القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب المؤمن من يؤمن بالمبعوثين جميعا.




رابط تحميل الكتابpdf :


المؤمن من يؤمن بالمبعوثين جميعا
لصاحبزاده مرزا بشير الدين محمود أحمد
 الديباجة
قبل بضعة أيام نُشر في مجلة "المنار" ضد المسيح الموعود  وخليفة المسيح اعتراضٌ أنهما أحدثا خلافا بين الأحمديين وغيرهم لاختلاف عقدي بسيط، وقالا بأن هناك خلافا أساسيا بيننا. كذلك نشر أحد المتعصبين مقالا في جريدة "بيسه أخبار" كتب فيه أنه من المتوقَّع أن الخليفة سيسحب هذا القرار وبذلك سيُبطل إلهامات مرزا المحترم، وسيسحب فتوى تكفير غير الأحمديين. ولكن من الغريب حقا أن هؤلاء القوم لم يفكروا أننا ما دمنا نؤمن بالمرزا المحترم نبيا فأنّى لنا أن نرُدّ فتواه، وأن الخليفة هو خليفته ومتمِّم مهامه فأنّى له أن يُبطل إلهاماته؟ الحق أن هؤلاء الناس لا يدركون حقيقة معارضة المبعوثين والأنبياء والرسل لذلك يقولون: كيف يصبح معارضوه  كفارا؟ أو كيف صار الذين ينكرونه كفارا بصحة النية على الأقل؟ ولكنني أتساءل: هل الذين لم يؤمنوا برسول الله  كانوا كلهم ذوي نوايا سيئة؟ وهل قامت الحجة عليهم جميعا؟ من ذهب لتبليغ الإسلام في سلسلة جبال سويسرا؟ ولكنهم مع ذلك يُعدون كفارا بحسب مبادئ الإسلام. أما السؤال، هل سيلقون العقاب أم لا فهذا ما يعلمه الله تعالى. إن الشريعة تُفتي بالنظر إلى ظاهر الأمور لذلك سندعوهم كفارا. فلما كان سكان التيبت وسويسرا كفارا لعدم إيمانهم برسول الله  فكيف سيُعد سكان الهند مؤمنين مع عدم إيمانهم بالمسيح الموعود ؟ فلما كانت هذه الفكرة سخيفة للغاية وبعيدة عن العقل لذا رأيتُ دحضها ضروريا حتى لا ينخدع بها الإخوة الأحمديون. ولكن لما كانت فتوى خليفة المسيح أيضا ضرورية لذا قدِّم إليه هذا المقال بالتمام والكمال وكتب عليه حضرته بأني لا أعارضه قط. وكتب أيضا: "اُنشُره"  لذا أنشره لهداية الناس عامة، ويجب على الإخوة الأحمديين أن يشيعوه على نطاق واسع، ويُسمعوه لغير الأحمديين لأنهم عازمون بشدة على أن يضُمّونا إلى صفوفهم. فإذا كان الإنسان يبقى مسلما مع معارضته المسيح الموعود  فما الفائدة من بعثته أصلا؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العبد المتواضع: مرزامحمود أحمد



بسم الله الرحمن الرحيم     نحمده ونصلي على رسوله الكريم
نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
المماثلة بين المسيحَينِ
يتضح من الآيات: صراط الذين أنعمت عليهم وتَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ (البقرة: 119) أن لجماعات الأنبياء ومعارضيهم نمطا واحدا، أي يشبه الأنبياءُ أنبياءً وتماثل جماعاتهم جماعات سبقتهم ويماثل مكفِّروهم مكفِّرين سبقوهم. فكما يسلك الأنبياء وجماعاتهم طريقا واحدا باستمرار كذلك يعمل أتباع معارضيهم أيضا بسنّة الذين سبقوهم، وخاصة الأنبياء الذين يماثلون بعضهم وهم مكلَّفون بمهمة مماثلة تتشابه أحوالهم كثيرا، وتحل بهم وبجماعاتهم ابتلاءات مماثلة، ويواجهون هجمات الشياطين المماثلة، وتتم محاولات مماثلة لإغوائهم. ولما كان سيدنا المسيح الموعود  مثيل المسيح الناصري لذا هناك مماثلة كبيرة بين سوانحهما أيضا. فكما كانت في عصر المسيح الناصري سلطنة يسودها الأمن والسلام كذلك توجد الآن أيضا حكومة يسودها الأمن والسلام أكثر منها. وكما كان الحكم حينذاك في أيدي الأجانب كذلك يحكم هذا البلد أيضا الأجانب، وكما كانت الدعوة في ذلك البلد تُبلَّغ بواسطة الخطابات والكتابة كذلك الحال في هذا البلد أيضا. وكما رُفعت قضية القتل ضد المسيح الناصري وبُرِّئت ساحته في نهاية المطاف كذلك رُفعت قضية القتل ضد المسيح الموعود  وبُرِّئت ساحته في الأخير. وكما أُصدرت فتاوى الكفر ضد المسيح الناصري كذلك أُصدرت ضد المسيح الموعود ، وكما لاحقه المشايخ المعارضون كذلك حدث للمسيح الموعود . فكان ضروريا أن يحل بجماعته  ابتلاء كما حلّت بجماعة المسيح الناصري . فكانت تخطر ببالي منذ زمن طويل وكنت أخشى حلولها -ولعلني لن أكون مخطئا إن قلتُ منذ زمن المسيح الموعود - وأرى آثارها بادية منذ فترة طويلة. ولكن المسيح الموعود  ما كان مثيل المسيح الناصري  فقط بل كان مهديا موعودا أيضا لذا نأمل بل نحن واثقون أن جماعتنا ستخرج من هذه الابتلاءات ناجحة وبلا عيب بإذن الله.
ولقد سمعت من خليفة المسيح -إن لم أكن مخطئا- أنه قال للمسيح الموعود  مرة: إنك مثيل المسيح الناصري  لهذا فإننا نخاف الأحداث التي واجهتها جماعته . فقال: نعم، هناك  ما يدعو إلى الخوف ولكن لـمّا كنتُ مهديا أيضا لذا سوف يجعل الله تعالى العاقبة حسنة. إذًا، هناك أمل كبير للعاقبة الحسنة وإن كان هناك ما يدفع إلى الخوف أيضا.
غزو الأمم الأخرى بعد المسيح الناصري : والآن أعود إلى صلب الموضوع وأبيّن الابتلاءات التي واجهتها جماعة المسيح الناصري  بعد وفاته. يتضح من الإنجيل أن الأمم الأخرى بدأت تشد جماعته إلى نفسها بعد وفاته وظهرت للعيان أحداث انضمام المسيحيين إلى تلك الأقوام، وغلبت الكثرة على حفنة من المسيحيين وتطرقت إليهم أفكار مشركة مع مداهنة اليونانيين والرومان. والحواريون الذين انفصلوا عنهم استمرت بقيتهم إلى زمن خاتم النبيين  رسول رب العالمين إلى يوم الدين. ولأنه قد جاء التوحيد الحقيقي بعد ذلك فرفعهم الله تعالى من هذا العالم فقضوا نحبهم بصمت بعد إنجاز مهمتهم. فقد جاء سلمان الفارسي  إلى رسول الله  نتيجة إرشادهم إياه.
الثبات عند وفاة المسيح الثاني: لقد قام معارضو الجماعة بخطط مماثلة في الأيام الأخيرة من حياة سيدنا المسيح الموعود  وبعد وفاته أيضا، ولا يزالون يقومون بها. كان هناك زمن حين كانت فتاوى الكفر ضدنا تُنشر في كل حدب وصوب، وكان أفراد جماعتنا الضعفاء وعديمو الحيلة يُسحقون دون هوادة فكانوا يُضربون ويسمعون الشتائم ويُقتلون دون أن يرتكبوا جريمة ويُجَرّون إلى المحاكم. ولكن لماذا يحدث كل ذلك؟ لسبب وحيد هو أننا نؤمن بأن الله قادر وقد بعث شخصا من هذه الأمة بحسب نبوءة رسول الله  لينقذ العالم من الضلال وسماه المسيح الموعود والمهدي المسعود. فكأننا متّهَمون لماذا آمنا بأمر الله تعالى ولماذا لم نطلب منه أن يعفينا من طاعة هذا الأمر. نعم، قد اعتُبرنا جديرين بالقتل لأننا خضعنا لأمر المالك الحقيقي ولم نلتحق بالمتمردين الذين رفضوا مبعوثا ربّانيا. إذا كانت هذه جريمة فعلا نستحق عليها العقاب فنقول حالفين بالله بأننا قد ارتكبناها حتما وكما قال المسيح الموعود  عن رسول الله  في بيت شعره ما تعريبه:
         إني لنشوانٌ بعشق محمد ... مِن بعد حب الله جل جلالهُ
         إن كان هذا كفر فإني لكافرٌ ... ربي شهيد قد سباني جمالهُ
نقول أيضا بأنه إذا كان الإيمان بالمبعوثين من الله ورسله وطاعتهم كفرا فوالله نحن كفار حتما، وإذا كان هذا هو الكفر فنؤمن بأن هذا الكفر هو وسيلة النجاة.
تقدم الجماعة ومكر المعارضين: ثم جاء زمان وهبنا الله تعالى فيه فتوحات وبدأت الجماعة تحرز تقدما إثر تقدم، وكلما أثار المعارضون ضجة تقدمت الجماعة أكثر، وهناك عشرات من الذين انضموا إلى جماعتنا بعد قراءة كتب معارضينا فقط، وكلما عُذِّبنا وأُوذينا حازت جماعتنا تقدما وعزة بدلا من الذلة والهوان. وكلما أراد معارضونا أن يطرحونا في بئر الخمول أقامنا الله تعالى على تلة الشهرة العالية وترسخ رُعب جماعتنا في قلوب المعارضين وشاهدوا بأم أعينهم نصرة وفتحا من الله ورأوا بأنفسهم أن عساكر أعداء الإسلام فرّت من أمامنا، وسمعوا بآذانهم أن الدجال لم يستطع الوقوف أمام هذا المسيح وتناهت إلى آذانهم أصوات الملائكة المهيبةُ. عندها أيقنوا أن هذه الجماعة ستزداد وتزدهر وسيعلو صوتها في كل أرض خضراء وفلاة جرداء وجبال شاهقة وميادين واسعة وشاسعة، وأن علامة الإسلام أي كلمة الشهادة التي زال رونقها وعلاها الصدأ بسبب الأفكار المشركة ستظهر أمام العالم من جديد ببهائها الحقيقي. وليس ببعيد اليومُ الذي سيرى فيه العالم بأمر من الله أنه: "جاء نذير في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله، ويُظهر صدقه بصولٍ قويٍّ شديدٍ صول بعد صولٍ." عندما حصحص الحق وتبين الأمر أراد الشيطان أن يستخدم سلاحا أساء به إلى جماعة المسيح الناصري  وكسر قوتها المتزايدة، أي عندما رأى أن المشايخ وأصحاب الزوايا قد أفسدوا الأمر فاختار فئة الأثرياء والمثقفين، ولأن معظم هؤلاء الناس إما يكونون ملحدين أو يجهلون حقيقة الدين عادة، وتكون نسبة قليلة منهم من الملتزمين بالصلاة والصوم والزكاة، فأعطى في أيديهم السلاح نفسه الذي أعطاه الأمم الأخرى مقابل الحواريين، أي تقدموا للصلح وتظاهروا وكأن همَّ الإسلام قصم ظهورهم وكأن قلوبهم تكاد تنخلع وعيونهم تذرف دموعا نظرا إلى الفُرقة بين فِرق مختلفة، وهذا يشكل عليهم عبئا كسر ظهرهم وكأنهم يموتون قبل أن يموتوا نظرا إلى دمار المسلمين. فجاؤونا متنكّرين ومقرّين بأخطائهم وقالوا بأننا كنا مخطئين إذ انفصلنا عنكم فنرجوا أن تغضوا الطرف عن غفلتنا لأن العفو شيمة العظام دائما، فاعفُوا عنا واحسِبونا ناصحين أمناء لكم، ولتكن هناك وحدة بيننا وبينكم من اليوم لننقذ الإسلام من الأعداء متحدين. ثم جعلوا يتذمرون كعاشق مشغوف وقالوا: ليس بيننا وبينكم اختلاف أساسي فإن إلهنا واحد ورسولنا واحد فلماذا انفصلتم عنا ولماذا تركتم أداء الصلاة وراءنا؟ وإذا صدر من جهالنا خطأ فهل كان ضروريا أن تنزعجوا منه؟ إنكم رحماء جدا فكان عليكم أن تبدوا رحابة الصدر، يُستبعد منكم أن تكفِّرونا على أننا لا نؤمن بالمرزا المحترم مبعوثا من الله فقط. غير أننا نعُد مرزا المحترم إنسانا تقيا وخادما صادقا للإسلام، والفرق الوحيد معكم هو أننا لا نقبل بعض ادّعاءاته التي يدّعي فيها أنه رسول من الله ومسيح موعود ومهدي مسعود. وقد أكّدوا على هذه الأمور بمناسبات مختلفة وأمام أناس مختلفين حتى كادت عيون كثير منهم تغرورق بالدموع وكادوا يعانقوهم كما يعانق الذين يلتقون بعد فراق طويل، ويزيلوا الخلافات المتبادلة ولكن كان من فضل الله أن غلب شأن مهدوية المسيح  الموعود .
حماية الجماعة واستئصال مكر الأعداء:  لقد حمانا الله تعالى في وقت عصيب وأدرك الكثيرون أنه إذا كانت هذه هي النتيجة التي تظهر للعيان بعد بعثة المبعوث وهكذا تكون عاقبة الأمور ويبقى الإنسان حبيب الله مع الإنكار أيضا فما حاجتنا لمواجهة المصائب إلى هذا الحد؟ ولماذا جعلنا الله تعالى عرضة للمصائب دون مبرر بإرساله مبعوثا من عنده، وجعلنا مستحقَرين وكفارا في أعين المعارف والأغيار؟ فقالوا بأنه إذا كان إنكار المبعوث أمرا بسيطا وهيّنا فلماذا قال الله تعالى بأنه سيهلك العالم نتيجة إنكاره، ولماذا أنزل  أنواع العذابات في العالم وأهلك مئات آلاف الناس في لمح البصر، ولماذا جعل علماء البلد وفضلاءه يواجهون الذلة والهوان إلى مدة طويلة نتيجة معارضة هذا المبعوث؟ ولماذا أنبأ ببعثته على لسان الأنبياء قبل آلاف السنين من اليوم وذكره في الإنجيل وأنبأ ببعثته في القرآن الكريم؟ فإذا كان الأمر بسيطا أو كان الفرق جزئيا فقط فلماذا قال  للمبعوث نفسه إلهاما: "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة"، أي أن المسلمين الذين ينكرونك سأُضعفهم رويدا رويدا وسأعطيك عظمة وسينال أتباعك عزة مقابلهم دائما. فاستبشرت قلوبهم بعد هذا التفكير وعلموا أن الله تعالى هداهم في وقت مناسب حين كانوا على وشك السقوط في الهوة. ولكن من ناحية ثانية ظل الشغب يزداد ويتفاقم وأرى الآن أن معارضينا يؤكّدون في الجرائد علنا أن اتركوا هذا الفِراق وتعالوا وانضموا إلينا وإنْ صدر من المرزا المحترم خطأ في دعاويه. ففي هذا الوقت رأيت من المناسب أن أكشف خداع هؤلاء الناس وأحذّر الناس من الخطر الكامن في هذه العلاقة وأُطلعهم على رأي الخليفة أيضا في هذا الموضوع ليثبتوا على موقفهم بأقدام راسخة.
وأقول صدقا وحقا أنه ليس في قلبي شائبة من النفاق عندما أكتب هذا الكلام، لو كنت أحب النفاق لسعيتُ قبل غيري لأنضم إلى جماعة غير الأحمديين العظيمة، وكان من شأن ذلك أن تقِلّ الشتائم التي تُكال للمسيح الموعود . من لا يحب ألا يشتم الناس أباه وألا تُستخدم بحق أبيه كلمات بذيئة ونابية. فإن كنتم تريدون إنقاذه من هجمات الأعداء حاسبين إياه مرشدا لكم فإن لي معه علاقتان فهو والدي وسيدي ومرشدي أيضا، ولكنني أفضّل الموت على النفاق وأعوذ بالله من قول ما ليس في قلبي، وأستعين بالله تعالى في هذا الأمر وأدعوه  أن يجنِّبني الوقوع في الذنوب. أعرف جيدا أنه ليس لأحد أن ينقذني من حاوية الذنوب إلا الله، وإنني على يقين كامل أنه: "من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له". فقد شرعتُ في هذا العمل مستعيذا به  من شرور النفس وخبث الباطن. وآمل أنه سينقذني حتما ويحميني من كل ابتلاء.
فباختصار، أيها الأعزاء إننا نؤمن بأن المسيح الموعود  كان مرسَلا من الله ومبعوثا منه ، ونوقن بأن الله تعالى أرسل أنبياءه دائما ولا ندري كم منهم سيرسل في المستقبل. ولكن إلى جانب ذلك نؤمن أيضا أنه لن يأتي نبي مشرع بعد نبينا الكريم الرؤوف الرحيم رسول الله خاتم النبيين، وهو خاتم النبوات كلها، وإذا وصل أحد إلى الله تعالى في المستقبل فسيصل مرورا ببابه  حصرا كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ (آل عمران: 32) ففي ذلك شرفه وعظمته، لأن الذي لا يعمل تحت إمرته ضابط كيف يكون جديرًا بالاحترام؟ بل الأجدر بالاحترام هو الذي يعمل تحته ضباط كثيرون. انظروا في هذا العالم مثلا هل تحسبون لقب "الملك" أجدر بالاحترام أم لقب "الإمبراطور"؟ من المعلوم أن لقب "الإمبراطور" يُعَدّ الأجدر بالاحترام من الملك وليس أقل منه لأن مفهوم الإمبراطور يتضمن الحكم على الملوك. كذلك النبوة التي تأتي في ظلها نبوات أخرى هي الأعلى والأفضل من التي لا نبوة تحت ظلها. هل الذي يوصل الإنسان إلى البلاط الملكي أجدر بالاحترام أم الذي يخذله على الباب فقط؟ فإننا نوقن بأن محمدا رسول الله يرفع الناس من أمته ويوصلهم إلى أعلى المقامات، وسيكون تحته آلاف الأنبياء الذين يطيعونه في كل صغيرة وكبيرة ويحسبون النجاة في حبه وطاعته. فهل هذه الدرجة هي الأكرم أم التي يقدمها معارضونا. بحسب هذا المبدأ نؤمن  بالمسيح الموعود  مبعوثا من الله ونبيا بحسب الأحاديث الصحيحة، وهذا الاعتقاد لا يقلل من شأن رسول الله  بل يثبت علوّه وفضله.
ذلة المنكرين: نؤمن أيضا أنه كما يُطرَد منكرو أنبياء الله تعالى الآخرين عن عتباته  كذلك هو حال منكري المسيح الموعود ، وقد لاحظنا ذلك بأم أعيننا. فكم سيكون الموقف غريبا أن نرى بأم أعيننا ثم ننكر أن الله تعالى كتب لمعارضي المسيح الموعود ذلة كبيرة
وأن تبهر عيوننا برؤية العزة الدنيوية. لم نواجه تلك المصائب والمعاناة التي واجهها الصحابة ، أفلا يكون جُبننا دالا على ضعف إيماننا في هذه الحالة؟ متى قلنا بأن معارضينا يكفرون بالله؟ ولكن مما لا شك فيه أنهم يكفرون بمبعوث رباني. معنى الكافر هو المنكر، فما أشنع الكذب إن عددناهم مؤمنين على كونهم منكرين؟ فلا يمكن أن يكونوا مؤمنين إلا إذا تراجعوا عن معتقداتهم الباطلة وبايعوا على يد خليفة المسيح الموعود. فمن كان منكرا في الحقيقة كيف يمكن أن نعُدّه مؤمنا؟ فالذين ينكرون على الرغم من رؤية آلاف الآيات لا شك في كونهم كافرين بالمبعوث الرباني، ولا يبالون بأوامر الله أدنى مبالاة لأنهم لو كانوا يخشون الله وكان في قلوبهم نور الإيمان لما أساؤوا إلى مبعوث رباني إلى هذا الحد.
الموعود في أذهانهم: من الغريب حقا أنهم يعطون الموعود في أذهانهم مرتبة بأن منكريه سيكونون كفارا والذي يعارضه سيكون دجالا ويُهلَك، فكيف يتوقعون منا فتوى غير ذلك ما دام المسيح الموعود يدّعي أنه هو الموعود نفسه وهم يعارضونه؟ علما أن اعتقادنا بهم أخف من اعتقادهم بمعارضي الموعود المقبل.
الصلح مستحيل: لقد أثيرت هذه القضية مرارا في زمن المسيح الموعود  أيضا ووضحها   جيدا بحيث لا يمكن إنكارها قط إلا إذا أهمل أحد تلك الفتاوى كلها. فلماذا يريد معارضونا مرارا وتكرارا أن يتصالحوا معنا. عليهم أن يذكروا زمنا حين كانت فتاوي التكفير تنهال علينا وكانت أبداننا تُجرح بسهام اللوم وكان جميع الناس يترقبون متى ستدمَّر هذه الجماعة؟ ولكن الله تعالى أيّدنا في ذلك الوقت العصيب وأنقذنا من كل ألم وحزن وجنَّبنا من كل شر وفتنة، كم سنكون ناكري فضل الله إنْ نبذنا نهي الله -الوارد في الآية: لَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (هود: 114)- وراء ظهورنا، والعياذ بالله؟ فكِّروا قليلا أنه إذا اتّهم أحد أبا أحدكم بالكذب وحسبه مفتريا فإنه يقطع علاقته به ولا يمكن أن يعقد معه الصداقة ولا يحبه فأنّى لنا أن نتصالح مع الذين يكذّبون ويسيئون إلى من هو أكثر احتراما عندنا وأحبّ إلينا من أبينا؟ وإذا فعلنا ذلك فمن سيكون أوقح منا؟ لا يجيز الإسلام التعصب والمعارضة في الأمور الدنيوية، فيمكننا أن نتسامح مع هؤلاء القوم فيما يتعلق بهذه الأمور، أما في أمور الدين فلهم مسلك ولنا مسلك. ومَثل ذلك كمثل مسلم يعامل أبويه (غير المسلمين) معاملة حسنة ولا مانع في ذلك بل هو مأمور بذلك. ولكن عندنا تحفظات في الصلاة وراء هؤلاء، والمسئولية في ذلك تقع عليهم لأنهم هم الذين بدأوا بتكفيرنا ولم نبدأ به نحن. لقد رحم الله في البداية ولم يأمر بشيء في هذا الموضوع ولكن عندما تفاقمت المعارضة كثيرا أراد الله أن يَحرمهم من البركة التي كانوا حائزين عليها نتيجة علاقتهم السطحية بالمبعوث الرباني، وأمر أنه  ليست لكم علاقة بهم، فكيف يمكن أن ننضم إليهم ناقضين أمر الله؟
هل يمكن أن يكون المبعوث من الله مخطئا: ينبغي على معارضينا أن يفكِّروا في نفوسهم على الأقل أنه إذا كانوا يحسبون المسيح الموعود  صادقا كيف يسعهم القول بأنه ظل يكذب على الله؟ والذين يقولون بأنهم لا يحسبون المسيح الموعود كاذبا في ذلك بل يعدّونه مخطئا، إنهم يجهلون حقيقة الإلهام كليا بل ينكرونه لأنه لا يمكن أن يدّعي أحد كل يوم بأن الله تعالى كلّمه وقال بأنك مأمور ومرسَل ومع ذلك يبقى هذا الشخص على الخطأ. إن مَثل ذلك كأنْ يقول لنا زيدٌ كل يوم أنه قابل عمرا ثم نقول له بعد سماع كلامه كل يوم إنه مخطئ في ذلك. لا يفتي عاقل عن شخص مثله أنه مخطئ بل إما يعُدّه كاذبا أو صادقا. إذًا، ما دام المسيح الموعود  يدّعي منذ ثلاثين عاما أن الله تعالى يكلِّمه كل يوم تقريبا، ويقدم آلاف العبارات ويقول بأنها أُوحيت إليه بينما كانت الحقيقة أنه كان مخطئا في ذلك، والعياذ بالله؛ فالذي يقول بأنه يحسب سيدنا الميرزا صادقا ومواسيا أمينا للإسلام ثم لا يؤمن بإلهاماته فهو إما منافق أو لا يُظهر خبث باطنه ولكنه منكر كليا أو هو مجنون لدرجة لا يستطيع أن يفهم أنه لا يمكن لأحد أن يبقى واقعا في الخطأ إلى ثلاثين عاما أن الله يكلِّمه كل يوم مع أنه لا حقيقة في ذلك. ففي كلتا الحالتين لا علاقة لنا به قط، ولا يمكن أن يكون منّا.
قول المسيح الموعود  والشهادات الإلهامية: والآن أنقل بعض العبارات التي سجّلها المسيح الموعود  في كتبه المختلفة ليعلم أصدقائي ماذا كان يقصد المسيح الموعود . فأورد أولا العبارة التي كتبها  نتيجة إلهام من الله ولا يسع أحمديا أن ينكرها، وهي مسجلة في رسالته ردا على المدعو عبد الحكيم وهي كما يلي:
"إن كنت تقول بأن آلاف الناس الذين ليسوا من جماعتي، ألا يوجد فيهم الأتقياء؟ فعليك أن تفكّر أيضا ألم يوجد الأتقياء بين آلاف اليهود والنصارى الذين لم يُسلموا؟ على أية حال، ما دام الله تعالى كشف لي أن كلّ من بلغته دعوتي ولم يؤمن بي ليس مسلما وهو مسئول عند الله فكيف يمكنني أن أنبذ أمر الله لقول شخص محاط بآلاف الظلمات سلفا؟ بل الأهون من ذلك أن أطرد هذا الشخص من جماعتي. غير أنك إذا نشرتَ توبتك بكلمات صريحة وتراجعت عن هذا الاعتقاد الخبيث فإن باب رحمة الله مفتوح. والذين ينبذون وراء ظهورهم نصوص القرآن الكريم الصريحة عند إنكار دعوتي ويُعرضون عن آيات الله الواضحة فإن حسبانهم أتقياء إنما هو عمل الذي قلبه في قبضة الشيطان".
تثبت من هذه العبارة الأمور التالية: أولا: لقد تلقى المسيح الموعود  إلهاما أن الذين بلغتهم دعوته ولم يقبلوه ليسوا مسلمين. ثانيا: الذين سعوا في التكفير ليسوا وحدهم مسئولين بل كل من لم يؤمن به ليس مسلما. ثالثا: وهو مسئول أمام الله ويستحق العقاب. رابعا: لقد طرد المسيحُ الموعود  المرتدَ عبدَ الحكيم من جماعته بسبب اعتقاده -ما لم يتب منه- أن منكري حضرته  ليسوا كفارا بل هم ناجون. خامسا: قال  بأن هذا الاعتقاد خبيث. سادسا: الذي يحسب منكري المسيح الموعود  ومنكري إلهاماته تقيًّا فقلبُه في قبضة الشيطان.
لم أخترع هذه الأمور من عندي بل هي كلمات المسيح الموعود  التي نقلتها فليقبلها من يشاء وليرفضها من يشاء.
لقد ورد في العبارة المذكورة آنفا أنه  أُخبر بذلك إلهاما وتصدقه الإلهامات التالية التي وُصف فيها المنكرون بالكفار: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. قل عندي شهاد من الله فهل أنتم مؤمنون. قل عندي شهادة من الله فهل أنتم مسلمون. وقل اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون. عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا. يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. قل جاءكم نور من الله فلا تكفروا إن كنتم مؤمنين. إن الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله ردّ عليهم رجل من فارس. شكر الله سعيه، قل يا أيها الكفار إني من الصادقين. وعندي شهادة من الله وإني أمرت وأنا أول المؤمنين. لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا." (التذكرة)
فكما قال المسيح الموعود  في العبارة المسجلة في الأعلى أنه قد أُخبر إلهاما أن الذين لم يقبلوه سواء أكانوا مكفرين أو صامتين ليسوا مسلمين وهم مسئولون عند الله، وأن الذي يحسبهم أتقياء متورط في أفكار شيطانية ما لم يتب. والإلهامات المذكورة آنفا تصدِّق كل ذلك.
كاتم الحق منافق: ما دمنا ندّعي أننا قبلنا الصدق، أفلا يكون نفاق منا إن كتمنا الأمور المذكورة أعلاه؟ هل يقبل مسلم أن يكون صديقه على علاقة بالهندوس أيضا إلى حد ما ويقول لهم بين فينة وفينة بأني أحسبكم أيضا من الناجين وأحباء الله؟ فلماذا يُستاء من ذلك في حالة مسلم عادي؟ السبب هو أنه نفاق. وإذا فعلنا ذلك نحن سيكون نفاقا منا أيضا، بل إذا اعترفنا أمام المعارض ولو بصوت خافت إنه على الحق إلى حد ما ستكون لذلك نتيجتان سيئتان، أولا:  عندما يعلم المعارض اعتقادنا الحقيقي بعد فترة سيكرهنا بشدة ويظن أننا كاذبون من الدرجة القصوى. وثانيا: ما دام المسيح الموعود  قد أفتى في ذلك بكل وضوح والناس يستنبطون منه معنى آخر محرفين فتواه، وإذا أبدينا التهاون، مهما كان قليلا في هذا المقام ستكون نتائجه خطيرة جدا في المستقبل. وسيُعَدّ هذا الصمت إجماعا في المستقبل ولا ندري ماذا ستُستنبَط منه من النتائج. ويستخدم الصلحاء في المستقبل بحقنا كلمات نستخدمها نحن اليوم بحق بولس وغيره، ونكون عرضة للدعاء علينا بدلا من الدعاء لنا. وإن تقصيرنا الحالي سيترك مثالا سيئا للمستقبل لأن أعمال الناس في الزمن القريب من زمن المبعوث الرباني أيضا تؤخذ دليلا.
أما الظن أن المعارضين أكثر عددا فوجب علينا أن نخطو حذرين، ظن باطل تماما لأننا الآن أكثر عددا مما كنا عليه في زمن المسيح الموعود ومع ذلك لم يُعلِّمنا u الخوف بل تصدى لهم بكل شجاعة ولم نواجه أيّ ضرر قط بفضل الله تعالى بل إن جماعتنا أكثر عددا من ذي قبل ولا تزال في ازدياد.
هناك كلمة جديرة بالشرح في العبارة المذكورة آنفا وهي قوله u: كلّ من بلغته دعوتي ولم يؤمن بي ليس مسلما. يمكن أن يكون معنى بلوغ الدعوة أن تبلغ بصورة جديرة بالقبول ولكنها لم تبلغ المعارضين بهذا الشكل إلى الآن. لقد أثار المدعو عبد الحكيم أيضا هذا الاعتراض وأردّ عليه من خلال كتابه u "حقيقة الوحي" حيث يقول:
ما المراد من تبليغ الدعوة؟ "هناك أمران مهمان في تبليغ الدعوة. أولا: من واجب الذي أُرسِل من الله أن يُطلع الناس على أنه أُرسِل من الله تعالى، وينبههم على أخطائهم ويخبرهم أنهم مخطئون في اعتقادهم كذا وكذا، أو أنهم كسالى في حالتهم العملية كذا وكذا. ثانيا: أن يثبت صدقه من خلال الآيات السماوية والأدلة العقلية والنقلية."
هل بلّغ  الدعوة؟ ثم يقول  ما مفاده: لقد سافرتُ إلى البنجاب وبعض مدن الهند وبلّغتُ دعوة الله شخصيا. وألّفت في بيان صدق الإسلام نحو سبعين كتابا بالعربية والفارسية والأردية والإنجليزية قد يصل عدد نُسخها إلى مئة ألف مجلد ونشرتُها في البلاد الإسلامية. كما نشرت للغرض نفسه مئات الألوف من الإعلانات أيضا، ولم يعد الناس في البلاد الأخري يجهلون جماعتنا بل بلغت دعوتنا إلى بلاد نائية في أميركا وأوروبا.
حُكم الذين لم تتم عليهم الحجة: أما الذي لم تتم عليه الحجة عند الله وهو مكذِّب ومنكر فقد سمّته الشريعة كافرا لأن أحكامها تُطلَق على الأعمال الظاهرية، فسندعوه نحن أيضا كافرا اتِّباعا للشريعة، إلا أنه مع ذلك لن يكون مسؤولا عند الله حسب مضمون الآية: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَ (البقرة: 287)
يتبين من الآية المذكورة أنه ليس ضروريا أولا أن يقول زيدٌ أو بكرٌ أن الحجة لم تتم عليه ولم تبلغه الدعوة بل يكفي للنبي أن يخبر الناسَ، وأن تظهر بعد ذلك بعض الآيات من الله تعالى، وبذلك تتم الحجة وتبلغ الدعوة. وهذا هو الصحيح في الحقيقة لأنه عندما بلّغ النبيُّ الناسَ بكل وضوح وظهرت الآيات السماوية أيضا فإن قول أحد أن الدعوة لم تبلغ فلانا وفلانا إلى الآن قول خاطئ تماما. فإذا قُبل هذا الأصل فلا بد من القبول أن دعوة أي مبعوث رباني لم تبلغ إلا إلى الذين بايعوه، وسيبطل عدُّ القرآن الكريم والرسول  وأولياء الله إياهم كفارا.
والأمر الثاني الذي يثبت من هنا هو أن حضرته  بلّغ الدعوة على خير ما يرام وقد بلغت الهندَ كلها بل بعض البلاد الأخرى أيضا.
والأمر الثالث الذي يثبت هنا هو أن الذين لم تبلغهم الدعوة أمرهم إلى الله إذ لا ندري هل بلغتهم الدعوة أم لا لأننا لسنا مطّلعين على ما في الصدور. لذا لما كان حكم الشريعة يُطلق على الظاهر فسنعُدهم كافرين مع أن الله تعالى أعلم هل يستحقون العقاب أو يستحقون فرصة أخرى بموجب الحديث الصحيح.
والذي لا يؤمن به  ولا يكفّره، كافر أيضا. يقول المسيح الموعود : "الغريب أنك تفرّق بين المكفِّر وبين من لا يؤمن، وتحسبهما من نوعين مختلفين مع أنهما من نوع واحد عند الله تعالى، لأن الذي لا يصدّقني فلا يفعل ذلك إلا لأنه يراني مفتريًا. ويقول الله تعالى إن المفتري على الله أكبر الكافرين". (حقيقة الوحي، ص163) ثم يقول في الحاشية: فالذي لا يؤمن بي ويكفِّرني ويحسبني مفتريا يصبح كافرا تلقائيا بتكفيره إيايَ. ثم يقول: والذي لا يؤمن بقول الله ورسوله ويكذِّب القرآن الكريم ويردّ آيات الله عمدا بعد رؤيتها، ويعدُّني مفتريا مع وجود مئات الآيات كيف يكون مؤمنا؟ (حقيقة الوحي، ص164)
فتوى التكفير بحق المتردد: لقد نقلت نصا من كلام المسيح الموعود  ويتبين منه بصراحة أن المكفرين وغير المؤمنين سواسية ولا فرق بينهم، وكما يصبح مكفّر مسلم كافرا بنفسه كذلك الذي لا يؤمن بنبي يصبح كافرا نتيجة عدم إيمانه، وأنقل هنا نصا آخر من كلام المسيح الموعود  قال فيه أن الذي يؤمن بصدقه ولكنه يترد في البيعة لمزيد من الاطمئان هو أيضا كافر. فقد نقل المسيح الوعود في ضمية البراهين الأحمدية، ص187 سؤالا: "لم يظهر من حضرتك ثأثير إلى الآن بصورة واضحة وباهرة. وإن انضمام مئتَي ألف أو ثلاث مئة ألف ليس إلا غيض من فيض. فهل يجوز أم لا أن يتأخّر أحد -بغير الإنكار- ويمتنع عن الانضمام إلى الجماعة إلى وقت ظهور تأثير بيّن؟" فقال في الجواب: "إن التأخُّر والامتناع أيضا نوع من الإنكار."
فكل عاقل فطين يستطيع أن يرى أن السائل اشترط في سؤاله أن شخصا لا يكذّبك ولا ينكرك ولكنه يتأخر في البيعة لمزيد من الاطمئنان فما حكمه؟ فقال : إنه كالمنكر تماما، وإن حكم المنكر مذكور في فتواه التي نقلتها من حقيقة الوحي أي قد عدّه  كافرا. بل الذي لا يكذّبه ولكن لا يؤمن بادّعائه فقد عدّه  كافرا، وكذلك الذي يحسبه صادقا في القلب ولا ينكره باللسان ولكنه يتردد في البيعة حسبه المسيح الموعود  كافر. فالجدير بالتأمل كم كان موقف المسيح الموعود  قويا بهذا الخصوص. وهذا ما يقتضيه العقل لأنه إذا صدّق الهندوسي رسولَ الله  وأقر بذلك في قلبه ولم ينكره ظاهريا أيضا ولكنه يتحاشى إعلان الإسلام لأسباب لا نسميه مسلما بل نعدّه كافرا ولا تجيز شريعة الإسلام عقد علاقات الزواج به قط أي لا تسمح أن تُزوَّج به امرأة مسلمة. كذلك الحال بالنسبة لغير الأحمدي الذي يحسب المسيح الموعود  صادقا في القلب ولكنه متردد في البيعة. فالذين لا يزالون مترددين في قبول ادّعائه فقد أفتى المسيح الموعود  بكفرهم كما نقلت آنفا نصوصا من كلامه.

الكفر نوعان: ثم يقول  في موضع آخر: "لما كان الحكم بحسب الشريعة يُطلَق على ظاهر الأعمال فلا نستطيع أن نعُدّ المنكر مؤمنا، كما لا يسعنا أن نعدّه مبرأً من المؤاخذة. والمعلوم أن الكافر هو الذي يسمَّى منكرا، لأن لفظ "الكافر" يُطلَق مقابل المؤمن. والكفر نوعان، الأول: أن ينكر أحدٌ الإسلامَ ولا يؤمن بالنبي  كرسول من عند الله.
والنوع الثاني من الكفر هو ألا يؤمن بالمسيح الموعود مثلا، وأن يكذِّب -رغم إتمام الحجة- الذي أكد الله ورسوله على تصديقه، مع ورود التأكيد نفسه في كتب الأنبياء السابقين أيضا. فإنه كافر بسبب إنكاره أمر الله وأمر الرسول. ولو تأملنا جيدا لرأينا أن كلا النوعين من الكفر يدخل في نوع واحد في الحقيقة لأن الذي لا يقبل أمر الله والرسول بعد المعرفة جيدا فإنه بحسب نصوص القرآن والحديث الصريحة لا يؤمن بالله ولا بالرسول. وأي شك في أن الذي تمت عليه الحجة عند الله بالكفر من النوع الأول أو الثاني، جدير بالمؤاخذة يوم القيامة." (حقيقة الوحي)
المراد من المكفّر والمتردد: تُستمد من العبارات المذكورة النتائج التالية: أولا، المكفر والمتردد في حكم واحد لأن الذي يؤمن يسمَّى مؤمنا، والكافر يُطلق مقابل المؤمن. وهذا يعني أن الذي لا يؤمن سواء كان مكفرا أو صامتا كلاهما من فئة واحدة. ثانيا: الذي لا يؤمن به يكون مفتريا حتما. ثالثا: الذي لا يؤمن به لا يؤمن بالله وبالرسول  أيضا حقيقةً. رابعا: لأن هذا الشخص ينكر آيات الله فلا يمكن أن يكون مؤمنا. خامسا: لما كانت أحكام الشريعة تُطلق على الظاهر لذا لا نستطيع أن نحسبه مؤمنا. سادسا: هو ليس معفيًّا من المؤاخذة. سابعا: الكفر نوعان، الكفر بالله وبالرسول، والكفر بآيات الله بما فيه الكفر بالمسيح الموعود  أيضا. ثامنا: كل هذه الأنواع من الكفر تدخل في قسم واحد في الحقيقية، فمن كفر به  فقد كفر بالله ورسوله أيضا في الوقت نفسه. تاسعا: وإذا ثبت أن أحدا ارتكب نوعا من هذين النوعين من الكفر فسيكون جديرا بالمؤاخذة يوم القيامة.
المكفرون يستحقون المؤاخذة: تكفي العبارة التالية إثباتا بأن المسيح الموعود  حسِب الذين تمت عليهم الحجة وبلغتهم الدعوة جديرين بالمؤاخذة شرعا حيث يقول: "ما دمت مسيحا موعودا وقد أظهر الله تعالى من أجلي آيات من السماء بشكل عام، فالذي تمت عليه الحجة عند الله بكوني مسيحا موعودا واطلع على ادعائي سيُسأل عنده  لأن الإعراض عن المرسَلين من الله ليس مما لا يُبطش بالمرء عليه. لست أنا المستغيث فيما يتعلق بهذا الذنب بل هو الوحيد الذي بُعثتُ لتأييده أي محمد المصطفى . والذي لا يؤمن بي فإنه لا ينكرني بل يعصي الذي تنبأ بمجيئي." (حقيقة الوحي، ص178)
ثم يقول في كتابه الأربعين 3: "كذلك تشير آية وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (البقرة: 126) أنه عندما ستفترق الأمة المحمدية إلى فِرق كثيرة فسوف يظهر في الزمن الأخير إبراهيمُ، والذين يتبعونه هم تلك الفرقة الناجية من بين سائر الفرق." ويقول في البراهين الأحمدية، الجزء الخامس: "ففي تلك الأيام ستؤسس السماءُ فرقةً أخرى وسينفخ الله تعالى في الصور تأييدا لهذه الفرقة. وسينجذب إليها كل ذي طبيعة سليمة نتيجة صوت الصور إلا الذين هم أشقياء من الأزل الذين خُلقوا لتُملأ بهم الجحيم."
الإيمان بجميع دعاويه  مدار النجاة: بهذا الخصوص أود أن أنقل بيان خليفة المسيح المقرون بالحلف وكتبه الخليفة أيده الله تعالى بعد وفاة المسيح الموعود . وتفصيل ذلك أنه نُشر في مجلة "عصر جديد" مقال تنبأ فيه صاحبه بكل قوة وقال بأن الميرزا المحترم قد مات وخلَفَه المولوي نور الدين، ومعتقداته تخالف معتقدات المرزا المرحوم، وهو لا يقبل كل ما قاله المرزا المحترم، لذا فالأيام قريبة حين يُدخل المولوي نور الدين الجماعةَ الأحمدية كلها في الإسلام من جديد. فرددتُ عليه في مقال كتب فيه حضرته أيده الله تعالى عبارة، وقد نُشرت في مجلة تشحيذ الأذهان، مجلد 3، رقم 8، وهي كما يلي:
"أعلن حالفا بالله أنني أؤمن بجميع دعاوي حضرة المرزا المحترم من الأعماق وأوقن بها، وإن عدَّ معتقداته مدار النجاة هو إيماني". (توقيع، سيدنا خليفة المسيح، نور الدين)
يتبين من هنا أيضا أن معتقدات المسيح الموعود  أيضا مدار النجاة.
كتابات الخليفة الأول : لقد كتب سيدنا خليفة المسيح في إحدى رسائله إلى المرتد الدكتور عبد الحكيم: "ثم ألفت نظرك إلى آية عن معارضة الأنبياء: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (الأَنعام: 43-45) فتأمل في هذه الآية".
وكتب في الرسالة نفسها إلى عبد الحكيم عن نجاة معارضي المسيح الموعود : ترحم 130 مليون مسلم وتقول بأنه كان هناك 130 مليون شخصا في غضون 1300 عام ويجب أن ينال الجميعُ النجاةَ. فيا أيها الحكيم والدكتور إن خلق الله الذي يقدَّر بـ مليارين موجودون حاليا ومنهم 130 مليون أعدّهم رسول الله . فإن المليارين الذين جاؤوا إلى حيز الوجود في مئات آلاف السنين أو منذ مدة لا نعلمها، فلو لم ينجُ جميع هولاء فما أهمية 130 مليون؟!".
ففي هذه العبارة يرد خليفة المسيح على سؤال: لماذا يُعدّ 130 مليون مسلم -وهم ثمرة المساعي الممتدة على 1300 عام- غير ناجين بسبب معارضتهم المسيح الموعود ؟ فيقول إذا كان ممكنا أن يُحرم من النجاة مليارا شخص بسبب معارضتهم رسول الله ، كذلك يمكن أن يُحرم من النجاة 130 مليون أيضا بحسب حكمة الله نتيجة معارضتهم المرزا المحترم. وإن معتقد خليفة المسيح أيده الله واضح جلي من هذين المقتبسين.
يتابع خليفة المسيح نصره الله ويقول: "إن مدار النجاة هو فضل الله تعالى. والتقوى تجذب فضله، وقد ذُكرت التقوى في الآية: "ليس البر..." وقد يكون فيها ذكر المرزا المحترم أيضا." فهنا أشار حضرته إلى جزء من الآية التي جُعل فيه الإيمان بالأنبياء ضروريا من بين أسباب النجاة.
سبيل للمتردد: والآن أنقل عبارة المسيح الموعود  التي ذكر فيها هؤلاء الصامتين حيث يقول: "إذا كان هؤلاء الآخرون (أي المترددون في تصديقي) يتحلون في الحقيقة بشيء من الصدق والإيمان وليسوا منافقين، فلينشروا إعلانًا مفصلاً، ذاكرين فيه اسمَ كل واحد من هؤلاء المشايخ صراحةً، ثم ليعلنوا أن هؤلاء المشايخ (المكفِّرين) كلهم كافرون، لأنهم قد كفّروا مسلمًا. عندئذ سوف أعدّهم أيضًا مسلمين، بشرط ألا تكون فيهم شائبة من النفاق، وألا يكذّبوا معجزات الله الصريحة. ثم يقول  في الأخير: "فلينشروا إعلانًا مفصلاً، بتكفير مئتَي شيخ ذاكرين فيه اسمَ كل واحد منهم صراحةً،. عندئذ سيكون حراما عليّ أن أشك في كونهم مسلمين بشرط ألا تكون فيهم شائبة من النفاق." ثم قال: "وأرى أن جميع الناس الذين لا يؤمنون بي يعدّون كلَّ من كفَّرني مؤمنا. أما أنا فلا أكفِّر أهل القبلة الآن أيضا، ولكن الذين خلقوا سببا للكفر بأيديهم فأنّى لي أن أعدّهم مؤمنين." (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، ج22، ص169)
يتضح من هذه العبارات بوضوح تام أن المسيح الموعود  يَعُدّ الذين لا يكفِّرونه ولا يكفِّرون المشايخ الذين كفّروه ، كافرين لأنه يقول بأن الذين لا يكفّرونه ولا يكفّرون منكريه أيضا فقد ظهر سبب لكفرهم بأيديهم. فقد عدّ المسيح الموعود  عدم تكفير مكفّريه أيضا سببا للكفر. فالذين لا يكفِّرون المسيح الموعود  وإلى جانب ذلك يحسبون غير الأحمديين أيضا مسلمين كاملين هم أيضا كفار ولا يمكن أن يُعَدّوا مسلمين بأي حال.
فلم ير المسيح الموعود  كفاية في أن يكفّروهم بل قال بأن عليهم أن ينشروا في الجرائد إعلانا اسما اسما بكفر الذين كفّروه  ونُشرت فتاواهم بالآلاف في الهند.
الاعتقاد الأخير للمسيح الموعود : قال المسيح الموعود  قبل بضعة أيام من وفاته في أثناء الحديث مع المحامي مستر فضل حسين: "الذين لا يكفّروننا سوف نحسبهم معهم (أي مع المكفرين) ما لم ينشروا إعلانا للانفصال عنهم، وما لم يكتبوا إلى جانب ذلك أسماءهم ويصرحوا بأننا نحسب هؤلاء المكفرين كفارا بموجب الحديث الصحيح". (جريدة "بدر"، أيار/مايو 1908م) وليكن معلوما أن هذه الجملة هي الجملة الأخيرة من الخطاب المذكور. يقدّم معارضونا هذين المقتبسين مرارا وتكرارا ويصرون على أنه ما دام إمامكم كتب أننا لا نكفر الساكتين بحقنا فعليكم أن تنضموا إلينا. ولكنني أستغرب لعقولهم استغرابا ما بعده استغراب وأتأسف أسفًا ما بعده أسف، ألا يرون شروطا قاسية وُضعت في العبارة المذكورة؟ وهل من أحد حقق تلك الشروط؟ يمكنهم أن يخبرونا باسم شخص واحد كفّر مئتَي شيخ اسما اسما بموجب عبارة المسيح الموعود  وأقرّ بأن معجزاته  صادقة، وأنه  كان صادقا، وليس ذلك فحسب بل يجب ألا يكون في إيمانه شائبة من النفاق. فما دام ليس هناك شخص واحد مثله ولم يحقق أحد تلك الشروط فكيف نعُدّهم مختلفين عن الآخرين وكيف ننخدع بأقوالهم المعسولة؟ فلما كتب إمامنا بكلمات صريحة أن الذين لا يكفّروننا سوف نحسبهم أيضا مع المكفرين ما لم يعلنوا انفصالهم عنهم بواسطة الإعلان المنشور وما لم يكتبوا اسما اسما بأنهم يحسبون هؤلاء المكفرين كافرين بموجب الحديث الصحيح. فكيف نخرج من طاعة شخص آمنا بصدقه وشاهدنا معجزاته بأم أعيننا، ولاحظنا علاقته بالله تعالى؟ وكيف ننبذ كلام سيدنا وحاكمنا الذي بِعنا أنفسنا على يده وضحّينا بأفكارنا وأمانينا من أجله؟ لا يمكن أن يتجاسر على ذلك إلا الذي ليس في قلبه إيمان وهو محروم من نور اليقين، أو الذي لم يرزقه الله عين المعرفة. لا تظنوا قطعا أن هناك تعارضا بين هذا القول وما سبقه وأن المسيح الموعود  أبدى في القول الأخير مرونة مقارنة مع
لقول الأول لأن الأنبياء هم أكثر الناس يقينا وإيمانا بإلهاماتهم. يقول المسيح الموعود  في كتابه
الأربعين": إنني أؤمن بالوحي النازل علي كإيماني بالتوراة والإنجيل والقرآن". فإن قلنا بأنه  ألغى كلامه السابق المبني على الإلهام لكان قولنا مكروها جدا. بل من واجبنا أن نوفق بينهما ونجعل هذه العبارة تابعة للعبارة السابقة لأنها موحى بها ولم نوضّح نحن معناها بل وضّحها المسيح الموعود  بنفسه. فإذا تأمل المرء فيها لرأى أن المسيح الموعود  استخدم هنا أسلوب "تعليق محال بالمحال". فالذي سيكفّر معاندي المسيح الموعود  اسما اسما ويحسبه صادقا بكل دعاويه ويؤمن بمعجزاته وإلهاماته كلها ومع ذلك لا يبايعه فهو لا يخلو عن أحد الحالتين، إما أنه منافق لأنه لا يقبل الحق مخافة الناس، أو ينكر أمر الله صراحة لأن المسيح الموعود  بدأ أخذ البيعة نتيجة الإلهام، وقد نُعِتَ منكرو الأنبياء بالكفار في القرآن الكريم.
والذي تبين له الحق ولكنه لا يبايع فهو منافق: الذي استبان له الحق واستوعب صدق المسيح الموعود  ومع ذلك لا يبايع ففيه شائبة النفاق أو الكفر. والمعلوم أن المسيح الموعود  وضع شرطا أن هذا الشخص يجب ألا يكون منافقا. فالذي يعمل بهذه الشروط ستكون البيعة ضرورية له، وإن لم يبايع سيكون منافقا. فمن ينشر إعلانا يكفِّر فيه المشايخ المعارضين ومع ذلك لا يبايع فهو منافق حتما. فقد أقام المسيح الموعود  حجة على المخالفين أولا بتقديمه أمرا محالا ولم يفسح لهم مجالا. والذي يريد أن يتصالح معنا بتقديمه هذا العبارة مَثَله كمثل الذي يقدم آية قرآنية: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (الزخرف: 82) ويطلب منا أن نعبد يسوع ونؤمن به ابنا لله مع أنه قد أشير هنا إلى أنكم لن تستطيعوا أن تثبتوا لله ابنا وبالتالي لن أؤمن بذلك. كذلك قال المسيح الموعود  في العبارة المذكورة أنه إذا نشر أحد إعلانا بتكفير مئتي شيخ من معارضينا اسما اسما ولم تكن فيه شائبة من النفاق أيضا فقبل أنه مؤمن. ولكن من المستحيل أن يفعل أحد ذلك ثم لا يكون منافقا أيضا على الرغم من عدم البيعة. فهذا كان تعليق المحال بالمحال، وإن تقديمه كدليل جهل من الدرجة القصوى.
عدم الإيمان بدعوة المبعوث من الله: لا نريد أن نطوّل الخطاب لأنه لم يقدَّم إلى الآن شخص حقق هذه الشروط، لذا إن طلب الصلح بناء عليها جهل من الدرجة القصوى. إن الذين يأتون إلى الأحمديين فرادى أو جماعات ويقرون مثل هذا الإقرار إن مَثلهم كمثل الذين يقول الله عنهم: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (البقرة: 15) وإذا كانوا يريدون الصلح معنا فذلك لرفع منـزلتهم الدينية وليس لأن في قلوبهم شوقا للدين. لو كان في قلبهم شيء من حب الله حقيقةً وكانت شائبة من التقوى باقية في قلوبهم لأعاروا آذانا صاغية لادّعاء هذا الشخص الذي ظل يعلن بأعلى صوته إلى 23 عاما أن الله تعالى يكلّمه وأرسله لإصلاح العالم وأنه مأمور من الله تعالى. لقد أعلن بعثته من خلال المحاضرات والإعلانات والمجلات والكتب ولكن هل أعار له هؤلاء القوم أدنى اهتمام؟ أما إذا كتبت جريدة كلمة ضد حقوقهم السياسية لاستشاطوا غضبا وخرجت من أفواهم كلمات غير مناسبة تلقائيا، لانتشر الحماس مثل البرق من منطقة "راس كماري" إلى قمم الهملايا ومن كالكوتا إلى بشاور وبدأوا بالتفكر والتأمل بشدة. ولكن ظل صوت مبعوث من الله يتناهى إلى آذانهم إلى 23 عاما باستمرار وحل غضب الله بناء على عدم اهتمام العالم به، ولم يحركوا ساكنا بل ظلوا راقدين في نشوتهم ولم يزيلوا عنهم ألحفة الغفلة، ولم يرفعوا عينا ولم ينتبهوا مَن هو هذا المعلن ولم يبالوا به قط وأنكروا أن يسمعوا نداء الله بل أعرضوا مستحقرين. هذا إيمانهم وهذه حرقتهم للدين، ومع ذلك يدعوننا للصلح. والأغرب من ذلك أن الحزب الذين نشأت هذه الحركة من قِبلهم، والذين يريدوننا أن نصلي وراءهم لا يصلون أصلا. والذين يصلون يعُدوننا كافرين، أما هؤلاء الناس الذين يقضون يومهم في الاستهزاء والسخرية ويسخرون من أحكام الإسلام المقدسة، وهم مصبَّغون بصبغة أوروبا طبقا بعد طبق، فيدعوننا ويقولون أن نصلي وراءهم. فخلف مَن نصلي؟ هل نصلي خلف الذين إذا عُدّوا مسلمين؟ لعل أداء الصلاة خلفهم تكون غير مسموح بها أصلا؟ أو هل نصلي وراء الذين يرون الإسلام كعاطفة قومية فقط ويحترمون رسول الله  لحماية حقوقهم السياسية فقط. لا شك أن نشوء هذه الحركة من قِبلهم يوحي بأنها ليست من الرحمن.
الفتوى بعدم أداء الصلاة خلف غير الأحمديين: والآن أنقل فتوى المسيح الموعود  التي منع فيها من الصلاة وراء غير الأحمديين، فيقول: "أن الله تعالى قد أخبرني أنه حرام عليكم حرمةً قطعية أن تصلّوا وراء أي مكفِّر ومكذِّب أو متردد. وإنما يجب أن يكون إمامكم منكم، وإلى ذلك يشير جزءٌ من حديث البخاري: "وإمامكم منكم"؛ أي أن المسيح عندما ينزل فلا بد لكم أن تتركوا بالكلية كلَّ الفِرق الأخرى التي تدّعي الإسلام، ويجب أن يكون إمامكم منكم. فافعلوا كما تؤمرون تمامًا. أتريدون أن تجعلوا لِله عليكم حجةً وأن تَحبط أعمالُكم وأنتم لا تشعرون؟ إن الذي يصدّقني من القلب فإنه يطيعني أيضًا من القلب، ويتخذني حَكَمًا في كل حال، ويطلب مني الفصلَ في كل قضية. ولكن الذي لا يصدّقني من صميم القلب ستجدون فيه الزهو والكبر والعُجب والأنانية، فاعلموا أنه ليس مني في شيء، لأنه لا ينظر إلى أوامري -التي تلقيتها من الله تعالى- نظرةَ تعظيم، لذا فإنه لن ينال في السماء التكريمَ". (الأربعين رقم 3، الخزائن الروحانية، مجلد 17، ص 417 الحاشية)
التأمل في هذه العبارة يوحي أولا أن الذي يصلي وراء غير الأحمدي أو هو على صلة معهم يرتكب فعلا هو حرام قطعا. ثانيا: يجب علينا أن نتحاشى العلاقة مع غير الأحمديين كليا. ثالثا: الذي لا يفعل ذلك حجة الله قائمة عليه. رابعا: ستحبط أعماله. خامسا: الذي يؤمن بالمسيح الموعود من الأعماق يقبل قراره هذا وقراراته الأخرى. وسادسا: الذي لا يقبلها في قلبه مرض التمسك برأيه. سابعا: قطع المسيح الموعود علاقته معه قائلا: فهو ليس مني. ثامنا: لن ينال فاعل ذلك إكراما في السماء. فماذا نفعل الآن مع وجود هذه الفتاوي وكيف ننضم إلى الذين يدعوننا إلى هوة الهلاك؟
الشهادات القرآنية: فمن ناحية يدعونا كلام الله ومن ناحية أخرى يجذبنا إليهم بعض الناس الذين لا علم لنا بإيمانهم بل هم يكذّبون مبعوثا ربانيا ويكفّرونه بصراحة. فالأفضل أن نقبل نداء الله ونقدم أحكامه الآن أيضا كما قدمناها على كلام الناس من قبل. يقول المسيح الموعود  بعد استعلام من الله بأن الذي يرى الذين لا يؤمنون بي صالحين والذي يصلي خلفهم والذي لا يقطع علاقته بهم كليا إنه في قبضة الشيطان ولا يؤمن به  وستحبط أعماله ولن يُكرَم في السماء. فما أخطر الابتلاء علينا إذ نرى الأمن والهدوء الظاهري في جانب، وننال العزة في نظر المعارضين ولعل هناك أملا في نيل أهمية أكبر في نظر الحكومة أيضا بسبب العلاقة مع الزعيم، وفي جانب آخر هناك فتوى المبعوث الرباني التي تقول بأنكم إن لم تقطعوا علاقتكم بهم بصورة قاطعة فستنقطع علاقتي بكم. وإذا نظرنا إلى العاجلة فإن مصلحتنا تكمن في الأمر الأول ولكن لو اهتممنا بيوم ثقيل فلا نرى بدا من العمل بالأمر الثاني. إذا عقدنا الصلح معهم فماذا نفعل بالآيات القرآنية التي تقول: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا (النساء: 140)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (النساء: 145)، إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (النساء: 151-152) ففي الآية الأخيرة بوجه خاص نجد ذكر فئة يدّعون أنهم يرون المسيح الموعود  مسلما تقيا وصادقا ولكن لا يؤمنون به نبيا، ويقولون بأن النجاة تكمن في الإيمان بالله وليس في الإيمان بالرسل، ويعتقدون أن الإنسان قد يستحق العذاب نتيجة إنكار رسول الله  ولكن لا ضير في عدم الإيمان بالمسيح الموعود. ولكن الله تعالى يقول بأنهم كاذبون وكفار ويستحقون العذاب عند الله -يقول المسيح الموعود  أيضا: "من فرّق بيني وبين المصطفى فما عرفني وما رأى- فيقول الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ (الأَنعام: 22)، فكيف ننكر على الرغم من وجود هذه النصوص الصريحة ونقول بأن الإيمان بالرسل جميعا ليس ضروريا وأن الإيمان بالمسيح الموعود ليس مما تعتمد عليه النجاة؟ فإذا قلنا ذلك لكنا أيضا من فئة يقول الله تعالى عنها: أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (النساء: 152) والذين يقول عنهم: أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ (فنعوذ بالله من ذلك الكذب والبهتان، وبفضله من همزات الشيطان) ولو فعلنا ذلك فكأننا نحقق نبوءة المرتد عبد الحكيم ونؤيد الشيطان لأنه واجه المعارضة بناء على أفكاره هذه وطُرد من الجماعة لادعائه أنه يجب أن يكون الجميع -ما عدا بعض المكفرين الذين بذلوا جهودهم في المعارضة- ناجين ويجب ألا تُصدر بحقهم فتوى الكفر. فإن اعتناقنا مثل هذه الأفكار إنما هو بمنـزلة اتباع عبد الحكيم وإنكار المسيح الموعود ، وإحقاق نبوءة عبد الحكيم الشيطانية القائلة بأن المرزائيين (يقصد بهم الأحمديين) سيُعدّون الإيمان بالمرزا المحترم غير ضروري قريبا ويحسبون الفِرق الأخرى كلها مسلمة ويرون الأعمال هي مدار النجاة ويحسبون الإيمان بالرسل قضية منفصلة. فإن قبولنا هذه الأمور موت لنا وتكذيب للجماعة.
أرى ضروريا أن أكتب في الأخير أنني لست الوحيد الذي يكره هذه الأفكار بل إن إمامنا والعقلاء كلهم أيضا لا يحبونها بحسب علمي. فأستطيع القول بفضل الله تعالى بأننا نعلن بصدور منشرحة آملين بفضل الله تعالى ومتوكلين عليه ومستفيدين من تجربة جماعة المسيح الناصري  بأننا آمنا بمبعوث رباني ونوقن بكل أمر من أوامره وأنه مدار النجاة فنقول دون أدنى تردد: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ.
العبد المتواضع: مرزا محمود أحمد
(مجلة تشحيذ الأذهان، نيسان/أبريل 1911م)


تعليقات

التنقل السريع