الجزء الاول:
بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها الموقوف : قَالَتْ : قُولُوا : " خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَلا تَقُولُوا : لا نَبِيَّ بَعْدَهُ"."، يستدلون به على إستمرار النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويخصون بذلك النبوة غير التشريعية.
و الرد على مقالهم
هذا بإختصار نقول وبالله تعالى التوفيق :
1- قلنا ونكرر
إنّ إثبات النبوة أو إنكارها لا يكون إلا بالأدلة القطعية الثبوت والدلالة، وقد وافق
الميرزا غلام العلماء وفصّل تعريف الدليل القطعي كما جاء في كتابه (اتمام الحجة) صفحة
60 و61، والأحمديون مُلزمون بتعريف نبيهم الميرزا غلام لأنّ كلام الميرزا غلام قطعي
الثبوت، حيث كتبه بيده وطبع ونشر في حياته وبعلمه، كما أنه قطعي الدلالة، بينما حديث
السيدة عائشة الموقوف عندها – ولا أتكلم الآن على صحته أو ضعفه - ليس قطعي الثبوت لآنه
حديث غير متواتر ولا هو قطعي الدلالة على إستمرار النبوة كما سنبين لاحقا :
2- يقول الميرزا لبيان تقسيم مستوى الأدلة:"إن أدلة
إثبات الإدعاء [إبراهيم بدوي: أي الأدلة المطلوبة لإثبات صحة أي إدعاء] عند الحنفيين
[يقصد الأحناف] أربعة أنواع هم :الأول:قطعي الثبوت وقطعي الدلالة وليس فيها شيئ من
الضعف والكلالة مثل الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث المتواترة الصحيحة بشرط كونها
مستغنية عن تأويلات المتؤولين ومنزهة عن تعارض وتناقض يوجب الضعف عند المحققين..."،
ويكمل الميرزا قائلًا:"لا يخفى أنّ الدليل القاطع القوي هو النوع الأول من الدلائل
ولا يمكن من دونه إطمينان السائل .فإنّ الظن لا يغني من الحق شيئا ولا سبيل له إلى
يقين أصلًا".إنتهى كلام الميرزا.
3- الميرزا
غلام عندما أراد التنكر لحديث صحيح في مسلم؛ والذي جاء فيه نزول سيدنا عيسى عليه السلام،
وقد ذُكرت فيه نبوة سيدنا عيسى عليه السلام عليه السلام، وجاء فيه أيضا أوصاف الدجال
والأفعال التي سوف يقوم بها سيدنا عيسى عليه السلام، قال الميرزا غلام إنّ البخاري
لم يروي هذا الحديث لأنه يراه ضعيفًا.
4- إذن الميرزا غلام يرى أنّ ما لم يروه البخاري، ولا
يتوافق مع فكر الميرزا غلام الضال يراه ضعيفًا، بينما نجده ومن معه من الأحمديين أتباعه
يستدلون بحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها وهو حديث موقوف عليها، وليس مرفوعًا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون هذا الحديث الموقوف دليلًا لهم على إستمرار النبوة،
ويتركون حديثًا للسيدة عائشة مرفوعًا للنبيّ صلى الله عليهم وسلم ورد فيه صراحة إنقطاع
النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يبقى بعدي
من النبوة شيء إلا المبشرات. قالوا: يا رسول الله ! وما المبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة،
يراها الرجل، أو تُرَى له "، ومعلوم
يقينًا أنّ رأي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قاطع ولا يرده رأي الصحابي حتى لو كانت
زوجه رضي الله عنها بافتراض التعارض بينهما، كما أنّ هذا الحديث لم يُروى في أي من
الكتب المُسَلَّم والمُعترف والمَوثوق بها عند الميرزا غلام وعند جماعته، بل مروي
في كتاب (الدر المنثور) للسيوطي، أي أنّ هذا الحديث مخالف لشروط الميرزا غلام.
5- نص الحديث الذي يرويه الأحمديون هو:"حَدَّثَنَا
حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ : قُولُوا : " خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَلا تَقُولُوا : لا نَبِيَّ بَعْدَهُ"."،
وهناك نص آخر هام ويوضح قصد السيدة عائشة رواه يحيى بن سلام عن الربيع في تفسيره:عن
الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :لا
تَقُولُوا: لا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ، وَقُولُوا: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَإِنَّهُ
يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ،
وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا".
والنص الأخير يوضح
ما قصدته السيدة عائشة رضي الله عنها في حديثها الأول الموقوف عليها، أنها قصدت خوفها
من أن الناس قد يظنون أن التعبير "لا نبيّ بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"
قد يلغي في فكر الناس الإعتقاد بمجيء سيدنا عيسى عليه السلام وقد نصت بنفسها على ذلك،
وقد حددت بنفسها أنّ النازل هو عيسى بن مريم، ولم تقل إنّه يمكن أنْ يجيء أي واحد دجال
ويسمي نفسه عيسى بن مريم وأنه مثيله، بل قالت عيسى بن مريم تحديدًا.
كما أنه هناك نصوصًا
من كلام الميرزا غلام نفسه أقر فيها بأنّ المقصود بالمسيح الموعود في أحاديث سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم هو سيدنا عيسى عليه السلام الناصري صاحب الإنجيل، وما الميرزا
غلام أحمد إلا مثيل له، وهذا يتوافق مع ما أقسم عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وما فَهِم الصحابة ومنهم السيدة عائشة رضي الله عنها من كلام سيدنا محمد عليه الصلاة
والسلام وقَسَمِه.
يقول الميرزا في
كتاب (ازالة أوهام) 1890 صفحة 207:" أيها الإخوة في الدين، وعلماء الشرع المتين،
استمعوا إلى كلامي بانتباه خاص: إنّ ما ادّعيته كوني مثيل الموعود [ابراهيم بدوي :
أي الذي قلته عن نفسي أنني مثيل الموعود وهو سيدنا عيسى عليه السلام الناصري]، الذي
حسبه قليلو الفهم مسيحا موعودًا [ابراهيم بدوي : أي الأغبياء فهموا أنّ الميرزا غلام
يقول إنّه هو المسيح الموعود بنفسه، وطبعا هو يقصد أنه مثيل الموعود وليس مسيحًا موعودًا]،
فما هو بأمر جديد سُمِعَ مني اليوم فقط، بل هو إلهام قديم قد تلقيته
من الله تعالى وسجلته في عدة أماكن في "البراهين الاحمدية" بكل صراحة، وقد
مضت على نشره ما يربو على سبع سنين. ما ادّعيتُ قط أني المسيح ابن مريم [ابراهيم بدوي
: الميرزا غلام يقصد من جاء اسمه في الأحاديث المنبأة بنزول ابن مريم قبل يوم القيامة]،
ومن اتهمني بذلك فهو مفترٍ وكذاب بحت. بل أنشر منذ سبعة أو ثمانية أعوام وبشكل متكرر
أني مثيل المسيح [ابراهيم بدوي : أي مثيل المسيح سيدنا عيسى عليه السلام الناصري المذكور
صراحة في الأحاديث]، أيْ قد أوْدَعَ اللهُ فطرتي أيضا بعضا من صفات عيسى عليه السلام
الروحانية وعاداته وأخلاقه وما إلى ذلك، وأن لحياتي مماثلة كبيرة بحياة المسيح ابن
مريم في أمور كثيرة أخرى قد صرحت بها في كتبي. وليس ذلك أمرا ابتدعته، فحسبت نفسي [ابراهيم
بدوي : أي اعتبرت نفسي] في تلك الكتب ذلك الموعود [ابراهيم بدوي : أي سيدنا عيسى عليه
السلام] الذي ذُكر مجيئه مجملا في القرآن الكريم، وصراحة في الأحاديث [ابراهيم بدوي
: فهل هناك اعتراف أكبر من هذا أنّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يقصد بحلفه أنّ
المسيح الموعود النازل هو سيدنا عيسى عليه السلام صراحة؟]، لأني قد كتبت من قبل في
"البراهين الاحمدية" بصراحة تامة بأني مثيل لذلك الموعود الذي ورد نبأ مجيئه
الروحاني في القرآن الكريم [ابراهيم بدوي:إذن المذكور المُجْمَل – كما يقر الميرزا
غلام - في القرآن للآتي في آخر الزمان هو سيدنا
عيسى عليه السلام وليس غيره بإعتراف الميرزا غلام، وما الميرزا غلام إلا مثيل له روحانيًا
كما يعتقد هو، فإذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أخطأ في فهم النبوءة بنزول المسيح
سيدنا عيسى عليه السلام، فهنا الميرزا غلام يقر بأنّ المذكور مجملًا في القرآن الكريم
هو سيدنا عيسى عليه السلام] والأحاديث الشريفة من قبل"انتهى النقل. إذن بالفعل
الميرزا يعتبر المسيح الموعود الذي في الأحاديث والقرآن الكريم ليس هو الميرزا بل الميرزا
مثيله فقط. وهذا يؤكد عقيدة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
ومنهم السيدة عائشة رضي الله عنها بالقطع أنّ المقصود "بلا نبيّ بعده" وأنه
"خاتم النبيين" أي هو القاطع والمُنهي لاستمرار النبوة وأنّه لا نبيّ يبعث
بعده، وما سيدنا عيسى عليه السلام إلا نبيّ بعث قبله ولم يمت وأنه نازل بلا شك، ولا
يعارض خاتمية نبوته صلى الله عليه وسلم نزول سيدنا عيسى عليه السلام وهذا ما أرادته
السيدة عائشة الصدّيقة بنت الصدّيق.
6- الميرزا نفسه قام ببيان تفسير التعبير "خاتم
النبيين" كما جاء في كتابه (حمامة البشرى) 1894م بأن تفسير الخاتمية هو نفس قول
النبيّ صلى الله عليهم وسلم "لا نبيّ بعدي" حيث قال في صفحة 49 :"ألا
تعلم أن الرب الرحيم المتفضل سمى نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء بغير إستثناء
وفسره نبينا في قوله لا نبيّ بعدي ببيان واضح للطالبين. ولو جوزنا ظهور نبيّ بعد نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم لجوزنا انفتاح باب النبوة بعد تغليقها وهذا خلف كما لا يخفي
على المسلمين وكيف يجيئ نبيّ بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم وقد انقطع الوحي بعد وفاته
وختم الله به النبيين؟"انتهى النقل
ويقول أيضا يقول
الميرزا في كتاب (حمامة البشرى) صفحة 165 ما نصه :"ومن اعتراضات المكفرين أنهم
قالوا إنّ هذا الرجل ادعى النبوة وقال إنّي من النبيين. أمّا الجواب فاعلم يا أخي أني
ما ادعيت النبوة وما قلت لهم إني نبيّ ولكنهم تعجلوا وأخطأوا في فهم قولي"، ويكمل
في نفس الصفحة "وما قلت لهم إلا ما كتبتُ في كتبي أنني محدَّث ويكلمني الله كما
يكلم المحدَّثين"، ويكمل في نفس الصفحة :" وما كان لي أن أدعي النبوة وأخرج
من الإسلام وألحق بقوم كافرين"، و يكمل في نفس الصفحة :"... فكيف أدعي النبوة
وأنا من المسلمين؟"،. وفي صفحة 166 يقول الميرزا:"... فإن كان بعض الناس
في شك من إلهامي، وكان لهم عجب من أن يخاطب الله أحدا من هذه الأمة ويكلمه من غير أن
يكون نبيّا ..."،. ويكمل في صفحة 169:"وأمّا ما ثبت من سنة رسول الله وآثاره
في هذا الباب فاعلم أنه قال عليه الصلاة والسلام : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل
رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يك في أمتي منهم أحد فعمر" .وقال (يقصد
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام) قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون وأنه أن
كان في أمتي هذه منهم فأنه عمر بن الخطاب"انتهى النقل
فإذا كان الأحمديون يعتبرون نبيهم معجزًا في اللغة العربية وقد آتاه الله
تعالى تفسير القرآن ودقائق العرفان – كما يدعي الميرزا غلام– فلا يصح التنكر لتفسيره
الذي قاله في كتابه (حمامة البشرى) فيما يخص التعبير "خاتم النبيين"، وإقراره
بتفسير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للتعبير "خاتم النبيين" كما أورد ذلك
الميرزا غلام أحمد بنفسه.
7-
قولهم إنّ الميرزا
غلام إنما كان يقصد بالتعبير "لا نبيّ بعده" إنما قصد نبوة التشريع، ولم
يقصد النبوة على عمومها قول فاسد، حتى لو ثبت ذلك عن الميرزا غلام، لأن الميرزا غلام
أحمد قال بعدم تخصيص العام أو الإستثناء منه إلا بالدليل، وطبعًا يقصد الدليل القطعي،
لأنّ الدليل الظني لا يغني من الحق شيئًا، وحيث أنه لا يوجد في الآية "وخاتم النبيين"
ولا في غيرها ما يدل على التخصيص أو الإستثناء من عموم النبوة، فلا يصح الادعاء بأنّ
قصد الميرزا غلام النبوة التشريعية هي التي تمت وأغلقت.
انتهى الرد باختصار
شديد والله أعلى وأعلم
و لنا تفصيلات بإذن
الله وإضافات لاحقا فيما يخص تخريج الأحاديث التي أوردها الأحمديون باذن الله تعالى
.
د.إبراهيم بدوي
14/11/2017
26/1/2024
الله يبارك فيك
ردحذفجزاكم الله خيرا
ردحذفبارك الله فيكم
ردحذفمجهود جبار جدا تشكر عليه
ردحذفبارك الله فيكم شيخنا