مقال (531) هل كان عند الميرزا دراية تُعَدّ مِن خرق العادة!!!
ما ادعاه من عطاءات في كتاب (الهدى والتبصرة لمن يرى)
في
كتاب (الهدى والتبصرة لمن يرى) 1902م يذكر الميرزا بعض
العطاءات التي وهبها له ربه يلاش فيقول([1]):
"جعله الله من الموفَّقين المنصورين"، "ومَنَّ عليه بالامتياز
بالعلم والبصيرة... ووهب له دراية تُعَدّ مِن خرق
العادة"، "ومع ذلك مِن شرائط مصلح أهل الزمان، أن يفوق غيرَه
في التفقّه وقوّة البيان وأن يقدر على إتمام
الحجّة"، "ويعصم نفسه من الخطأ في الآراء، ويرى الحقَّ والباطل
كالنهار والليلة الليلاء"، "وما ترَكه كحِرْباء يتعلق بالأشجار"
و"ويؤكّد قوله بالبرهان".
التعليق: لم يوفقه الله ولم ينصره حينما قال إنّ القس بيجوت سيموت في
حياته، وأضاف الميرزا أنه لو مات الميرزا في حياة القس بيجون فهذا يعني أنه من
الشيطان، ومات الميرزا قبل القس بسنوات، ولم يوفقه الله ولم ينصره حينما قال إنّ
زوج السَيِّدة مُحَمَّدي بيجوم سيموت في حياته، وإنّ موته قدر مبرم، وإنّ زواجه من
السَيِّدة مُحَمَّدي بيجوم قدر مبرم أيضًا لا راد له، فمات الميرزا، ولم يمت زوجها
في حياة الميرزا، ولم يتزوج الميرزا السَيِّدة مُحَمَّدي، ولم يوفقه الله ولم
ينصره حينما وعده ربه يلاش العاج أنّه سيطيل عمره أكثر ممّا تنبأ به الدكتور عبد
الحكيم البتالوي الذي عرف دجل الميرزا وترك الأحمدية، ومات الميرزا قبل الموعد
الذي وعده ربه به؛ حيث قال إنّ عمره سيكون بين 74 و86 سنة فمات عن عمر 66 سنة،
وسيأتي تفصيل كل ما سبق في الجزء الثالث بعون الله تعالى
والرد على ادعائه بأن الله وهب له دراية تُعَدّ مِن خرق العادة
بما يلي:
1- هل من الدراية
الخارقة للعادة ما قرره الميرزا أنّ المادة أي الجُسَيم المسبب لمرض الجرب([2]) هو
نفسه الجسيم المسبب لمرض الطاعون([3])،
ولذلك يقرر الميرزا([4]) أنّ
العلاج الوقائي للطاعون هو نشر الجرب بين الناس، ويشرح الميرزا؛ أنه إذا أردنا منع
انتشار الطاعون في بلد محتمل أنْ يصاب بالطاعون فلننشر فيها الجرب أولًا، فلا
ينتشر الطاعون به، والاعتراض الرئيسي على كلام الميرزا هو في قوله إنّ "مادة
الجرب والطاعون واحدة"، وهذه مخالفة علمية لأنّ المسبب للجرب هو حشرة، بينما
المسبب للطاعون بكتيريا.
وإذا
قال الميرزا في أول الفقرة الخاصة بهذا الموضوع:"لقد علمت بوسيلة
روحانية"، فما هي الوسيلة الروحانية إنْ لم تكن الوحي من ربه؟ فالعلم إمّا
بالتعلم والاكتساب ولا يقال له روحانيا([5])،
وإمّا من الله تعالى وإمّا من الشيطان، فلماذا تركه ربه يلاش العاج من سنة 1898
إلى أن هلك الميرزا في سن 1908م ولم يصحح له هذه المعلومة الروحانية!!!.
وقد
قال الميرزا في آخر النص:"لأن هذه الفكرة نشأت في قلبي بقوة لم أستطع أنْ أقاومها"([6])،
فما هي القوة التي تستطيع أنْ تسيطر على نبيٍّ وتجعله لا يستطيع المقاومة فيكتب
معلومة علمية فاضحة؟ إنْ لم تكن من الله فمن أين! أكيد من شيطانه يلاش العاج.
والذي
يؤكد أنّ ما قاله الميرزا بخصوص مادة الجرب والطاعون أنّهما مادة واحدة وأنّ كلامه
هذا كان بوحي من ربه يلاش العاج وليس اجتهادًا منه يحتمل الصواب والخطأ، ما أقر به
علماء الأحمدية في كتاب (التذكرة) في صفحة 314 حيث يقولون:" في تشرين الثاني
1897، ورد في "الحَكَمَ"([7]):"لقد
رأى حضرة حجة الإسلام (أي المسيح الموعود - عليه السلام -) رؤيا كأنّ
الطاعون قد تفشّى في قاديان دار الأمان. ففَهِمَ أنّ المراد منه الجَرَب،
فقال - عليه السلام -:"ستظل قاديان مأمونة ومصونة من الطاعون غير الميمون،
أما تفشّي مرض الجَرَب فلا غرابة فيه"، وقال صلى الله عليه وسلم على سبيل
الاجتهاد: (الدواء الذي يسبّب الجَرَب يحول دون الإصابة بالطاعون)، علمًا أنّ
الكلمات بين القوسين إنّما هي اجتهاد وقياس منه - عليه السلام -، وليست
وحيًا".
2- وهل من الدراية الخارقة للعادة التي
ينسبها الميرزا لنفسه الاعتقاد أنّ ثمار التين البري تتحول إلى حشرات وتطير، يقول
الميرزا غلام([8]):"والأغرب
من كل ذلك أن هناك شجرة معروفة اسمها التين البري، لا تتولد في ثمرتها الديدان ما
بقيت خضراء، وكلما نضجت تكونت فيها الديدان، وعندما تُفتح الثمرة تطير منها
الديدان أحيانا. وفي بعض الأحيان عندما يفسد بيض الدجاج أو البط تتولد فيه مئات
الديدان بدلا من الفراخ. كل هذه الأمور تدل على أن هذا سرّ مختلف تماما. وهو السر
نفسه الذي نسميه الخلْق من العدم. فمثلا افتحوا ثمرة التين البري التي يأكلها
الهندوس والمسلمون جميعا، لن تجدوا فيها أي دودة، ولكن عندما تنضج تتحول المادة
نفسها([9]) إلى
ديدان".
ويقول([10]):"كذلك
هناك خطأ آخر أيضًا في العلوم أي في البحوث الطبيعية إذ يُظَنُّ على وجه القطعية
أنّ الديدان التي تتولد في الأشياء المادية تأتي من الهواء أي أنّ ديدان الهواء
تدخل تلك الأشياء، ولكن هذه القاعدة نقضت في عدة مرات. فمثلا الدودة التي تتكون في
المثانة بواسطة النطفة، فإنها لا تتكون من الهواء بحسب اعتراف العلماء ولا دخل
فيها للهواء. كذلك الحشرات الصغيرة ذات الأجنحة التي تتكون في ثمرة
التين البري ولا تؤدي إلى فساد الثمرة بل تجعلها حلوة وقابلة للأكل، لا علاقة لها
أيضًا بالهواء. فلأنّ ثمرة التين البري غير الناضجة تكون كنطفة
لها بقدرة الله لا تُلاحظ فيها دودة ما دامت غير ناضجة فيُنضجها
الناس ويأكلونها. ثم كلما نضجت رويدا رويدا تكونت من مغزاها كائنات
صغيرة ذات أجنحة خضراء ولامعة إلى حد ما، ويأكل الناس تلك الثمرة مع تلك
الكائنات".
ويقول([11]):"كذلك
هناك بعض الأشجار التي حين تنضج ثمارها وتكون قابلة للأكل تصبح كلها
حشرات طائرة فتطير كالطيور الأخرى، ومثال ذلك ثمرة التين البري".
3- وهل
من الدراية الخارقة للعادة أنّ الفصول الأربعة تتغير بسبب تغيرات تحدث في الشمس!!!
يقول
الميرزا([12]):"لقد
قال الله تعالى بكل صراحة في عدة مواضع من القرآن الكريم بأنّ كل ما خُلق في
السماء من الأشياء فإنها قد خُلقت لفائدة الإنسان فقط. والإنسان أعلى وأرفع مرتبة
من كل شيء، فقد سُخِّر كل شيء لخدمته كما يقول تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)
وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا
تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ(34)}([13])،
ويقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}([14])،
أي سخر لكم الشمس والقمر اللذَينِ لا يبقيان على حالة واحدة من حيث
الكيفية والخواص؛ فمثلا الصفات التي تتحلى بها الشمس في أشهر
الربيع لا تتحلى بها في الخريف قط. فمن هذا المنطلق تكون الشمس والقمر في حركة
ظاهريةٍ مستمرة، وبحركتهما يحل فصل الربيع حينا ويحل فصل الخريف في حين
آخر. وفي فترة تظهر لهما صفات وخواص معينة ثم تظهر في فترة أخرى على عكس ذلك
تماما".
فهل
الصفات التي تتحلى بها الشمس في أشهر الربيع لا تتحلى بها في الخريف؟ وهل الشمس
والقمر لا يبقيان على حالة واحدة من حيث الكيفية والخواص؟ وهل بحركة الشمس والقمر
يحل فصل الربيع حينا ويحل فصل الخريف في حين آخر!!!
4- وهل من
الدراية الخارقة للعادة التصديق على قول من قال إنّ الشمس والقمر عامران بالحياة
الحيوانية والنباتية مثل الأرض؟
يقول الميرزا([15]):"...وهنا نقول أيضًا إن البحوث العلمية المعاصرة تشهد
على أن انشقاق القمر لم يحدث مرة واحدة فقط، بل إن الاتصال والانشقاق جاريان سرا
في الشمس والقمر باستمرار، لأن العلوم المعاصرة تبدي رأيها
المحكم بأن الشمس والقمر عامرتان بالحيوانات والنباتات وغيرهما كما هي الأرض وهذا
الأمر يثبت الانشقاق والاتصال للقمر، لأن من الواضح جدا أن الحيوانات
والنباتات وغيرها تتخذ جسمها من مادة الكوكب نفسه الذي تكون عليه، وليس صحيحا أن
تلك المادة تنقل إليها بالعجلات والمركبات من كوكب آخر. الآن حين لم
نجد بدا من الإقرار بأنه قدر ما يوجد في القمر من كائنات حية وهي تتحرك بإرادتها
وتتولد بانتظام، فإن مادة جسمها هي نفس التي كانت تتصل بجرم القمر؛ فهذا يستلزم
الإقرار بأن جرم القمر يلزمه الانشقاق دوما. ثم بموت هذه الكائنات يلزم الاتصال
أيضًا. فالواضح من هذا التحقيق أن الانشقاق والاتصال موجودان في القمر كل
حين وآن بل في الشمس أيضًا. وإن مثالا عظيما لهذا الانشقاق والاتصال يكمن في حادثة
انشقاق القمر المذكور في القرآن الكريم. فما دام العلماء يقرون بأنفسهم بنموذج
أصغر فما الذي يدفعهم إلى إنكار العظيم؟ فالأمر الحقيقي ثابت بحسب طريق
العلماء أيضًا أن الانشقاق والاتصال يحدثان بانتظام في جرمي الشمس والقمر؛ فبناء
على ذلك قد سلّم بكون هاتين الكرتين عامرتين بالحياة".
التعليق:
أولًا- باعتبار أنّ الميرزا هو الحكم العدل، وأنّ الروح القدس ترافقه
على الدوام، وأن ربه لا يتركه على خطأ طرفة عين، فإذا صدّق الميرزا على قول سواء
أكان من كلام علماء الدين، أو كان من كلام علماء الطبيعة([16])،
فلا بد من اعتبار أنّ ما صدّق عليه الميرزا هو قول صحيح، لأنّ الميرزا أقر بما
فيه، وإلا كان من الواجب عليه رفضه، وقد رفض بالفعل بعض أقوال الفلاسفة في بعض
المسائل.
ثانيًا- قول الميرزا "البحوث العلمية المعاصرة تشهد"،
يعني التصديق من الميرزا لهذه البحوث العلمية، بدليل قوله "تشهد"،
لأنّ الشهادة الثبوتية هي من أعلى مراتب الثبوت.
ثالثا- قول
الميرزا:"المحكم" في قوله "العلوم المعاصرة تبدي
رأيها المحكم"، وقوله:"فالأمر الحقيقي"
في قوله" فالأمر الحقيقي ثابت بحسب طريق العلماء"،
يؤكد منتهى التصديق من الميرزا لرأي العلوم المعاصرة، واعتبارها من الحقائق التي
تثبت صدق ما ورد في القرآن.
رابعا- وأخيرًا، فلا
يُقبل من الأحمديين قولهم: "إنّ ما نقله الميرزا هو رأي العلوم المعاصرة في
زمنه، وليس رأيه الشخصي، كما أنه من الممكن أن يخطئ الأنبياء في الاجتهاد".
والرد على قولهم
كالتالي:
· نحن نحاسب الميرزا بما يدعي، فقد ادعى أنّ الروح القدس ترافقه على الدوام،
وأنّ الله تعالى لا يتركه على خطأ طرفة عين، وأنّ ما يكتبه مصطبغ بصبغة الوحي، ولم
يقل نبيّ مثل ما قال الميرزا، فلا نساوي الخطأ في الاجتهاد للأنبياء بخطأ الميرزا
في الاجتهاد.
· الميرزا قال بالتسليم بكون هاتين الكرتين عامرتين بالحياة،
فلماذا لم يصحح له كل هذه الأخطاء الروح القدس أو ربه الذي لا يتركه على خطأ طرفة
عين، وبخاصة أننا رأينا أنّ الميرزا يستدل بما في هذه الأبحاث لبيان حقيقة انشقاق
القمر، ومع العلم فإنّ الميرزا قال بهذه العقيدة سنة 1886م، ولم نرى نصًا من
الميرزا قال فيه بأنه اجتهد في هذا الأمر ثم ثبت له أنه أخطأ، كما قال في كتبه مثل
(إزالة الأوهام) و(حقيقة الوحي) وغيرهما، بأنه أخطأ في مسألة حياة سيدنا عيسى عليه
السلام في السماء، وفي معنى التوفي في سنة 1884م.
د.ابراهيم بدوي
29/7/2024
[1] كتاب (الهدى والتبصرة لمن يرى) سنة 1902م الصفحة 60
و61.
[2] هو مرض جلدي معدي تسببه حشرة صغيرة جدًا.
[3] الطاعون هو من الأمراض المعدية القاتلة التي يسببها نوع من البكتيريا، ولا يسببه حشرة.
[4] كتاب (التذكرة) في نص منقول من كتاب (أيام الصلح) سنة 1898م
صفحة 318.
[5] والنص التالي من كتاب الميرزا (حقيقة الوحي) 1905-1907 صفحة
9 يقرر الميرزا فيه أنّ للإنسان قوى عقلية وقوى روحانية، وأنّ القوى الروحانية
تعتمد على صفاء ونقاء القلب، فإذا كان قلب نبيّ يتلقى معلومة روحانية خاطئة فاضحة
فهذا لا يعني إلا أنّ قلب وروح هذا المدعي للنبوءة مليء بالأوهام والخرافات ولا
علاقة له بالله العلي القدير العليم.
ويقول الميرزا غلام:
"إذَنْ، فإن الإله الكريم الرحيم كما جعل فطرة الإنسان تجوع وتتعطش من أجل
معرفته الكاملة، كذلك فقد أودع فطرة الإنسان نوعينِ من القوى بُغية إيصاله إلى تلك
المعرفة الكاملة: إحداهما القوى العقلية التي مصدرها الدماغ، والثانية
هي القوى الروحانية التي مصدرها القلب والتي يعتمد نقاؤها على نقاء القلب. والأمور
التي لا يمكن للقوى العقلية أن تكشفها بصورة كاملة فإن القوى الروحانية تبلغ كنهها.
والقوى الروحانية إنما تملك القوة الانفعالية فحسب، أي خلق الصفاء والنقاء حتى
تنعكس فيها فيوضُ مبدأ الفيض. لذا يُشترَط لها أن تكون مستعدة لجذب الفيض حتى تنال
فيض معرفة الله الكاملة، وألا يحول دون ذلك حائل أو عائق...".
[6] يقول بشير الدين محمود في كتابه (حقيقة النبوة) صفحة
370:"فالحق أن الأنبياء لا يتخلّون عن معتقدات عامة الناس ما لم يُكشف الأمر
عليهم تمامًا. ولكنهم يُطلَعون على حقيقة الأمر قبل وفاتهم حتى لا يرفض الناس كل
كلامهم حاسبين إياه غير ملهَم به"، فهل صحح يلاش للميرزا هذا الخطأ العلمي
الذي عرفه الميرزا عن طريق الوحي!!!
[7] جريدة (الحَكَمَ) الأحمدية.
[8] كتاب (ينبوع المعرفة) 1907م صفحة 132.
[9] أي مادة نبات التين البري.
[10] كتاب (ينبوع المعرفة) 1907م صفحة 264.
[11] كتاب (ينبوع المعرفة) 1907م صفحة 320.
[12] كتاب (توضيح المرام) 1891 صفحة 83.
[13] سورة إبراهيم.
[14] سورة البقرة (29).
[15] كتاب (الكحل لعيون الآرية) 1886م صفحة 223.
[16] يسميهم الميرزا أحيانا الفلاسفة.
تعليقات
إرسال تعليق