و طبعا تفسير الميرزا هذا تفسير سقيم و لم أرى أحدا من المفسرين قال به بحسب ما تيسر لي من البحث ، و أيضا لم يقل به الخليفة الأول الأحمدي نور الدين في تفسيره حقائق الفرقان ، و لم يقل به أيضا الخليفة الأحمدي الثاني بشير الدين محمود الملقب - زورا - بالمصلح الموعود .
و الذي قصدته من العنوان ( الميرزا جاء ليكحلها فأعماها) أن الميرزا سبق أن فسر نفس الآية " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم..." في كتاب كحل عيون الاريا/1886 بأن كلمة " عبادي " في الآية هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أن الله خاطبه بالجمع اي عبادي بدلا من عبدي على سبيل التقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
إذن هناك أكثر من تفسير للميرزا لكلمة " عبادي " في الآية مما يفقدها الإستدلال بها لأنها أصبحت غير قطعية الدلالة و هذا عموم ما ينص عليه الميرزا كما في كتاب مناظرة لدهيانة أن تعدد التفاسير للآية من المفسرين يجعلها ظنية الدلالة ، فما بالنا بتعدد التفاسير و الاختلاف من نفس المفسر ؟
فكيف يفصل الميرزا في نص وحي له كفري بنسبة الأولاد لله بنص ظني الدلالة ؟
و مع العلم أن كلا التفسيرين للميرزا تفسيرات باطنية لا دليل عليها و لم يقل غيره بها ولا أتباعه مثل الخليفة الأول و الثاني .
و هذا نص كلام الميرزا من كتاب التذكرة :
" أنت مني بمنـزلة أولادي "
وفي الحاشية يقول الميرزا :
" لا يغيبنّ عن البال أن الله تعالى منـزه عن الأولاد، فلا شريكَ له وولد، ولا يحقّ لأحد أن يقول إني إله أو ابن إله، لكن هذه الجملة قد وردت هنا على سبيل المجاز والاستعارة، تمامًا كما وصف الله تعالى في كلامه المجيد رسولَه صلى الله عليه وسلم بأن يده يده حيث قال: " يدُ الله فوق أيديه " ، كذلك قال تعالى له أن يعلن: " قُلْ يا عبادي" بدلاً من أن يقول: "قل يا عبادَ الله"، وقال تعالى: " فاذكروا الله كذكرِكم آباءَكم" . فاقرأوا كلام الله هذا بحذر وحيطة، وآمِنوا به باعتباره من قبيل المتشابهات، ولا تتدخلوا في كيفيته وتفصيله، مفوضين حقيقته إلى الله تعالى، وموقنين بأن الله منـزه عن اتخاذ ولد، إلا أن كلامه يحوي كثيراً من المتشابهات، فاتقوا اتّباع المتشابهات فتهلكوا. ولقد ورد عني من البينات الوحيُ التالي في البراهين الأحمدية: "قُلْ إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد، والخيرُ كله في القرآن." (دافع البلاء، الخزائن الروحانية، مجلد 18، ص 227) انتهى النقل .
و هذا هو النص من كتاب " دخل عيون الاريا" /1886
" و تفسير الميرزا له :
الآية 54: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
من الواضح أن بني آدم ليسوا عباد النبي - صلى الله عليه وسلم - بل الأنبياء وغير الأنبياء كلهم عباد الله، ولكن لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حائزا على قرب أتم إلى مولاه الكريم أي كان حائزا على الدرجة الثالثة من القرب لذا جاء هذا الكلام في مقام الجمع. (كحل لعيون الآريا، ص 228 - 229، الحاشية). انتهى النقل .
واضح من النص السابق نفي عبودية الأتباع في الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما العبودية لله حتى على سبيل الاستعارة و المجاز .
و الآن ننتقل لنص اخر للميرزا من كتاب " مرآة كمالات الإسلام " سنة 1892 يثبت فيه الميرزا العبودية بمعان متعددة من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لقد قال - عز وجل - في هذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِيَ} ولم يقل: "قل يا عباد الله"، والسرّ في استخدام هذا الأسلوب هو أنها نزلت لكي يبشر الله تعالى برحمة لا تنتهي، ويهدِّئ روع الذين صاروا مهيضي القلوب بسبب كثرة المعاصي. فأراد الله جلّ شأنه بواسطة هذه الآية أن يقدم مثالا على أنواع رحمته ويُري العبد إلى أيّ مدى يُكرم عباده الأوفياء بإنعاماته الخاصة. فوضّح - سبحانه وتعالى - من خلال العبارة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ} أن انظُروا إلامَ وصل رسولي الحبيب، انظروا إلى عبدي المصطفى الذي بواسطة الطاعة الكاملة
صار له كلّ ما كان لي
[ ابراهيم بدوي: هنا أثبت الميرزا العبودية من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس العبودية لله و لو على سبيل المجاز و هذا يناقض قوله في كتاب كحل عيون الاريا]
والذي يتحرّى النجاة فليكن عبدا له أي يجب أن يفنى في طاعته وكأنه عبدٌ له. عندها سيُغفر له مهما كان مذنبا من قبل.
إن "العبد" يُطلَق في اللغة العربية على الرقيق أيضا، كما يقول الله جلّ شأنه: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (1).[ ابراهيم بدوي: الجاهل الميرزا لا يعرف أن المقصود بالعبد هنا العبد المملوك الذي كان يباع و يشترى ] ففي هذه الآية إشارة إلى أن مَن يودّ نجاته يجب أن ينشئ مع هذا النبي علاقة العبودية أي لا يخرج عن أوامره قيد شعرة وليعُدَّ نفسه منوطا بذيل طاعته، شأنه في ذلك شأن الرقيق."
و يقول أيضا الميرزا :
" فليكن واضحا أيضا في هذا المقام أن محصلة هذه الآية هي أن الذين يصبحون عبيدا لك يا رسول الله، قلبا وقالبا، يوهَبون نور الإيمان والحبَّ والعشقَ الذي سيحررهم من غير الله ويُنقَذون من الذنوب، ويُرزَقون حياة طيبة في هذه الدنيا وسيُخرَجون من قبور الأهواء النفسانية الضيقة والمظلمة. هذا ما يشير إليه الحديث: "أنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي." (مرآة كمالات الإسلام، ص 190 - 194)انتهى النقل .
كنا نتمنى من الميرزا أن يأتي بنص الحديث الاخير كاملا و لكنه ذكر ما يعجبه فقط .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أنا مُحَمَّدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا الماحِي، الذي يُمْحى بيَ الكُفْرُ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ النّاسُ على عَقِبِي، وأنا العاقِبُ والْعاقِبُ الذي ليسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ.
مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٢٣٥٤ • [صحيح]
و يقول أيضا :
" إنَّ لي أسماءً: أنا محمدُ، وأنا أحمدُ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفرَ، وأنا الحاشرُ الذي يُحشَرُ الناسُ على قَدَمي، وأنا العاقبُ، والعاقبُ الذي ليس بعده نبيٌّ
الألباني (١٤٢٠ هـ)، مختصر الشمائل ٣١٥ • صحيح
و الآن مع أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري و مسلم ينهى فيها عن قول عبدي و أمتي من المالك للمملوك، فكيف ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عما ارتضاه الله له كما يدعي الميرزا و لو بالاستعارة و المجاز .
1- [عن أبي هريرة:] لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ وضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، ولْيَقُلْ: سَيِّدِي مَوْلايَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ: عَبْدِي أمَتِي، ولْيَقُلْ: فَتايَ وفَتاتي وغُلامِي.
البخاري (٢٥٦ هـ)، صحيح البخاري ٢٥٥٢ • [صحيح]
2- [عن أبي هريرة:] لا يَقُلْ أحَدُكُمُ اسْقِ رَبَّكَ، أطْعِمْ رَبَّكَ، وضِّئْ رَبَّكَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ رَبِّي، ولْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلايَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ عَبْدِي أمَتِي، ولْيَقُلْ فَتايَ فَتاتي غُلامِي.
مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٢٢٤٩ • [صحيح] •
3- [عن أبي هريرة:] لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، ولَكِنْ لِيَقُلْ: فَتايَ، ولا يَقُلِ العَبْدُ: رَبِّي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: سَيِّدِي.
مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٢٢٤٩ • [صحيح] .
و في النهاية :
أثبتنا تعدد تفسير الميرزا المتعارض للآية " قل يا عبادي الذين أسرفوا ...." من كلام الميرزا نفسه مما يجعلها ظنية الدلالة في اعتبار أن العباد فيها منسوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم و ليس لله .
و أثبتنا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول المالك للمملوك عبدي مما يدل على أن الآية لا تدل أبدا أن العباد فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم و إلا اعتبر مخالفة لنص الآية لو كان كما يقول الميرزا أن العبودية فيها من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يدعي الميرزا.
و للحديث بقية .
د ابراهيم بدوي
4/10/2019
مقال (324) وحي الميرزا " أنت
مني بمنزلة أولادي" و علاقته بالمجاز و الاستعارة.
مقال (325) تعلق بالميرزا بالآية "يد الله فوق أيديهم
" في شرحه لوحيه الكفري" أنت مني بمنزلة أولادي "
تعليقات
إرسال تعليق