : 801 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره‏، التخريج : أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (8830)، وابن حبان (1887)، والطبراني ‏‏(12/425) (13566)‏.

الحديث الخامس:

‏" جاء رجلٌ من الأنصارِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال يا رسولَ اللهِ كلماتٍ أسألُ اللهَ ‏عنهنَّ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اجلِسْ وجاء رجلٌ من ثقيفٍ فقال يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه ‏وسلَّم كلماتٍ أسألُ عنهنَّ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبقك الأنصاريُّ فقال الأنصاريُّ إنَّه ‏رجلٌ غريبٌ وإنَّ للغريبِ حقًّا فابدأْ به فأقبل على الثَّقفيِّ فقال إن شئتَ أنبأتُك عمَّا كنتَ تسألُني ‏عنه وإن شئتَ تسألُني وأخبرُك فقال يا رسولَ اللهِ بل أجِبْني عمَّا كنتُ أسألُك قال جئتَ تسألُني عن ‏الرُّكوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والصَّومِ فقال والَّذي بعثك بالحقِّ ما أخطأتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا قال ‏فإذا ركعتَ فضَعْ راحتَيْك على رُكبتِك ثمَّ فرِّجْ أصابعَك ثمَّ اسكُنْ حتَّى يأخذَ كلُّ عضوٍ مأخذَه وإذا ‏سجدتَ فمكِّنْ جبهتَك ولا تنقُرْ نقرًا وصلِّ أوَّلَ النَّهارِ وآخرَه فقال يا نبيَّ اللهِ فإن أنا صلَّيتُ بينهما ‏قال فأنت إذا مُصلٍّ وصُمْ من كلِّ شهرٍ ثلاثَ عشرةَ وأربعَ عشرةَ وخمسَ عشرةَ فقام الثَّقفيُّ ثمَّ أقبل ‏على الأنصاريِّ فقال إن شئتَ أخبرتُك عمَّا جئتَ تسألُني وإن شئتَ تسألُني وأخبرُك فقال لا يا نبيَّ ‏اللهِ أخبِرْني بما جئتُ أسألُك قال جئتَ تسألُني عن الحاجِّ ما له حين يخرجُ من بيتِه وما له حين ‏يقومُ بعرفاتٍ وما له حين يرمي الجِمارَ وما له حين يُحلِّقُ رأسَه وما له حين يقضي آخرَ طوافِ ‏البيتِ فقال يا نبيَّ اللهِ والَّذي بعثك بالحقِّ ما أخطأتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا قال فإنَّ له حين ‏يخرجُ من بيتِه أنَّ راحلتَه لا تخطو خُطوةً إلَّا كتب اللهُ بها حسنةً أو حطَّ عنه بها خطيئةً فإذا وقف ‏بعرفاتٍ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى سماءِ الدُّنيا فيقولُ انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا اشهدوا أنِّي ‏قد غفرتُ لهم ذنوبَهم وإن كانت عددَ قطرِ السَّماءِ ورملِ عالِجٍ وإذا رمَى الجِمارَ لا يدري أحدٌ ما ‏له حتَّى يتوفَّاه اللهُ يومَ القيامةِ وإذا قضَى آخرَ طوافِ بالبيتِ خرج من ذنوبِه كيومِ ولدته أمُّه"

الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم : 2/196 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]‏، التخريج : أخرجه عبدالرزاق (8830)، وابن حبان (1887)، والطبراني (12/425) ‏‏(13566) باختلاف يسير.

الحديث السادس:

‏" وإذا رمى الجِمارَ لا يدري أحدٌ ما له حتى يتوفَّاه اللهُ يومَ القيامةِ.‏

الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الدمياطي | المصدر : المتجر الرابح، الصفحة أو الرقم : 157 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.

شرح التوفي في الأحاديث السابقة بحسب موقع (الدرر السَنِيَّة):‏

في هذا الحديثِ بَيانٌ لسَعةِ فَضلِ اللهِ تعالى على عِبادِه عِندَ الوفاءِ بالطاعاتِ على الوجهِ الأكملِ ‏لها، وأنَّه يُعطي الثَّوابَ العَظيمَ على العِباداتِ والطاعاتِ.‏

وهذه الرِّوايةُ جزءٌ مِن حديثٍ جاء كاملًا عِندَ ابنِ حِبَّانَ، وفيه يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ ‏رضِيَ اللهُ عنهما: "جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، ‏كَلِمَاتٌ"، أي: عِدَّةُ أسئِلَةٍ، "أسأَلُ عنهُنَّ، قال: اجْلِسْ"، أي: اقْعُدْ وانتَظِرْ حتى تَحصُلَ على الإجابةِ، ‏‏"وَجَاء آخَرُ مِن ثَقيفٍ" وهي قَبيلَةٌ من قَبائِلِ الطائِفِ، "فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، كَلِمَاتٌ أسأَلُ عنهُنَّ، ‏فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "سَبَقَكَ الأَنْصَارِيُّ"، أي: جاءَ قَبلَكَ وله حَقُّ الجَوابِ أَوَّلًا، "فقال ‏الأنصاريُّ: إنَّه رَجُلٌ غَريبٌ"، يعني: أنَّه ليس مِن أهْلِ المدينَةِ، "وإنَّ للغَريبِ حَقًّا، فابْدَأْ بِهِ" وهذا ‏من أَدَبِ الأنصاريِّ، ومَعرِفَتِه بحَقِّ الغَريبِ؛ لأنَّه ربَّما يكونُ مُسافِرًا، ويَحتاجُ الجَوابَ؛ ليَكسَبَ ‏وقتًا، "فَأقبَلَ على الثَّقَفيِّ"، أي: توجَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الرَّجُلِ الثَّقَفيِّ بوَجْهِه، "فقال: ‏إنْ شِئتَ أَنْبَأتُكَ عَمَّا كُنتَ تسأَلُني" وهذا بما أوحى اللهُ إليه وألْهَمَه مَعرِفَةَ ما يَدورُ في نفْسِ الثَّقَفيِّ، ‏‏"وإنْ شِئْتَ تَسْأَلُنِي وأُخبِرُك"، أي: تَسأَلُ عمَّا تُريدُ وأُجيبُكَ، "فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أَجِبْني عمَّا كُنتُ ‏أسأَلُكَ، قَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجودِ، وَالصَّلاةِ، وَالصَّوْمِ"، أي: عن كيفيَّةِ هذه ‏الأمُورِ، وأحكامِها، وما يَتعلَّقُ بها، "فقال الثَّقَفيُّ: لا، والذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أخطَأْتَ ممَّا كان في ‏نَفْسي شيئًا" وهذا تَصديقٌ من الثَّقَفيِّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "قال: فإذا رَكَعتَ فضَعْ راحَتَيْكَ"، ‏أي: كَفَّيْكَ، "عَلَى رُكبَتَيْكَ ثم فَرِّجْ بين أصابِعِكَ"، أي: فَرِّقْ بين أصابِعِ يديْكَ، "ثمَّ اسْكُنْ" بمعنى ‏اطْمَئِنَّ في رُكوعِكَ واثْبُتْ، "حتى يأخُذَ كُلُّ عُضوٍ مأخَذَهُ" بأنْ يستقِرَّ كُلُّ عُضوٍ في مكانِه، وهذا ‏حثٌّ على أداءِ حَركاتِ الصَّلاةِ في تُؤدَةٍ وطُمأنينةٍ، "وإذا سَجَدتَ فَمَكِّنْ جَبهَتَكَ" والمُرادُ أنْ يُثبِّتَ ‏مُقدَّمَ رأسِه على الأرضِ عندَ السُّجودِ، "ولا تَنقُرُ نَقرًا" وهذا نهيٌ عن الإسراعِ، وعَدَمِ الاطمِئْنانِ ‏في السُّجودِ، "وَصَلِّ أوَّلَ النَّهارِ وَآخِرَه"، أي: صَلِّ الصَّلواتِ المَفْروضاتِ في النَّهارِ، ويُحتمَلُ أنْ ‏يكونَ أمْرًا بالتطوُّعِ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه، "فقال: يا نَبيَّ اللهِ، فإنْ أنا صَلَّيتُ بينهما" تطوُّعًا؟ "قال: ‏فأنتَ إِذًا مُصَلٍّ. وصُمْ مِنْ كُلِّ شَهرٍ ثَلاثَ عَشْرةَ وَأَربعَ عَشْرةَ وَخَمسَ عَشْرةَ" وهي الأيامُ البِيضُ ‏من وَسَطِ كُلِّ شَهرٍ قَمَريٍّ، وصيامُ ثَلاثةٍ تَعدِلُ صيامَ الشَّهرِ؛ وذلك لأنَّ الحَسَنةَ بعَشرِ أمثالِها، "فقام ‏الثَّقَفيُّ"، أي: انصَرَفَ.‏

قال ابنُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "ثم أقبَلَ" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "على الأنصاريِّ، فقال: إنْ ‏شِئتَ أخبَرْتُكَ عمَّا جِئْتَ تسْأَلُ، وإنْ شِئْتَ تَسْأَلُني وأُخبِرُك، فقال: لا يا نبيَّ اللهِ، أخبِرْني بما جِئتُ ‏أسأَلُكَ، قال: جِئتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الحَاجِّ؛ ما له حين يخرُجُ مِن بيتِه؟"، أي: ماذا يكونُ له مِنَ الأجْرِ ‏عندَ خُروجِه من بيتِه مُتوجِّهًا إلى مكَّةَ ناويًا الحَجَّ؟ "وما له حين يقومُ بِعَرَفاتٍ؟ وما له حين يرمي ‏الجِمارَ؟ وما له حين يَحلِقُ رَأسَه؟ وما له حين يقضي آخِرَ طَوافِ البيتِ؟" والمعنى: ما يكونُ له ‏من الأجْرِ والثَّوابِ عندَ إتمامِ هذه الأفعالِ؟ "فقال" الأنصاريُّ: "يا نبيَّ اللهِ، والذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ" ‏وهذا قَسَمٌ باللهِ الذي بَعَثَ نبيَّه مُحمَّدًا بالحَقِّ، "ما أخطَأْتَ ممَّا كان في نفسي شيئًا"، وهذا تَصديقٌ ‏آخَرُ مِنَ الأنصاريِّ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ بما كان يدورُ ‏في نفْسِ الأنصاريِّ، "قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فإنَّ له حين يخرُجُ من بيتِه أنَّ راحِلَتَه" ‏وهي رَكوبتُه مِنَ الحَيَواناتِ، وتُطلَقُ على الناقَةِ والجَمَلِ، "لا تَخطو خُطوَةً"، أي: لا تتحرَّكُ حَرَكةً ‏واحدةً بقَدَمَيْها، "إلَّا كُتِبَ له بها حَسَنَةٌ" فرُفِعتْ دَرَجَتُه فَضلًا مِنَ اللهِ ونِعمَةً، "أو حُطَّ عنه بها ‏خَطيئَةٌ" يَغفِرُها اللهُ له ويَمْحوها من سِجِلَّاتِه؛ رَحمةً منه سُبحانَه وتكرُّمًا على عبدِه، "فإذا وَقَفَ ‏بِعَرَفةَ" وذلك يكونُ يومَ التاسِعِ من ذي الحِجَّةِ، والوُقوفُ بعَرَفةَ هو الرُّكنُ الأعظَمُ من الحَجِّ، "فإنَّ ‏اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا" نُزولًا يَليقُ بجَلالِه وكَمالِه لا يُشبِهُ نُزولَ البَشَرِ، "فيقولُ: ‏انظُروا إلى عِبادي شُعْثًا" أي: انتَشَرَ شَعرُ رُؤُوسِهم، "غُبْرًا" قد غَطَّتْهم الأترِبَةُ والغُبارُ، وذلك مِن ‏آثارِ السَّفرِ، "اشهَدوا أَنِّي قد غَفَرتُ لَهُم ذُنوبَهم، وإنْ كانت عَدَدَ قَطرِ السَّماءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ"، أي: ‏وإنْ كانت الذُّنوبُ كَثيرةً جِدًّا، ولا تُحصى مِثلَ ما لا يُحصى من قَطَراتِ ماءِ المَطَرِ، وعَدَدِ حَبَّاتِ ‏ما تراكَمَ من الرَّمْلِ، ودَخَلَ بعضُه في بعضٍ فلا يُحصَى، "وإذا رَمَى" الحاجُّ "الجِمارَ" وهي ‏الحَصى الصَّغيرُ الذي يُلقيهِ في مَواضِعِه من العَقَباتِ الثلاثِ في مِنًى، فيكونُ له من الأجْرِ ‏والثَّوابِ العظيمِ، حتَّى "لا يَدري أحَدٌ ما له"، أي: لا يَعرِفُ أحَدٌ كُنهَ هذا الثَّوابِ وقَدْرَه، "حتى ‏يتوفَّاهُ اللهُ يومَ القيامَةِ" والمعنى: حتى يُوفِّيَه اللهُ أجْرَه يومَ القيامَةِ، فهو أجْرٌ مُخبَّأٌ ومُدَّخَرٌ ‏للحاجِّ لذلك اليومِ، وهذا من تَعظيمِ الأجْرِ وتَفخيمِه، كما قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا ‏أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]، وفي حَديثِ ابنِ عباسٍ عندَ ‏البزَّارِ: "إذا رَميتَ الجِمارَ كان لك نورًا يومَ القيامَةِ"، وعندَ سعيدِ بنِ منصورٍ: "إنَّه يُغفَرُ له ‏بكُلِّ حصاةٍ رماها كبيرةٌ من الكبائِرِ الموبقاتِ".‏

‏"وإذا حَلَقَ" الحاجُّ "رأسَه" عندَ التحلُّلِ من نُسُكِ الحَجِّ، "فله بكُلِّ شَعْرةٍ سَقَطَتْ مِن رأسِه نورٌ يومَ ‏القيامةِ" وهذا من فضْلِ اللهِ وكَرَمِه على عبدِه المحلِّقِ الذي استجابَ لأمْرِه، فأزالَ كُلَّ شَعرِ رأسِه، ‏فرَزَقَه اللهُ نورًا يومَ القيامَةِ. وفي رِوايَةِ البزَّارِ والطَّبَرانيِّ: "وأما حِلاقُك رأسَك: فإنَّ لك بكُلِّ شَعرَةٍ ‏حَلَقتَها حَسَنةً" تَزيدُ في أجْرِك وثَوابِك، "وتُمْحى عَنكَ بها خَطيئَةٌ" فتُمْحى من صَحيفَتِك، وهذا مِن ‏تَحْبيبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للناسِ في الحَلْقِ دُون التَّقصيرِ.‏

‏"وَإِذا قَضى آخِرَ طوافٍ بالبيتِ"، أي: أدَّى آخِرَ مرَّةٍ من مَرَّاتِ طوافِ الرُّكنِ حَولَ الكَعْبةِ ‏المُشرَّفةِ، ولم يرفُثْ، ولم يفسُقْ في حَجِّه، "خَرَجَ من ذُنوبِه كيومِ وَلَدَتْه أُمُّه"؛ لأنَّه يكونُ قد أتمَّ ‏الحَجَّ بكُلِّ أركانِه، وحَصَلَ على الأجْرِ الكامِلِ مِنَ اللهِ، وكان لا ذَنبَ عليه كَبيرٌ ولا صَغيرٌ، إلَّا ‏حُقوقَ العِبادِ.‏

وفي الحَديثِ: بَيانُ مُعجِزَةٍ من مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَعرِفَتِه ما يَدورُ في نُفوسِ ‏الناسِ. وفيه: إرشادٌ إلى فِعلِ الطاعاتِ والعباداتِ؛ للحُصولِ على الأجْرِ والثَّوابِ.‏

[41] الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم : 6535 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

[42] يقول الله تعالى:{‏ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) سورة النمل.

ويقول الله تعالى:{‏ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) سورة الجن.

ويقول الله تعالى:{‏ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) سورة الأنعام.

[43] الراوي : البراء بن عازب | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على ‏الصحيحين، الصفحة أو الرقم : 107 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]‏.

[44] مثل القرطبيّ وابن كثير وفخر الدين الرازي.

[45] الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم : 1149 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ‏

[46] "قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: عِنْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ يا بلَالُ حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ في الإسلام مَنْفَعَةً، فإنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ قالَ بلَالٌ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا في الإسلام أَرْجَى عِندِي مَنْفَعَةً، مِن أَنِّي لا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا، في سَاعَةٍ مِن لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ، ما كَتَبَ اللَّهُ لي أَنْ أُصَلِّيَ".

الراوي: أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم : 2458 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]


أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع