مقال (363) الحديث الذي في البخاري الخاص بتفسير ابن عباس "مُتَوَفِّيكَ مميتك " هل هو حديث صحيح ؟وهل سنده متصل؟ وما رأي الميرزا في عدم اتصال السند ؟
و يعرف الميرزا غلام أحمد جيدا أن البخاري روى هذه الرواية بصيغة التعليق , أي لم يروها بالصيغة التي تثبت صحة الرواية أي بالسند المتصل لابن عباس .
و هذه الصيغة طبعا تجعل الرواية ضعيفة لحين إثبات إتصال السند أي من البخاري إلى ابن عباس .
فهل هذه الرواية فعلا متصلة السند ؟
يقول الميرزا في كتابه " التحفة الجولوروية "/1902 صفحة 60 :
" ... ثم ما يقْوى به هذا الإثباتُ أن البخاري أورد في صحيحه معنى ابن عباس لـ "متوفيك"، وهو: مميتك. وكذلك ورد المعنى نفسه في "الفوز الكبير"، وأُدرج في شرح العيني للبخاري سندُ قول ابن عباس هذا.
فالواضح من هذا النص القاطع أن عيسى - عليه السلام - قد توفي حتما قبل ضلال النصارى " انتهى النقل
فهل ورد فعلا في كتاب " الفوز الكبير " أو كتاب " عمدة القاري "شرح صحيح البخاري للعيني ما يثبت اتصال السند و تغليق التعليق ؟
في كتاب " الفوز الكبير" كما في الصورة المرفقة قال مؤلف الكتاب " أن البخاري اعتمد على تفسير ابن عباس عن طريق علي بن ابي طلحة " انتهى النقل
و هذا لا يثبت إتصال السند و لا صحة الرواية .
و في كتاب " عمدة القاري " قال " إن تعليق ابن عباس هذا رواه عن ابن ابي حاتم عن ابيه : حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي ابن ابي طلحة عن ابن عباس " انتهى النقل
فهل ثبت من هذا سماع علي بن ابي طلحة من ابن عباس مباشرة ؟
يقول علماء المصطلح أن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس , و معنى هذا أن السند الذي جاء به العيني في كتابه "عمدة القاري" غير متصل لوجود انقطاع بين ابن ابي طلحة و ابن عباس , و يبقى الحال كما هو عليه بعدم اتصال السند و تظل رواية البخاري المشار اليها لابن عباس معلقة أي ضعيفة و لا يصح الاستدلال بها , و كما لا يخفى على المتدبر أن البخاري لم يكتفي بالرواية المعلقة و لكنه لم يأتي بتفسير ابن عباس " متوفيك مميتك " حيث أن الصحيح أن الآية من سورة آل عمران و لكن البخاري جاء بها في تفسيره لسورة المائدة .
فهل يصح الاستدلال بالروايات غير متصلة السند الضعيفة على أمور مهمة في ديننا؟
فإذا اعتقد المسلم بعدم موت سيدنا عيسى عليه السلام فهو مشرك كما يدعي الميرزا ذلك في نصوص عديدة في كتبه و أهمها كتاب " الاستفتاء "/1907 م ؟
إن الميرزا غلام أحمد حينما طلب دليلا واحدا على حياة سيدنا عيسى عليه السلام في السماء طلب دليلا قطعي الثبوت و الدلالة كما في كتابه " اتمام الحجة "/1893 صفحة 60 و 61 , و لا يكون ذلك كما قال الميرزا غلام أحمد إلا في القرآن الكريم أو الأحاديث المتواترة , و اعتبر خلاف هذا من الأدلة الظنية التي لا تغني من الحق شيئا كما قال الميرزا غلام أحمد , فهل رواية البخاري المشار اليها من الأدلة القطعية أم من الظنية ؟
و فهل هناك دليل واحد فقط على نبوة الميرزا من نفس النوعية من الأدلة التي يطلبها الميرزا غلام أحمد من خصومه؟
و هل هناك دليل واحد قطعي على أن هناك نبوة ظلية أو بروزية في الشريعة الاسلامية ؟
و النص التالي من كلام الميرزا غلام أحمد يظهر فيه عقيدة الميرزا غلام أحمد في الأحاديث و سندها و رواتها و تدخل الرواة في نصوصها و قوتها في الاستدلال بها من كتاب " ازالة الاوهام"/1890 ص 410 :
" فاعلموا أن القرآن الكريم كلام الله القطعيُّ واليقينيّ، ولا دخل فيه للإنسان قيد أُنملة أو شعرة، إنه كلام الله تعالى وحده بألفاظه ومعانيه، ... إن كل آية من آياته يصحبها تواتر من الدرجة العليا.
وهو وحيٌ متلُوٌّ محسوبةٌ كلماته بمنتهى الدِّقة، وهو مصون من التبديل والتحريف بسبب إعجازه أيضا.
أما الأحاديث فمليئة بتدخلات الناس، وما يُعتبر منها صحيحًا أيضا، لا يحظى حتى عشرة ملايين منها من العظمة والشوكة التي تتمتع بها آيةٌ واحدة من كلام الله المنقطع النظير.
لا شك أن الحديث الصحيح الذي ثبت عن النبي r بسند متصل، إنما هو نوع من الوحي، ومع ذلك ليس من النوع الذي يمكن أن يقوم مقام القرآن الكريم، لذلك لا تجوز الصلاة بقراءة الحديث بدلا من القرآن الكريم.
وفي الأحاديث أوجه كثيرة تشير إلى ضعفها بحيث يحتاج العاقل دائما بالنظر إليها للعثور على إشارة على الأقل من القرآن الكريم لتقويتها.
صحيح أن الأحاديث وصلت إلى مدوِّني الصحاح على لسان الصحابة بواسطة عدة رواة، وصحيح أيضا أن مدوِّني الصحاح بذلوا قصارى جهودهم قدر الإمكان في تحقيق الأحاديث وتمحيصها، ولكنْ مع ذلك؛ لا يمكننا أن نثق بها كثقتنا بكلام الله جلّ شأنه، لأنها وصلت إلى أئمة الحديث مرورا بوسائط عديدة وعبر أناس عاديين.
فمثلا هناك حديث رواه عمر t وهو خليفة رسول الله ورئيس الثقات، ولكن في سلسلة الرواة هناك ستة أو سبعة أشخاص لا تثبت تزكية نفوسهم ولا كمال طهارتهم، وإن صدقهم وتقواهم وأمانتهم مقبولة بصورة سطحية ولحسن الظن بهم، ولكن لا يثبت عنهم شيء على وجه اليقين، فكيف يمكن إذن إنزالهم منـزلة عمر t في الصدق والصلاح؟
ولماذا لا يمكن أن يصدر منهم خطأ - قصدا أو عن غير قصد - عند روايتهم بعض الأحاديث؟
فمن هذا المنطلق فإن بعض الأئمة مثل الإمام الأعظم الكوفي t الذي يُعدّ من أصحاب الرأي السديد، لم يتوجه إلى الأحاديث إلا قليلا، وقد اعتُبرت اجتهاداته مخالفة للأحاديث الصحيحة بسبب دقة معانيها. " انتهى النقل
فهل يصح للميرزا غلام أحمد الاستدلال بالأحاديث على نبوته أو أي عقيدة خالف بها عقيدة المسلمين ؟
و هل يصح للميرزا غلام أحمد أن يستدل بكتب أهل الكتاب سواء العهد القديم أو الجديد على أمور لا ترقى لمستوى الأحاديث عند المسلمين دع عنك إقرار الميرزا غلام أحمد بتحريفها أصلا و أن سيدنا عيسى عليه السلام لم يكتبها من الأصل .
و هل يصح الإقرار بنبوة بوذا و غيره من الشخصيات التي أقر الميرزا غلام أحمد بنبوتها من غير أي دليل قطعي على ذلك ؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
د.إبراهيم بدوي
2020-04-04
مرفق صور من كتاب " الفوز الكبير" و كتاب " عمدة القاري " بالمواضع التي ذكرها الميرزا غلام أحمد في كتابه " التحفة الجولوروية "/1902 صفحة 60.
مقالات لها علاقة بنفس موضوع تفسير ابن عباس المشار إليه
مقال (059) سلسلة الإستفسارات
للقاديانيين و متوفيك و ابن عباس
(الأحمديين)
تعليقات
إرسال تعليق