كثير
ما يستدل الأحمديون القاديانيون أتباع المتنبئ الهندي بالآية "وَإِنْ
يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ
الَّذِي يَعِدُكُمْ " (28) سورة
غافر
فيقولون أنه لا ضير و لا عيب من إتباع
رجل يقول أنه نبيّ من عند الله تعالى , و أن المشكلة لا تقع على الأتباع و إنما
تقع المشكلة على المدعي للنبوة , فان كان كاذبا يأخذه الله تعالى و يعذبه و لا شيئ
على الأتباع , و إن كان صادقا فقد افلح و معه أتباعه .
و إستدلال الأحمديين القاديانيين
بهذه الآية باطل شكلا و موضوعا لأكثر من سبب منها.
أولا - انهم استدلوا بجزء من الآية و
نسوا أو تناسوا الجزء المهم في الآية و هو أن هذا الرجل الذي ادعى النبوة و
المطلوب إتباعه حسب سياق الآية هو سيدنا موسى عليه السلام فكانوا كمن يستدل بآية
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ "(43) سورة النساء على ان الله تعالى قد أمر بأن لا نقرب الصلاة و نتركها , بينما الآية
بالكامل كالاتي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى " فكان النهي عن الصلاة في حال
السُكْرِِِِِ .
ثانيا - الأمر الثاني أن الرجل الذي
جاء ناصحا لقومه بان يتبعوا هذا النبي اكد ان ذلك النبي قد جاء بالبينات و لم يدعي
النبوة من غير ان يأتي بالادلة القطعية الدامغة على صدق نبوته , و لم يجيء بأوهام
كما جاء بها نبيّ الاحمديين المدعي للنبوة الميرزا الهندي و هذا النص الكامل للآية :
"وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ
مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ
رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ
كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي
يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) سورة غافر
ثالثا - واضح ان هذا مدعي النبوة في الاية السابقة هو سيدنا موسى عليه السلام و
قد جاء بالبينات و لم يكن رجلا قال اني نبيّ من عند الله من غير ان يأتي بالبينات و
الادلة الدامغة على نبوته .
رابعا - الكل يعرف ما هي الادلة
القاطعة و البينات الدامغة التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام - مثل عصا موسى و
اليد البيضاء و غيرها من الايات التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام - و لم يقل
انه نبيّ من غير البينات .
خامسا - و الآن نعود الى كتب الاحمديين
القاديانيين و نرى ما هو مفهوم كلمة " البينات" و مدلولها عند ابن
الميرزا الهندي الملقب بــ" المصلح الموعود" الميرزا بشير الدين محمود
صاحب " التفسير الكبير " كما يلقبونه
· في تفسيره للاية "
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ
بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ
الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) سورة البقرة
يقول بشير الدين
محمود لمعنى التعبير " البينات "
كما في الاية السابقة
" بينات – هي تلك الأدلة التي
في حد ذاتها تشكل برهانا على صدق النبيّ .
فالأدلة على نوعين : الأول
ما يستنبط منه صدق النبيّ , فمثلا نستدل بفساد أهل زمان ما على ضرورة مجيء نبيّ
فنقول : قد عم الفساد في العالم و نسي الناس الشرع و تركوا العمل بتعاليمه فلذلك
لا بد من نبيّ ...و هذا المدعي هو النبي الموعود .
فكل هذه الامور يستنبط منها
ضرورة ظهور نبي , و لكنها لا تحدد زمن ظهوره , فهي ليست بينات و منها على سبيل المثال الايات و الاحداث التي ظهرت قبيل مبعث محمد صلى
الله عليه و سلم , و التي يمكن ان نستنبط منها صدقه .
انها أدلة على صدقه و لا شك
, و لكنها لا تؤكد بصورة قطعية على انه النبيّ صلى الله عليه و سلم , فلا تسمى بينات .
و النوع الثاني من الأدلة
تسمى بينات , و هي التي تشكل بحد ذاتها برهانا مباشرا على
صدق النبيّ , و هي التي تجعل صدقه مشهودا , و التي تبين الصدق
من الباطل تبيانا ..مثل الطاعون الذي انبأ
بتفشيه المسيح الموعود , و كذلك أنبأ النبي الكريم بذلك من قبله .
فظهور الطاعون في زمنه ليس
دليلا على صدقه فقط بل انما هو " بينة" , لأن تحقق هذا النبأ لا يعين
زمن ظهور المسيح المنتظر , و انما يبين ايضا أنه هو نفسه المسيح المنتظر .
اذن فالبينة ما يدل على صدق
النبيّ دلالة واضحة لا غبار عليها , و غيرها ما يثبت صدقه بالاشارة
و التلميح فحسب .
و ادلة صدق المسيح الموعود –
عليه السلام – بعضها من نوع الاشارة و التلميح , و بعضها من البينات .
و الواقع ان كل نبي قد اوتي
كلا النوعين من الادلة , لان الادلة الواردة في شكل الاشارة و التلميح وحدها لا
تكفي لاثبات صدقه , بل لا بد الى جانبها من البينات ليتضح صدقه لعامة الناس و الا لن
يعلموا أنه هو الشخص المنتظر الموعود .
لقد بيّن ابو حيان معنى
البينات في تفسيره فقال : البينات الحجج الواضحة الدالة على النبوة ( تفسير البحر
المحيط) ." انتهى النقل
التعليق على كلام بشير الدين محمود :
1-واضح من كلام الميرزا بشير الدين
محمود ان البينات هي الادلة التي لا غبار عليها في اثبات نبوة النبيّ و هي ما يطلق
عليها قطعية الثبوت و الدلالة و بيانها كالتالي ملخصا :
· هي تلك الأدلة التي
في حد ذاتها [ أي لا تحتاج لغيرها لتشكل اثبات
المراد اثباته ] تشكل برهانا [البرهان لا
يكون الا قطعيا في دلالته ]على صدق النبيّ .
·
و هي التي تشكل بحد ذاتها برهانا مباشرا [أي لا تحتاج لاستنباط فالمعنى واضح مباشر]على صدق النبيّ , و هي التي تجعل صدقه مشهودا [مشهودا أي مرئيا معاينا لا خلاف عليه ]
·
و التي تبين الصدق من الباطل تبيانا
[التأكيد بالمصدر " تبيانا " يمنع الاستعارة و المجاز , فلا
يكون المعنى المقصود إلا الحقيقي و لا تأويل فيه و لا يكون هذا إلا في الأدلة
القطعية الدلالة ]
·
ما يدل على صدق النبيّ دلالة واضحة لا غبار عليها [أي لا يوجد أي قول مقبول يعارض هذا الدليل او يقلل من دلالته كما انها
تعني قطعية الثبوت بلا شك ], و غيرها ما يثبت صدقه
بالاشارة و التلميح فحسب [و يقصد بهذا الادلة
الظنية أي التي يستنبط منه الدلالة ]
2- الادلة التي تشير فقط , أو بالاستنباط تشير الى نبيّ فلا يطلق عليها
بينات .
3- لقد اوضح المهندس هاني طاهر كذب
الإدعاء بأن مرض الطاعون كان من أدلة صدق الميرزا الهندي لأنه كان قد ظهر في الهند
و في محافظة الميرزا البنجاب قبل الإنباء المزعوم من الميرزا و الإدعاء أنه من وحي
الله .
سادسا – يقول الميرزا بشير الدين محمود
في صفحة 22 من تفسيره لسورة البقرة :
" قوله ( ءاتينا
عيسى ابن مريم البينات ) .. إن كون عيسى ابن مريم محظوظا بالبينات و مؤيدا بروح القدس ليس مما
يختص به عيسى وحده ... حتى يستدل بذلك على افضلية له على غيره من الانبياء ؛ فقد
ذكر القرآن في هذه السورة نفسها أن موسى
ايضا قد أعطي البينات , فقال ( و
لقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده و أنتم ظالمون ) البقرة
91
كما قال الله تعالى للرسول الكريم : ( و
لقد انزلنا اليك آيات بينات و ما يكفر بها الا الفاسقون ) 99 , كذلك ذكر الله هلاك
الامم السابقة للنبيّ صلى الله عليه و سلم و بيّن سبب هلاكهم قائلا ( ذلك بأنهم
كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ) سورة
غافر 22 .
و يوضح هذا جليا أن سائر الانبياء المبعوثين للخلق قد أتوا بالبينات
ايضا و الا كان من المستحيل أن يتبين للناس صدقهم . " انتهى
النقل
يتضح هنا جليا من كلام الميرزا بشير
الدين محمود صاحب التفسير الكبير أنه من غير البينات من الادلة يستحيل ان يصدق
الناس ان مدعي النبوة صادق , فاين هي البينات من الادلة التي نستطيع القول انها من
البينات في حالة مدعي النبوة الميرزا غلام الهندي نبيّ الاحمديين ؟ و التي عرفها
الميرزا غلام احمد مدعي النبوة بنفسه كما في بيانه للادلة و التي لا يقال لها الا
انها قطعية الثبوت و الدلالة و ان غيرها ظني و ان الظن لا يغني من الحق شيئا , وقد
قال هذا في كتابه اتمام الحجة صفحة 60 و 61 و هذ هو النص المشار اليه من كلام
الميرزا الهندي مدعي النبوة :
يقول "إن أدلة إثبات الإدعاء( أي الأدلة المطلوبة لإثبات صحة أي إدعاء ) عند الحنفيين (يقصد الاحناف) اربعة أنواع هم :الأول:قطعي الثبوت و قطعي الدلالة و ليس فيها شيئ من الضعف و الكلالة مثل الايات القرءانية الصريحة و الأحاديث المتواترة الصحيحة بشرط كونها مستغنية عن تأويلات المتؤولين و منزهة عن تعارض و تناقض يوجب الضعف عند المحققين.
و يكمل الميرزا قائلا :" لا يخفى أن الدليل القاطع القوي هو النوع الأول من الدلائل و لا يمكن من دونه اطمينان السائل .فإن الظن لا يغني من الحق شيئا و لا سبيل له إلى يقين أصلا".إنتهى كلام الميرزا
يقول "إن أدلة إثبات الإدعاء( أي الأدلة المطلوبة لإثبات صحة أي إدعاء ) عند الحنفيين (يقصد الاحناف) اربعة أنواع هم :الأول:قطعي الثبوت و قطعي الدلالة و ليس فيها شيئ من الضعف و الكلالة مثل الايات القرءانية الصريحة و الأحاديث المتواترة الصحيحة بشرط كونها مستغنية عن تأويلات المتؤولين و منزهة عن تعارض و تناقض يوجب الضعف عند المحققين.
و يكمل الميرزا قائلا :" لا يخفى أن الدليل القاطع القوي هو النوع الأول من الدلائل و لا يمكن من دونه اطمينان السائل .فإن الظن لا يغني من الحق شيئا و لا سبيل له إلى يقين أصلا".إنتهى كلام الميرزا
سابعا – الان واضح ان الاستدلال من
الاحمديين بالاية " " وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ"" ما هو الا التدليس و الكذب
بسبب الاستدلال بجزء من الاية و التعمية على بقية الاية الكريمة .
و الله اعلى و اعلم
د.إبراهيم بدوي
12/09/2016
12:00:41 ص
تعليقات
إرسال تعليق